هل انتهت موقعة الجمل؟

حدثت موقعة الجمل في يوم الأربعاء، الموافق للثاني من فبراير/شباط لعام 2011، وهو اليوم التاسع لقيام ثورة الخامس والعشرين من يناير. أتذكر ذلك اليوم جيداً. كنت في طريق عودتي من عملي، وقد اعتدت الذهاب إلى الميدان بعد انتهائي من العمل مباشرة، حيث كنت أشتاق لميدان التحرير، وللنقاش والجلوس في خيمة الاعتصام.
في العاشرة صباحاً، سمعنا عن نزول كثيرين من مؤيدي حسني مبارك، وعن حشدهم الهائل لهذا اليوم في ميدان مصطفى محمود، وانضمام جمهور واسع من إعلاميين ورياضيين ورجال أعمال وشخصيات عامة لهم، وعلى كوبري أكتوبر، رأيت ناساً كثيرين تمسك بأيديها صوراً لمبارك، أسفل كوبري أكتوبر، وعلى جانبي ميدان التحرير حضر المشهد نفسه أيضاً.
طلبنا من ضباط الجيش، المسؤولين عن تأمين الميدان من ناحية المتحف المصري، حماية الميدان، وعدم السماح لهؤلاء بالدخول إليه، خوفاً من حدوث فاجعة. ما حدث بعد ذلك الكل شاهده مباشرة على شاشات التلفزة، وشاهد اقتتالاً حقيقياً بين أبناء الوطن الواحد، ما بين مؤيدٍ ومعارض، ما بين نصير لثورة الشعب ومطالبه ونصير لمبارك ونظامه، وشاهد خيول زبانية مبارك وجمالهم تدوس أكتاف الثوار وأجسادهم.
كانت لحظات خارج الزمن والمكان، بدأت فعلياً في الواحدة ظهراً، عندما تدفق حشدٌ غفير من مؤيدي مبارك إلى ميدان عبد المنعم رياض، بهدف إخلاء الميدان بالقوة، وكان الميدان مليئاً بمواطنين مصريين، لا يريدون سوى حريتهم وكرامتهم، وينتصبون في الميدان، لأجل هذه المطالب.
لكن، دعونا نستدعي الذاكرة، ونعود بالأحداث إلى الوراء ثلاثة أعوام، ماذا كان سيحدث لو نجح أبناء مبارك ومؤيدوه في اقتحام ميدان التحرير، وطرد المعتصمين منه. كانت ستستمر حكومة الفريق أحمد شفيق، وكان سيظل اللواء عمر سليمان نائباً لرئيس الجمهورية حتى إجراء انتخابات الرئاسة. حينها لن يجد مبارك أفضل من سليمان، لكي يدعمه بديلاً لتوريث ابنه الحكم، وكان سيرقى لرتبة فريق، ثم قبيل ترشحه لانتخابات الرئاسة كان سيرقى لرتبة مشير، لمجهوداته في إجهاض "المخطط العالمي"، بمشاركة الإخوان المسلمين لقلب نظام الحكم، وهو وصف اعتاده رجال مبارك لوصم الثورة به. وبذلك، نكون قد استبدلنا عسكرياً بوجه عسكري آخر، ويبقى النظام قائماً من دون أدنى تغيير.
أما عن الدعوة السلفية، فأصحابها كانوا سيكافأون، لأنهم أصحاب فتوى عدم جواز الخروج على الحاكم، ومن الممكن السماح لهم بتأسيس حزب سياسي فيما بعد.
وبشأن شباب الثورة، فقد كان سيتم تشويههم، وضرب سمعتهم ووصمهم بتهم عديدة، كذلك سيتم حجبهم إعلاميا، ولن نستطيع القول إن هؤلاء سيزج بهم في السجون، لأن الدولة العميقة ستكون من الذكاء، بما لا يترك مجالاً لاتهامها بعقاب معارضيها بالسجن، لكنها ستقضي عليهم بطرق أسهل من السجن، حتى يطووا في ذاكرة النسيان.
ستتم، أيضاً، معاقبة أكبر شريكين في الثورة، جماعة الإخوان المسلمين وحركة 6 ابريل التي لم يكن معلوماً غير قيادات ظاهرة منها، وكان سيتم التخلص منهم بالسجن، أو بأساليب عمر سليمان الأخرى. أما عن جماعة الإخوان، فكان سيتم سجن كل قيادييها، وقياديي الصف الثاني، لأنهم معلومون بالاسم لدى جهاز أمن الدولة، وستوجه لهم تهم تؤدي إلى الحكم عليهم بالإعدام، لأن تهمهم لن تكون أقل من قلب نظام الحكم، والتخابر مع دول وأطراف أجنبية في تنفيذ هذا المخطط، منها حماس وحزب الله.
في النهاية، كان سيصدر حكم بحل جماعة الإخوان المسلمين، والتحفظ على كل أموالها، واعتبارها جماعة إرهابية. كل هذا كان سيحدث لو فشلت الثورة، كنا سنعود إلى المربع صفر، ولن نتنفس نسيم الحرية. والآن، نحن واقفون في المربع نفسه للأسف، فهل انتصرت ثورتنا، وكيف نحكم على مصيرها؟