هل انفرط المجلس الرئاسي في ليبيا؟

هل انفرط المجلس الرئاسي في ليبيا؟

22 يوليو 2018
+ الخط -
يتواصل مسلسل انفراط عقد أعضاء المجلس الرئاسي الليبي في هذا الوقت الحرج، والذي لا يسمح له بمواجهة مزيد من الصعوبات، فناهيك عن حياة المواطن الليبي التي أصبحت كارثية، من شحٍّ في السيولة، جعلت النساء والشيوخ ينتظرون أمام أبواب المصارف الموصدة أياما متتالية، من أجل الحصول على مئات من الدنانير، قد لا تكون كافية أياما في ظل موجة غلاء غير مسبوقة، نتيجة لتدني قيمة الدينار الليبي إلى فوضى، تضرب كل القطاعات العامة، متسببة في تدني خدماتها المقدمة للمواطنين، على الرغم من أعداد الموظفين المتزايدة (نظريا) فقط، والذين لم يساهموا إلا في زيادة الأعباء على الخزينة العامة، حيث تضاعف حجم المرتبات للعاملين في الدولة ثلاثة أضعاف ما كان عليه سنة 2010، مشيرا إلى بلوغه 26 مليار دينار ليبي، بعد أن كان تسع مليارات دينار عام 2010، ووصولا إلى مشكلة انقطاع الكهرباء الذي يتجاوز ثماني ساعات كل يوم، في صيفٍ درجة الحرارة فيه أكثر من أربعين درجة مئوية، ما أدى إلى تصاعد الاحتجاجات في مناطق مخنلفة داخل طرابلس، على الرغم من القبضة المليشياوية المتحكّمة في العاصمة، والتي تمنع أي احتجاج أو مظاهرة لا تشفع سلميتها، من دون اعتقال المحرّضين والمشاركين فيها.
وسط كل هده المشكلات والأزمات، ومع عجز المجلس الرئاسي عن إيجاد حلول للمختنقات المعيشية لغالبية المواطنين، على الرغم من وعوده المتكرّرة، تأتي استقالة عضو فيه، كان مكلفا بكثير من هذه الملفات، وهو النائب فتحي المجبري، في بنغازي التي كان قد وصل إليها بعد محاولة اختطاف تعرّض لها داخل منزله في طرابلس، على خلفية تصريحات نسبت إليه، وفسّرت تضامنا مع اللواء خليفة حفتر، في إغلاقه موانئ نفطية.
وليست هذه الاستقالة الأولى، فقد سبقتها استقالة موسى الكوني في يناير/ كانون الثاني2017، حيث حمّل حكومة الوفاق المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن كل ما شهدته ليبيا من أزمات عجزت عن حلها، على الرغم من دعم المجتمع الدولي لها. وقبل الاستقالتين، لم يلتحق 
بالمجلس الرئاسي عضوان رئيسيان، تمت تسميتهما من خلال اتفاق الصخيرات (17/12/2017)، وهما النائب علي القطراني، المعروف بأنه مرشح حفتر للمجلس الرئاسي، ولم يلتحق احتجاجا على عدم تكليف حفتر بمنصب القائد العام، والنائب عمر الأسود الدي برر عدم التحاقه بسيطرة المليشيات على العاصمة طرابلس، الأمر الذي يستحيل فيه ممارسة المجلس الرئاسي أي أعمال. لم يستقيلا رسميا، لكنهما لم يباشرا عمليهما أيضا، على الرغم من توجيه رئيس المجلس، فايز السراج، رسائل إليهما، ويبدو أنه استطاب عدم وجودهما معه، ليقل بدلك عدد النواب، وبالتالي عدد معرقلي قراراته. .. وعلى الرغم من كل هذه المشكلات التي هزت المجلس الرئاسي وحكومته، إلا أن عاصفة استقالة المجبري تبقى الأشد إيلاما، لعدة أسباب:
أولا، يعتبر فتحي المجبري مرشحا للمنطقة الشرقية، واستقالته من المجلس تعني أنه فعليا لم يعد لهذه المنطقة ممثل داخله، ما قد يؤدي إلى خلل جسيم في تمثيله كل المناطق الليبية، وربما قد يكون ذلك مبرّرا قويا لدعاة الانفصال، للعزف على هدا الوتر، لإقناع من كان متردّدا بقبول هدا الخيار.
ثانيا، كانت للمجبري سلطة تأثيرية قوية على قرارات المجلس، فاقت سلطة غيره من النواب، حيث كانت له اليد الطولى في تعيينات مهمة كثيرة، بل ووصل الأمر إلى فرضه شخصيات ومديري شركات عامة، وتجاوزها إلى تعيين بعض الوكلاء، ومارس ضغوطا من أجل أن يكون صديقه أسامة حماد وزيرا للمالية.
ثالثا، مند بداية مباشرة المجلس أعماله من طرابلس، استلم المجبري ملف الاقتصاد الذي يعتبر من أهم الملفات المطروحة. ومن خلاله، استطاع تكوين شبكة اتصالات قوية ومتشعبة، مع متنفذين كثيرين، ومع صناع القرار محليا وإقليميا ودوليا، محاولا على الرغم من فشله في إيجاد حل لهذه المختنقات الاقتصادية، من خلال اجتماعاته ولقاءاته المستمرة مع المؤسسات المالية الإقليمية والدولية، ولعل اجتماع تونس أخيرا، برعاية أميركية، والذي ضم مصرف ليبيا المركزي وديوان المحاسبة وبإشرافه المباشر دليل على ذلك.
رابعا، باستقالة المجبري، يكون عدد نواب المجلس الرئاسي المتخلفين والرافضين للالتحاق
 مساويا لعدد النواب الملتحقين به، ما يجعل أعمال المجلس وقراراته مهدّدة بالبطلان قانونا، إدا ما تم الطعن فيها أمام الجهاز القضائي الليبي الذي سبق أن أصدر أحكامه ببطلان قرارات عديدة للمجلس، باعتباره جسما مؤقتا، فما بالك وأنه أصبح مجلسا رئاسيا غير ممثل كل المناطق الليبية، بل وخالف اتفاق الصخيرات الذي كان سببا في وجوده.
خامسا، جاءت الاستقالة فرصة ذهبية لحفتر الذي يسيطر على المنطقة الشرقية، وطالما صرّح همزا ولمزا إن اتفاق الصخيرات فقد مشروعيته، ورفض الخضوع للمؤسسات المنبثقة منه، وفي مقدمتها المجلس الرئاسي، وكان داعما ومحرّضا أساسيا لمجلس النواب لرفض الحكومات التي اقترحها هدا المجلس، وعدم منح الثقة لها من داخل قبة البرلمان.
سادسا، الأيام القليلة المقبلة كفيلة بالإجابة عن السؤال الذي يطرحه الليبيون: هل استقالة فتحي المجبري ستكون القشة التي ستقسم ظهر المجلس الرئاسي، أم أن فايز السراج قادر على لملمة ما تبقى من حبات هذا العقد، مفوتا الفرصة مرة أخرى على حفتر وأحلامه بالحكم.