هل تحيي استراتيجية "الوسيط المحايد" دور المغرب في ليبيا؟

هل تحيي استراتيجية "الوسيط المحايد" دور المغرب في ليبيا؟

30 يوليو 2020
يدرك المغرب أن استقراره رهن باستقرار ليبيا (حازم تركية/الأناضول)
+ الخط -

أعاد الحراك الدبلوماسي، الذي شهدته الرباط أخيراً، بعد استقبالها رئيس مجلس النواب الليبي المنعقد في طبرق عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي خالد المشري، في اجتماعات منفصلة، المغرب، مجدداً، إلى الملف الليبي، من بوابة محاولة تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة في هذا البلد، بهدف التوصل إلى اتفاق ليبي - ليبي، ينهي حالة الانقسام الحادة. وهذه ليست المرة الأولى التي يستضيف فيها المغرب حوارات ومفاوضات على مستوى عالٍ بين أطراف الصراع الرئيسية في ليبيا. غير أن الحراك الدبلوماسي الأخير يشي بأن الرباط تحاول العودة بقوة للعب دور الوساطة في الملف، ومواصلة تحركاتها على أساس خارطة الطريق التي أعلن عنها يوم 23 يونيو/حزيران الماضي في العاصمة المصرية القاهرة خلال الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب. 
ولئن كانت الدبلوماسية المغربية في هذا التوقيت حريصة على استعادة دور "الوسيط المحايد" بين الفرقاء الليبيين من خلال تقريب وجهات النظر بينهم "من دون أي أجندة أو أي مصلحة في هذا البلد"، بحسب وزير الخارجية ناصر بوريطة، فإن السؤال الذي يطرح هو حول المكاسب التي حققتها الرباط من بوابة استضافتها طرفي النزاع في آن واحد؟

أصبح موقع المغرب من المعادلة الليبية محلّ نقاش، في ظلّ رغبة قوى دولية في إسقاط اتفاق الصخيرات

من المؤكد أن الحراك الدبلوماسي الذي شهدته العاصمة المغربية الرباط، يومي الأحد والإثنين الماضيين، مكّن المملكة من استعادة زمام المبادرة في الملف الليبي، وتجاوز عثرة إقصائها من المشاركة في مؤتمر برلين، حين فوجئت في يناير/كانون الثاني الماضي بتغييبها عنه، على الرغم من أن المسؤولين المغاربة كانوا ينتظرون دعوتهم للمشاركة، مبررين ذلك باحتضان بلدهم مؤتمر الصخيرات (2015) الذي أفضى إلى اتفاق أوقف الاقتتال في ليبيا مدةً من الزمن.

