هل أفسد المال عالم كرة القدم؟

هل أفسد المال عالم كرة القدم؟

30 يناير 2019
تضاعف راتب زيدان في اليوفي لثلاث مرات (Getty)
+ الخط -
تقبع كرة القدم الرياضة الأكثر شعبية على هذا الكوكب اليوم تحت سيطرة رأس المال الكبير والذي أصبح يلعب دوراً حيوياً في مستقبل جميع الأندية الرياضية، ففي السابق كانت اللعبة معروفة بأنها رياضة ترفيهية أولاً وقبل كل شيء، والآن تعتبر مهنة بحد ذاتها ونشاطاً تجارياً يتجسد إما في شكل رواتب أو تحويلات أو إعلانات أو عقود حيث بات بيع وشراء الأندية لعبة جديدة لأغنياء العالم.

تحولت كرة القدم بالفعل لأعمال في منتصف ثمانينيات القرن التاسع عشر في المملكة المتحدة، ما أدى في النهاية إلى ارتفاع الأجور بعد أن كانت في البداية من سبعينيات القرن الـ19 مجرد لعبة للفقراء والهواة من دون أجر، إذ كان فريق داروين الإنكليزي يدفع رواتب فقط لاثنين من لاعبيه هما فيرغي سوتر وجيمس لوف، لكن سرعان ما وقع اعتماد نظام الاحتراف في عام 1885، حيث كان أكبر لاعب يتقاضى 4 جنيهات إسترلينية أسبوعياً ثم تطور الأمر، بعد عقدين  ليصل الى ألف جنيه استرليني تقاضاها اللاعب الإنكليزي إلف كومون، عندما انتقل من سندرلاند إلى صفوف ميدلزبره في أول صفقة في التاريخ عام 1905.

وفي غضون سنوات قليلة ارتفعت أسعار اللاعبين تدريجياً بعد منحهم أجوراً بشكل قانوني، وإن كانت زهيدة في البداية ، وزادت قيمتهم كسهم البورصة، فكانت الانطلاقة آنذاك مع اللاعب دينيس لو، الذي انتقل من تورينو الإيطالي لمانشستر يونايتد في صفقة قدرت بالضخمة، وذلك مقابل 100 ألف جنيه استرليني، ليصبح أول لاعب في تاريخ كرة القدم يتم بيعه بهذه القيمة التي تضاعفت 10 مرات مع اللاعب تريفور فرانسيس، والذي رحل إلى نوتنغهام فورست قادماً من بيرمنغهام سيتي مقابل مليون جنيه إسترليني في عام 1979.

وهذا التطور في الأرقام واكبه أيضا أسطورة الكرة الفرنسية زين الدين زيدان خلال فترة وجيزة جداً عندما كان يجني 4 ملايين يورو عام 1999، ليتضاعف دخله 3 مرات في ظرف ست سنوات فقط ويصبح 13 مليون يورو.

أولاً وقبل كل شيء يرجع بلوغ هذه الزيادات المذهلة في أجور اللاعبين أرقاماً فلكية لا حدود لها إلى أهمية ومكانة كرة القدم في المجتمع، خاصة أنها أصبحت رياضة دولية معروفة يلعبها العالم بأسره. فخلال العقد الماضي تحولت اللعبة إلى رمز للأعمال الرياضية، وهي صناعة راسخة تخلق نجومها، وتحلق بهم في سماء البطولات الأوروبية والعالمية، لتدر عليهم ملايين اليوروهات.

واليوم باتت الأندية الإنكليزية والإسبانية والفرنسية تفضل رجال الأعمال لدفع أموال طائلة مقابل لاعبين محترفين، يسعون دائماً للتفوق على أنفسهم فكلما كان المد الدولاري متدفقاً وارتفعت رواتبهم، ومكافآتهم  كلما كان أداؤهم أفضل وانتصاراتهم أكثر.

