هل أصبح الشعار: ما أحلى الرجوع إليه؟

07 يونيو 2014

ضرب على الدف ابتهاجا برئاسة السيسي (فرانس برس)

+ الخط -

أخيراً، وصلنا في مصر إلى الليلة الكبيرة، وفيها تم إعلان اسم الخليفة الجديد، على الرغم من أنه كان معلوماً مسبقاً، بحكم كونه صاحب السطوة، ويمسك بزمام السلطة فعليا، وبعد إجراء احتفالات ومراسم تنصيبه، سيبدأ في ممارسة سلطته: إدارة شؤون الرعية وتصريف أمور البلاد والعباد. وحتما "بحكمته سيختال علينا"، فهو مبعوث العناية الإلهية، بل هو، في قول عالم من علماء السلطان، رسول مبتعث من رب العزة إلى هذا البلد، وكان على الشعب المصري أن يسجد شكراً لرب العزة على هذا العطاء.
لكن، بدلاً من ذلك، اتجه شعب "الخليفة" الجديد إلى الميادين، يغني ويرقص، ابتهاجاً بالحدث الجليل، وأقيمت الزينات، وتم رصد الملايين لتجميل القاهرة، بل أصدرت حكومة السلطة قراراً بأن يكون يوم التنصيب إجازة رسمية للبلاد (تكلفة يوم الإجازة في مصر مليارا جنيه، طبقا لتقديرات أهل الاقتصاد). وتمت دعوة ملوك وأمراء وسلاطين ورؤساء، من كل المعمورة، لحضور مراسم التنصيب، ليكون المشهد مهيباً، لأن اعتلاء عرش مصر ليس أمراً هيناً ويسيراً.
المثير في هذا كله أن الجميع يعلم جيداً أنها عملية غير حقيقية، ولا تعدو أن تكون كالليلة الكبيرة لمولد كبير، حيث يحمل المريدون خليفتهم المختار، على ظهر فرس أصيل، ويطوفون بموكبه المدينة، فرحين مستبشرين مهللين، حتى يجلسونه على كرسي الخليفة، ويتحلقون من حوله، يقدمون فروض الطاعة والولاء بكل سعادة ورضى، فهم لا يستطيعون العيش بغير خليفة يأمر فيطاع! أما الحقيقة التي يدركها الجميع، فهي أن الخليفة لم يختره المريدون والأتباع، ولكن، اختاره من يملكون السلطة والسطوة، والأهم السلاح، وقالوا للناس: لقد رأينا، فيما يرى النائم، إنكم يا شعب مصر العظيم، قد انعقد عزمكم على هذا الاختيار، ولم يكن ممكناً أن نضن به عليكم، فخذوه ونصّبوه، وكأنكم انتخبتموه، وأقيموا الأفراح والليالي الملاح، فقد حققنا لكم ما كنتم تريدون؟

"يحمل المريدون خليفتهم المختار على ظهر فرس أصيل، ويطوفون بموكبه المدينة، فرحين مستبشرين مهللين، حتى يجلسونه على كرسي الخليفة، ويتحلقون من حوله، يقدمون فروض الطاعة والولاء بكل سعادة ورضى، فهم لا يستطيعون العيش بغير خليفة يأمر فيطاع"


