هكذا حكم "داعش" جنوب دمشق

هكذا حكم "داعش" جنوب دمشق

21 مايو 2018
غارة على مخيم اليرموك، إبريل 2018 (رامي السيد/فرانس برس)
+ الخط -

يقترب وجود تنظيم "داعش" في جنوب دمشق من نهايته بعد سنوات من فرض سيطرته على عدد من المناطق وتحكّمه بحياة الناس. أسلئة كثيرة حول كيف ظهر التنظيم في جنوب دمشق، وكيف كبر حتى التهم بقية الفصائل، وكيف سيّر أمور المناطق التي يحكمها، ومن أين ينحدر عناصر التنظيم هناك، ومن هي قياداتهم، كانت محور الحديث مع نقيب معلمي ريف دمشق في رابطة المعلمين الأحرار التابعة للمعارضة، نور الدين عليان، والذي تمكن من الهرب من سجن "داعش" في الحجر الأسود قبل نحو شهر، وقبل يوم واحد من تنفيذ حكم الإعدام به، بتهمة الردة والتعليم غير الشرعي. وتحدث عليان لـ"العربي الجديد" عن طبيعة حكم "داعش" في جنوب دمشق، إذ إنه كان شاهداً على الأمر، فهو لم يغادر منطقته الحجر الأسود منذ اندلاع الثورة السورية، وعاش تحت حكم الفصائل، ومن ثم "داعش"، حتى إبريل/نيسان الماضي.

وقال عليان، وهو مدرس سابق في حديث مع "العربي الجديد"، إنه انتخب بعد الثورة نقيباً لـ"رابطة المعلمين الأحرار" في ريف دمشق، وعمل مع من تبقى من زملائه المدرسين على إنشاء نظام تعليمي بديل عما يعمل به في عهد النظام وفق الإمكانات المتاحة، إذ تم افتتاح مدارس عدة في الحجر الأسود وفي مناطق أخرى، مثل السبينة وغيرها. وظل هذا الأمر سارياً طيلة فترة سيطرة فصائل الجيش السوري الحر على المنطقة حتى نهاية العام 2012. وأشار إلى أنه مع هروب "الدواعش" من منطقة يلدا المجاورة للحجر الأسود، منتصف العام 2013 إثر الاعلان عن تنظيم "داعش" في إبريل من نفس العام، وكان عددهم حينذاك 70 رجلاً فقط، فقد تجمعوا في منطقة حارة الشركس، فحاصرهم عناصر الفصائل الموجودة في المنطقة لفترة من الوقت، قبل أن يفكوا عنهم الحصار بضغط من الأهالي، إذ خرجت تظاهرات تطالب بذلك على أساس أنهم مسلمون ولا يجوز قتلهم بغير ذنب. وأوضح عليان أن الفصائل كلفته بعد ذلك شخصياً أن يبلغ "الدواعش" بأنه مسموح لهم بالانتشار في الحجر الأسود من دون قيود على أساس ألا يصدر عنهم ما يسيء للأهالي، لكنهم بدأوا بالتوسع من خلال إغراء الناس، إذ كانوا يقدمون راتباً يصل إلى 120 دولاراً لكل من يتطوع في صفوفهم، في وقت كانت المنطقة تخضع لحصار شديد ولا يوجد فيها أي نوع من الطعام، ومات الكثير من الناس جوعاً أو قنصاً وهم يبحثون عن بعض الأعشاب يأكلونها في أطراف المدينة.