وبسبب الاستثمارات المالية الكبيرة التي أصبحت تستقطبها الملاعب، وما تدره على الأندية من أرباح طائلة دفعت اللاعبين إلى المطالبة أكثر بحقوقهم، ورفض تمديد عقودهم من دون تحسينها من الناحية المالية في كثير من الأحيان، على غرار النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو، الذي رحل عن نادي ريال مدريد بعد مسيرة دامت لأكثر من 9 سنوات، بسبب عدم تلبية مطالبه المادية، رغم عرض إدارة الملكي 9 ملايين يورو كزيادة على ما يأخذه بشكل سنوي، لكن مشروطة بتحقيق الألقاب مثل دوري الأبطال، وجوائز فردية كالكرة الذهبية وفق ما جاء في صحيفة "آس" الإسبانية.


من ناحية أخرى يلعب الإعلام دوراً فعالاً في رفع قيمة اللاعبين أو خفضها، من خلال تسليط الضوء على أخبارهم، وأدائهم في البطولات، والجعل منهم محط اهتمام للأندية، التي أصبحت تتناحر فيما بينها، للظفر بخدماتهم هذا بالإضافة الى العلامات التجارية الكبرى، التي تسعى لتوقيع عقود مع كبار اللاعبين مثل ديفيد بيكام مع شركة "إتش أند إم" أو البرغوث الأرجنتيني ليونيل ميسي مع عملاق صناعة المعدات الرياضية "أديداس"، علماً أن هذه العقود توفر حوالي نصف دخلهم الشهري.

لذلك يؤثر هذان الجانبان على بعض اللاعبين، مما يؤدي بهم إلى استخدام أساليب مثيرة للجدل لحد ما، محاولين سرقة الأضواء ممن حولهم من نجوم آخرين عبر استعراض سياراتهم الفارهة والعيش في مساكن فخمة وبالتالي فتح مجال تسويقي إعلامي كبير يخدم مسيرتهم الكروية.

في الواقع، نجد أيضاً حالات من الغش والفساد، شوهت صورة هذه الرياضة الشعبية جدا في جميع أنحاء العالم، فكرة القدم الاحترافية اليوم هي محور العديد من المناقشات، كما أنها ضحية تصورات خاطئة حول الأجور، والتي يعتبر البعض منها مرتفعا للغاية.

وأصبحت اليوم مصداقية الرياضة الشعبية الأولى في العالم دون منازع، مهددة من قبل الأفراد الذين ينتهكون أخلاقيات الرياضة، بما في ذلك استخدام الأساليب المثيرة للجدل والغير المشروعة، مثل الفساد والرشوة، إذ إن تعميم الفساد في كرة القدم يمكن أن يكون له في الواقع تداعيات اقتصادية مختلفة، مثل تخويف العديد من المشاهدين، ولكن أيضاً العديد من الشركاء الاقتصاديين على سبيل المثال، الرعاة الذين لا يرغبون في الارتباط بالغش. ومع ذلك لا يظهر هذا كممارسة حديثة، في الواقع، حيث شهدت بداية القرن العشرين بالفعل حالات كثيرة من الفساد مثل التلاعب بين ناديي مانشستر يونايتد وليفربول في 1915، لصالح الشياطين الحمر لتفادي الهبوط إلى الدرجة الثانية.

من الصعب القول إن الفساد في كرة القدم موجود اليوم أكثر أو أقل مما كان عليه في الماضي، على اعتبار أن وسائل التحكم في مباريات كرة القدم في الماضي أقل بكثير من الحاضر، ولكن مع هذا غابت رقابة السيطرة في عدد من المناسبات الكروية الحديثة وهو ما حدث في بطولة كرة القدم الإيطالية للمحترفين عام 2012 عندما أحيل 22 من مسؤولي الأندية، و61 لاعباً إلى القضاء للاشتباه بتورطهم في فضيحة "كالتشيوكوميسي" أي المراهنة على مباريات كرة القدم.

ساهم التطور الاقتصادي السريع لكرة القدم في تشويه صورتها، فالمزيد من المال يعني احتمالات أكثر للفساد أو الغش، لأن جاذبية المكاسب تصبح أقوى ولكن، وعلى الرغم من كل هذه المغريات التي تتعرض لها الساحرة المستديرة فهي تسعى اليوم لاستعادة صورتها الإيجابية، واسترداد القيم التي نشأت عليها منذ البداية لإثبات أن القيم الأخلاقية تتفوق على القيم المالية.

المساهمون