وأصبح موقع المغرب من المعادلة الليبية محلّ نقاش، في ظلّ رغبة قوى دولية في إسقاط اتفاق الصخيرات كإطار توافق ليبي - ليبي برعاية الأمم المتحدة، وفتح الباب عبر ندوة برلين على تدويل الأزمة الليبية وتدخّل خارجي بحجة مراقبة إدخال الأسلحة. في موازاة ذلك، كانت لافتة محاولاتٌ أخرى جرت لتحجيم دور المغرب إقليمياً، من خلال دخول الدبلوماسية الجزائرية على الخط، ساعية إلى استعادة حيويتها في المنطقة المغاربية، ومحاولة إبعاد الرباط عن "حديقتها الخلفية"، من خلال دفن اتفاق الصخيرات، وطرح خطة ثلاثية لحلّ الملف الليبي.
كما برزت محاولات تحجيم لدور الرباط من خلال تغييب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اتفاق الصخيرات، الذي كان قد وضع في 17 ديسمبر/كانون الأول 2015 خارطة طريق واضحة لإنهاء الخلاف بين الأفرقاء الليبيين، من المبادرة التي كان قد أعلن عنها في 6 يونيو/حزيران الماضي. واللافت أن المبادرة المصرية جاءت بعد أسابيع قليلة على محاولة اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر الانقلاب على اتفاق الصخيرات، ووصفه بأنه "اتفاق مشبوه ومدمر، قاد ليبيا إلى منزلقات خطيرة".
وفي الوقت الذي أفلح فيه المغرب في العودة إلى الملف الليبي واستعادة زمام المبادرة، في ظلّ تزايد التنافس الإقليمي والدولي للسيطرة على الملف، بدا لافتاً أن الرباط حققت مكسباً آخر، بعدما أظهرت مواقف الفرقاء الليبيين أن هناك إجماعاً على الدور المحوري للمغرب في حلّ الأزمة الليبية. ويأتي ذلك نظراً لما يشكله اتفاق الصخيرات من أرضية سياسية تأسيسية، لا تتعارض مع كل الاتفاقيات والمبادرات الليبية الأخيرة، بما فيها مبادرة عقيلة صالح.
وبالتزامن مع تعويل المملكة على الحوار بين مجلس نواب طبرق والمجلس الأعلى للدولة في ليبيا للوصول إلى تفاهمات حول كيفية تطوير وتجويد اتفاق الصخيرات، كشفت تصريحات رئيسي المجلسين، أن هناك تشبثاً بالدور المغربي في مساعي حلحلة الأزمة، ودعوة صريحة إلى الرباط من أجل رعاية التوجه الجديد الرامي إلى البحث عن صيغة جديدة تقوم على أساس إدخال تعديلات على الاتفاق بما يتلاءم مع المرحلة الحالية. وهذا ما أكده المشري بعد المباحثات التي جمعته برئيس مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان المغربي)، عبد الحكيم بن شماش.
ويرى مدير مركز الدراسات الدولية حول تدبير الأزمات في جامعة القاضي عياض بمراكش، إدريس لكريني، أن الموقف الصادر عن طرفي النزاع الليبي بخصوص أهمية اتفاق الصخيرات، هو مكسب كبير يبرز أن القوى الليبية بدأت تعي أهمية مخرجات الاتفاق، كما يعكس ثقة تلك الأطراف في المغرب الذي يسعى بصورة فعلية إلى لمّ شمل الليبيين، من دون الاصطفاف مع طرف ضد آخر.

أصبح الليبيون أكثر وعياً بأن الابتعاد عن مخرجات الصخيرات سيدخلهم في متاهات قد تصل إلى حدود التقسيم

وبحسب لكريني، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن الليبيين "أصبحوا أكثر وعياً بأن الابتعاد عن مخرجات اتفاق الصخيرات سيدخلهم في متاهات قد تصل إلى حدود التقسيم، وكذا خطورة ما ترمي إليه تدخلات بعض الدول، والذي لن يكون في صالح ليبيا والشعب الليبي والمنطقة المغاربية". وأوضح الباحث المغربي أن بلاده التي ظلّت إلى حدود الساعة متشبثة بموقفها من قبل الحل في ليبيا، قد تتمكن من كسب ثقة الأطراف الليبية التي ظلّت تؤكد على أهمية دورها وموقفها. ويلفت لكريني، في هذا الإطار، إلى أن الزيارة الأخيرة لطرفي النزاع، تمثل دفعة للجهود التي تحاول من خلالها الأمم المتحدة وبعض الدول التي تتمسك بوحدة الصف الليبي، وبحلٍّ حقيقي للنزاع، كسب رهان الاستقرار في هذا البلد.
وبرأي الباحث المغربي، فإن ثقة الأطراف الليبية في الرباط، تجعلها قادرة على توفير الأجواء المناسبة، التي قد تسمح بإرساء نسخة منقحة من اتفاق الصخيرات، لافتا إلى أن الرباط مؤهلة لرعاية واستضافة الحوار الليبي، وتوفير فضاء مناسب للتوصل إلى اتفاق ثان يفضي إلى الحد من التهافت الإقليمي والدولي، ويسمح بلمّ شمل الليبيين، بالنظر إلى ما يمتلكه من مقومات ومن شرعية، مرتبطة بوعيه بأن استقرار المنطقة المغاربية والمغرب نفسه رهين باستقرار ليبيا.

المساهمون