هل تتحوّل أفغانستان عراقًا آخر أمام أوباما؟

هل تتحوّل أفغانستان عراقًا آخر أمام أوباما؟

20 يناير 2015

قوة أميركية في طريق كابول - جلال أباد (يناير/2015/أ.ف.ب)

+ الخط -

تسلَّمت الحكومة الأفغانية، مطلع العام الجاري، رسميًّا، مهامّ الأمن كاملةً من "قوات المساعدة الدولية لإرساء الأمن في أفغانستان"، المعروفة اختصارًا باسم "أيساف"  ISAF؛ وذلك بعد إنهاء الأخيرة مهماتها القتالية في ذلك البلد، بعد 13 عامًا من بدئها. و"أيساف" قوة دولية أُنشئت بعد الغزو الأميركي أفغانستان، أواخر عام 2001، بمشاركة خمسين دولة، لكن عمادها الرئيس الولايات المتحدة، ثم حلف شمال الأطلسي.
وبحسب الرؤية التي كان أعلنها الرئيس الأميركي، باراك أوباما، والقاضية بإنهاء أكثر من عقد من الحروب الأميركية حول العالم، فإنّ الولايات المتحدة وحلفاءَها سيُبقون في أفغانستان حوالي 13550 جنديًّا، منهم حوالي 10600 جندي أميركي؛ وذلك من أصل 65 ألفًا كانوا موجودين مطلع عام 2014، كان منهم 38000 جندي أميركي. سوف تنحصر مهام القوات المتبقية في أفغانستان تحت اسم "الدعم الحازم"، والتي يفترض أن تنتهي أواخر عام 2016، بتدريب القوات الأفغانية، وتقديم النصح والمشورة لها، وتأمين دعم جوّي لها في سياق حربها ضدّ حركة طالبان، مع بقاء عمليات الطائرات من دون طيار مستمرة ضدّ الأهداف التي تعدّها الولايات المتحدة إرهابية.

التمهيد للانسحاب

يُعدّ التورط الأميركي في أفغانستان أطول حرب تخوضها الولايات المتحدة عبر تاريخها؛ إذ استغرقت ثلاثة عشر عامًا، وخسرت فيها الولايات المتحدة 2200 جندي، وكلّفت خزينتها أكثر من تريليون دولار. وقد وعد الرئيس أوباما في حملته الرئاسية عام 2008 بإنهاء التورط العسكري الأميركي في أفغانستان، قبل نهاية عام 2014. ولتحقيق ذلك، بادر عام 2010 إلى سحب عشرات الآلاف من القوات الأميركية المقاتلة من العراق، وإرسالها إلى أفغانستان؛ بهدف إضعاف حركة طالبان ودفعها إلى القبول بحلّ تفاوضي. وحاولت إدارة أوباما، أيضًا، التمهيد لانسحابٍ آمن وناجح، عبر إدماج حركة طالبان في العملية السياسية، وإشراكها في الحكم ضمن صيغة توافقية. وقد فتحت الولايات المتحدة مفاوضاتٍ غير مباشرة مع "طالبان" منذ عام 2011، مع الأخذ في الحسبان إنجازات عسكرية حققتها ضد الحركة حينها. وتكثفت هذه المفاوضات عام 2013، عندما جرى فتح مكتب لطالبان في قطر، ليكون قناة التفاوض الرسمية معها. غير أنّ إصرار حركة طالبان على انسحابٍ أميركي ودولي كامل من أفغانستان، ورفض أيّ نظام سياسي قام في ظل الاحتلال الأميركي، حالَا دون التوصُّل إلى اتفاق. وهكذا وجدت إدارة أوباما نفسها أمام خيار التخلّي عن الوعود التي أطلقتها بإنهاء عصر الحروب الأميركية، أو الانسحاب دون تحقيق نصرٍ حاسم. وفي المحصّلة، تقرّر سحب كلّ القوات المقاتلة من أفغانستان، مع الإبقاء على قوة عسكرية محدودة بغرض دعم القوات الأفغانية وتدريبها، فضلًا عن استمرارها في العمل ضد طالبان والقاعدة.