كان يمكن أن يكون ذلك كله مقبولاً، لو كان الأمر حقيقياً، لو كان الشعب من قرر عبر آليات معروفة، في 3 يوليو/تموز من عام ٢٠١٣، أن يذهب إلى صناديق انتخابات حرة وحقيقية، لإعادة النظر في اختياره السابق رئيساً ودستوراً، في إطار عملية تحول ديموقراطي جديدة عليه تماماً، ولكن، لم يكن هذا مقبولاً ممن يملكون السطوة والسلاح، وجاءت رسالتهم واضحة: ما دمتم تريدون التغيير، فليس أمامكم سوى أن تقبلوا بما سنفرضه نحن عليكم، خريطة لمستقبلكم، كما نراه نحن. تريدون دستوراً جديداً، حسناً، سنضعه نحن، وستذهبون إلى لجان استفتاء، لتقولوا نعم عليه! انتخابات رئاسية، لن نضن عليكم بها، فلتكن عملية انتخابية منظمة ومرسومة بدقة، وسنقدم لكم الرئيس، الذي عليكم أن تنتخبوه بإرادتكم فرحين مستبشرين، وحتى تكتمل الصورة، سنقدم معه مرشحاً آخر "كدة وكدة"، لتكون العملية وكأنها انتخابات! وسيخرج عليكم رئيس اللجنة العليا للانتخابات، في مؤتمر صحافي عالمي، لإعلان النتيجة، وعليكم أن تجلسوا، وأنتم تمثلون القلق واللهفة، وكأنكم لا تعرفون النتيجة، ثم تصرخون وتهللون فرحاً، فور إعلان النتيجة المفاجأة بنجاح مرشحنا، باعتباره كان مرشحكم.
وتتوالى الإجراءات، والتي حتما تنتهي باحتفالية كبرى، لتنصيب رئيسكم الجديد الذي قدمناه لكم، تلك كانت رسالة المجلس العسكري صاحب السطوة في 3 يوليو/تموز، وللحقيقة، كانت الرسالة واضحة تماماً، وصريحة أيضاً، وأكد عليها رئيس المجلس العسكري، مراراً وتكراراً، قبل 3 يوليو/تموز، وقال تصريحاً لا تلميحاً: الجيش نار لا تلعبوا معه، ولا تلعبوا به. ولو نزل الشارع لن يعود قبل ٤٠ سنة، إذا لم يكن هناك أي خداع، ولكن، هناك من خدع نفسه بإرادته، وللأسف، فعل ذلك لتصفية حسابات سياسية، وللانتقام ممن لم يستطع منافستهم، كل من أيد خريطة المستقبل، بل، في واقع الأمر، من طالبوا بها لا يبدون ندماً، ولا يشعرون بالحرج مما فعلوا بهذا الوطن، لكنهم، للأسف، يرفعون شعارات انتهت صلاحيتها منذ زمن بعيد، تتحدث عن الإرهاب والكباب، وعن الاستقرار والإعمار، وعن القائد الزعيم الملهم، مخلص الشعب ومعبود الجماهير، النساء قبل الرجال، وعن الشعب الجاهل ناقص الأهلية، الذي يحتاج إلى المعلم الموهوب!
لم يبق سوى أن نغني جميعاً، ما أحلى الرجوع إليه، ذلك الزمن الجميل، زمن جاهين وحليم، وملايين الشعب تدق الكعب تقول كلنا جاهزين، من دون أن ندري، على وجه الدقة، جاهزين لأي شيء بالضبط، المهم أن نكون طوع بنان الزعيم، فهو القائد المعلم والملهم! إلى هنا، والأمور أصبحت واضحة تماماً، هناك جماهير من الشعب تدق الكعب تارة وتغني "تسلم الأيادي" و"بشرة خير"، وتهتز طرباً على أنغامهما، عادت طواعية إلى عصر "احنا اخترناك ويا حبيب الشعب يا... أيّ رئيس .. لكن المتغير، الذي يبدو أنه غير مُدرك جيداً، حتى الآن، ان مصر قد أنجبت، في غفلة عن الطغاة، أجيالا جديدة مختلفة، عرفت بفطرتها السليمة المعنى الحقيقي للحرية والكرامة وللحق في الوطن، وعقدت العزم على استرداد حقها، مهما كانت تضحياتها، ومهما استغرق ذلك من زمن، ومهما تصور الطغاة، ومعهم كل المريدين  أنهم قادرون على استعادة زمن فات، مهما عزفوا أغانيهم الفاسدة، وفي مقدمتها .. ما أحلى الرجوع إليه .. زمنهم السيىء الرديء. سينفض المولد حتماً، وسينتصر الشعب الحقيقي حتما، لا الجماهير الافتراضية، مهما غنت ورقصت.   

 

 


 

 

2FABA6BB-F989-4199-859B-0E524E7841C7
عادل سليمان

كاتب وباحث أكاديمي مصري في الشؤون الاستراتيچية والنظم العسكرية. لواء ركن متقاعد، رئيس منتدى الحوار الاستراتيجى لدراسات الدفاع والعلاقات المدنية - العسكرية.