هلوسات ميشال ويلبيك

هلوسات ميشال ويلبيك

06 يناير 2015
+ الخط -
تُطرح في المكتبات الفرنسية غدًا الأربعاء (7 يناير/كانون الثاني) رواية ميشال ويلبيك الجديدة بعنوان "استسلام"، عن منشورات دار فلاماريون. لكن، قبل طرحها، قرصنها هاكرز الأنترنت، وسربوها مجانُا على بعض المواقع. يدخل هذا "التسريب" في إطار نظام القرصنة الجديد الذي آصبح جزءاً من التسويق الإعلامي، لأجل خلق المزيد من الضجة، وزيادة الطلب. على كلّ، فقد حوّل الإعلام الفرنسي رواية استسلام (والكلمة ترجمة سوقية لكلمة إسلام) إلى حدثٍ ثقافي كبير، في حين لم يتمّ اهتمامٌ مشابه بباتريك موديانو الحاصل مؤخرًا على جائزة نوبل للآداب. بيد أن هذا لا يعني الانتقاص من قيمة ما يكتبه ويلبيك، إذ هو في النهاية روائي مكين أنجزَ كتابات مختومة بالشغب والشغف والعنف والانحطاط والاحباط. 
فضلًا عن ملكته في تقديم تصوّرات صائبة عن العلم ومآلاته الوخيمة، أو عن "ضعة" الأذواق وانزلاق البشر إلى استهلاك أمورٍ سطحية (جنسية أو ذهنية). ما يذكّر بالكاتب لوي فيردينان سيلين، أيقونة النثر في الأزمنة الحديثة، الذي كان يمقت اليهود والأجانب باعتبارهم رمزًا لاختلاط الأعراق. إذ إن الناظر في رواياته؛ "توسيع مجال المعركة" و"منصة"، و"احتمال جزيرة"، و"الخارطة والأرض"، لن تفوته ملاحظة تلك السمة التي تميّز الكتابة الروائية الفرنسية الحديثة: النبرة الوقحة، والحوارات التي يطغى عليها الاستفزاز والبذاءة. يقدّم ويلبيك للقارئ طبقًا من الإباحية إلى درجة تجعله يطالب بالمزيد. بيد أنّ العالم الذي يدور في فلكه، متخيّلُ ويلبيك، مسكونٌ بهلوسات دائمة تؤرّق باله بلا كللٍ. وأحد أهمّها؛ الإسلام. وتتكرّر أعراض هذه الهلوسات في أكثر من رواية. حيث يفصح أبطال ويلبيك من دون مواربة عن عداءهم الصريح والفصيح للإسلام باعتباره "أسوأ الديانات التوحيدية"، وأن المسلمين "أغبياء". أمّا هذه المرّة، فقد نزل ويلبيك في روايته "استسلام" إلى دركٍ أسفلٍ في شتم الدين الإسلامي، حيث ابتكر سيناريو "خرافيًا"؛ تخيّل حال فرنسا عام 2022، وقد أصبحت تحت سلطة حكومة إسلامية: 
فبعد أن أنهى فرانسوا هولاند ولايته الثانية، فاز بالانتخابات الرئاسية محمّد بن عبّاس، زعيم حزب الأخوة الإسلامية، بعد عقده تحالفًا مع حزب نيكولا ساركوزي "الاتحاد من أجل حركة شعبية"، وحزب "الاتحاد الديمقراطي" والحزب الاشتراكي. يقع اختيار محمّد بن عبّاس على فرانسوا بايرو رئيسًا للوزراء. أمّا فرانسوا بطل الفيلم، فهو أستاذ في جامعة السوربون، اعتنق الإسلام. عبر هذا الإخراج، يخلق الكاتب فرجةً عبثيةً تمتزج فيها المأساة بالسخرية. متكئًا على الإسلاموفوبيا، وقد يشاطره آلاف القرّاء هلوساته تجاه "الخطر الذي يمثّله الإسلام وتهديده للهوّية الفرنسية"، خصوصاً أنصار الجبهة الوطنية بزعامة مارين لوبين، أو آلن فينكلكروت وبيرنار هنري ليفي، الناطقين الرسميين باسم الفكر الصهيوني في فرنسا. 
ودّعنا عام ٢٠١٤ بفضيحة الكاتب والمعلّق السياسي إيريك زمور، من خلال كتابه "الانتحار الفرنسي" الذي وصل إلى أعلى المبيعات (أكثر من 500 ألف نسخة). وفيه، تحاملٌ عنيفٌ على الأجانب خصوصًا المسلمين، حيث دعا في حوار صحافي إلى ترحيلهم مستعملًا الكلمة ذاتها التي استعملت إبّان ترحيل اليهود من أوروبا. وها نحن نستقبل العام الجديد بفضيحة ميشال ويلبيك. ومن المنتظر أن تتدخّل الهيئات الدينية الممثّلة للإسلام في فرنسا، وعلى رأسها مسجد باريس الكبير والجمعيات الحقوقية لرفع دعوى ضدّ ويلبيك الذي ألف إجراءات مماثلة. الأمر الذي يدفع للتساؤل عن مكانة الإسلام في المجتمع الفرنسي. حيث غدا بمثابة فزّاعة و"مادّة مربحة" في الوقت نفسه لطائفة من الكتّاب والمخرجين والسياسيين، يختزلونه في "معادلات" جاهزة لتمريره في كتابات سطحية. تحوّلت الإسلاموفوبيا في فرنسا إلى ممارسة ثقافية عادية، لا يعاقب عليها القانون أسوة بـ "معاداة السامية"، التي جعلتها السلطة الفرنسية بمثابة قضية وطنية، لكنها لم تملك الشجاعة الكافية لرفع الإسلاموفوبيا إلى المصاف نفسه. ها هنا يدوس كلّ من هبّ ودبّ، باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان، على شعائر الإسلام ومعتقدات المسلمين، كما يستغلّ الأمر (تجاريًا) أمثال ويلبيك لزيادة مبيعات كتبهم. وفي ظلّ غياب نخبة عربية إسلامية ذات وزن فكري وإعلامي في المشهد الثقافي الغربي، فإن تنظيم "داعش"، من خلال النحر والبقر، يغدو نصيرًا قويًا لويلبيك. 

المساهمون