هل تتحوّل أفغانستان عراقًا آخر؟

على الرغم من إعلان الرئيس أوباما أنّ الحرب في أفغانستان وصلت بعد 13 عامًا إلى "نهاية مسؤولة"، فقد أقرّ أنّها تبقى مكانًا خطيرًا؛ إذ شهد عام 2014 مقتل أكثر من 4600 جندي ورجل شرطة أفغاني في مواجهات مع حركة طالبان، وهو ما دفع بكثيرين في واشنطن إلى التحذير من تكرار خطأ الانسحاب الأميركي من العراق، أواخر عام 2011؛ فخلال زيارةٍ له أفغانستان، حذّر السناتور جون ماكين، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ

الأميركي، من "أنّنا قد نرى الفِيلْمَ نفسه الذي رأيناه في العراق"، داعيًا إدارة أوباما إلى الإبقاء على قوةٍ عسكرية أكبر في أفغانستان.
ورافق تحذير ماكين من انسحابٍ مبكر، مطالبة الرئيس الأفغاني، أشرف غني، بإعادة النظر في جدول الانسحاب الأميركي في أفغانستان. وقد أعاد ذلك إلى الأذهان النقاش الذي جرى في الولايات المتحدة مع اقتراب موعد انسحاب القوات الأميركية من العراق، أواخر عام 2011. حينها جادلت إدارة أوباما بأنّ القوات العراقية مؤهّلة لحفظ الأمن في ذلك البلد، وقادرة عليه، لتفاجَأ بعدها بالانهيار المدوّي لقوات الأمن والجيش العراقيين، المدرّبَين والمسلحَين أميركيًّا، أمام تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، في مدينة الموصل وغيرها من القرى والمدن العراقية في يونيو/حزيران الماضي. وجرّاء فشل الجيش العراقي، وقوات البشمركة الكردية في التصدّي لزحف تنظيم الدولة، اضطرّت إدارة أوباما إلى العودة إلى تلك المنطقة في أغسطس/آب الماضي، عبر طيرانها الحربي وبضعة آلاف من "المستشارين" العسكريين، في ظل توقّعات بأن تضطر الولايات المتحدة إلى الانخراط، لاحقًا، في العمليات العسكرية البرّية المباشرة، وليس فقط عبر الإسناد الجوي والمشورة والتدريب والتسليح، خصوصًا إذا ما بدأت معركة استعادة الموصل.

خلاصة
في خطابه في يوم عيد الميلاد، أمام جنود البحرية الأميركية في ولاية هاواي، حاول الرئيس أوباما أن يصوِّر الانسحاب الأميركي على أنّه انتصار. فتحدّث عن مساعدة الشعب الأفغاني في استعادة بلده، وقيادة أمنه، وإجراء ما وصفه بأوّل انتخابات تاريخية، حقّقت انتقالًا ديمقراطيًا في أفغانستان. وتحدّث، أيضًا، عمّا عَدّه نجاحات في تدمير النواة القيادية للقاعدة، وقَتْل أسامة بن لادن، وإفشال مؤامرات إرهابية كثيرة ضد أميركيين. وخلص من ذلك كلّه إلى القول: "إنّ العالم اليوم أفضل، وأكثر أمنًا وسلمًا وازدهارًا، وبلادنا آمنة"، غير أنّ هذا الكلام يناقض ما جاء في البيان الذي أصدره أوباما، بعد أيام من أنّ أفغانستان تبقى "مكانًا خطيرًا"، وعدِّ حركة طالبان انسحاب قوات "أيساف" دليل "هزيمة".
فالعالم اليوم ليس أفضل حالًا، ولا أكثر أمنًا وسلمًا وازدهارًا، في ظلّ ما يجري في العراق وسورية وعموم المنطقة العربية. والغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة، ليسا أكثر أمنًا اليوم؛ في ظلّ تحوّل عمليات المنظمات "الجهادية" في الغرب من أسلوب العمليات الكبرى المنسَّقة والمخطَّط لها مسبقًا، إلى أسلوب العمليات الفردية بالإلهام لمن يوصفون بالغرب بـ"الذئاب المنفردة". وما تفجيرات بوسطن في إبريل/نيسان عام 2013، وحادثة إطلاق النار في البرلمان الكندي في أكتوبر/تشرين أول الماضي، واختطاف الرهائن في ديسمبر/كانون أول الماضي في العاصمة الأسترالية سيدني، واستهداف صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية أخيرًا، إلا أمثلة على ظاهرةٍ أوسع وأكثر خطورةً. وعليه، فإنّ الصورة الوردية التي رسمها أوباما لإظهار الانسحاب من أفغانستان كأنّه نصرٌ مبين، لا تعدو كونها كلامًا سياسيًا يجافي الحقيقة؛ فالآلة العسكرية قادرة على التدمير، وهو ما فعلته الولايات المتحدة، لكنّها عاجزة عن بناء الدول وحلّ المشكلات وإلغاء المظالم، دع جانبًا مسألة كسب العقول والقلوب.