وأشار عليان إلى أن عناصر "داعش" كانوا في تلك الفترة لا يعترضون على التدخين ولا يتدخلون في لباس النساء، لكنهم واظبوا على التوسع وشراء الولاءات في ظل الضائقة المعيشية، حتى ترك العديد من العناصر فصائلهم والتحقوا بهم، إلى أن بات هو التنظيم الأقوى في المنطقة، حتى تمكن من طرد الفصائل الموجودة إلى يلدا واستفرد وحده بالسيطرة على الحجر الأسود، ليتمكن لاحقاً من مد نفوذه إلى مخيم اليرموك، بالتعاون بداية مع "جبهة النصرة"، قبل أن يحصل صدام بينهما، ونزاع على السلطة والسيطرة. وأضاف "في هذه الفترة بدأ التنظيم يكشر عن أنيابه، وبدأ بفرض قوانينه من جهة منع التدخين وفرض لبس خمار شامل على النساء وضرورة التقيد بأوقات الصلاة وتطبيق الحدود... إلخ". وتابع "حتى هذه الفترة لم يكونوا (عناصر داعش) يعترضون على عملي، لكن مع بدء اعتقال النشطاء، وهروب جلهم إلى مناطق سيطرة الفصائل في يلدا، ارتكبت خطأ بأن صرحت لبعض الأشخاص عن نيتي الانتقال إلى يلدا خلال يومين، فطلبت مني جماعة داعش مراجعة مركز الأربعاء، وهو مركز للتحقيق الأمني موجود قرب مبنى الناحية، وهنا بدأت رحلة التحقيقات التي انتهت بالحكم بالإعدام علي". وأوضح عليان أن للتنظيم مراكز تحقيق عدة، منها "الأربعاء" و"3" بالإضافة إلى مركز "الكهف" وهو مخصص للمحكومين بالإعدام، و"في جميع هذه المراكز يتم ممارسة التعذيب، عبر الشبح والدولاب والجلد والضرب بالنبريش والسجين مغمض العينين، وغالباً ما يكون الهدف هو إجبار السجين على الاعتراف عن مطلوبين آخرين".



وحول ما يميز معتقلات "داعش" عن معتقلات النظام، قال عليان إنه "رغم التعذيب والضرب واحتمال أن تساق في كل لحظة للإعدام، فإنهم كانوا يسمحون لأهالينا بزيارتنا يوم الجمعة لمدة ربع ساعة وإحضار الطعام لنا، لكن يمنع على السجين التحدث مع أهله أو من يزوره، إذ يجلس معهم عنصر من داعش موجهاً مسدسه إليه وإليهم، وهو ما دعاني للطلب من زوجتي عدم زيارتي مرة أخرى، خصوصاً بصحبة الأطفال الذين كانوا يخافون من هذه المشاهد". وأوضح أن جماعة "داعش" في الحجر الأسود لم يكن لديهم قاض ولا شيخ مخول بالإفتاء بقضايا الحدود، لذلك كانت القضايا ترسل إلى "مفتٍ" في البوكمال شرقي سورية والذي يصدر الأحكام ويرسلها لهم، بناء على طلب من شخص يدعى أبو حسن حسبة، وهو "خادم جامع" يتلذذ حين يكون رد "مفتي" البوكمال بالإعدام، ويطلق عليه الأهالي "أبو حسن دبوس"، لأنه يلاحق النساء معظم الوقت ويطلب منهن إغلاق الدبوس في أسفل خمارهن.

وأشار عليان إلى أن "أحكام التنظيم ومحاكماته صورية، وكثيراً ما يتم الإفراج عن اللصوص والزعران لأن لهم واسطة أو معرفة مع التنظيم، أو لأنهم دفعوا المال، بينما تطبق أحكام قاسية على من لا علاقات ولا مال عنده". وحول الأحكام الأخرى التي تصدر عن التنظيم، قال إن "المخدرات كانت جنحة عادية يعاقب عليها بـ 80 جلدة، لكن جرى تعديل الحكم لاحقاً ليصبح الإعدام. وهناك أحكام مثلاً على من ينتقل للعيش في منطقة يلدا المجاورة من عناصر التنظيم أو المبايعين له تحت فتوى مبايع تولى يوم الزحف إلى بلاد المرتدين وهو يعلم أنهم مرتدون، مقدارها ألف جلدة أو حتى الإعدام إذا كان التصنيف أنه مرتد". وأشار إلى التجسس النشط بين المنطقتين، الحجر الأسود حيث يسيطر "داعش" ويلدا حيث تسيطر فصائل المعارضة، إذ يعرف كل طرف كل التفاصيل عن الأشخاص الموجودين في مناطق الطرف الآخر، حتى أن فصائل يلدا كانوا يعتقلون لأيام عدة كل من عمل مع "داعش" حتى بألف ليرة في اليوم.

ولفت عليان إلى أن التعليم توقف كلياً في الحجر الأسود ومناطق سيطرة "داعش" الأخرى، بسبب اعتبار التنظيم مناهج النظام غير شرعية مع عدم إيجاد مناهج بديلة. وقال "حين سألني أمير التعليم تحت أي منهاج تُعلم، قلت له أنا لا أستطيع وضع منهاج كامل بديل لمنهاج النظام، لكنني حاولت تعديله، فحذفت حصص مادة القومية وزدت حصص مادة الديانة. قال هذا لا يكفي، فقلت له إذا كان لا يعجبك عملنا فلماذا ترسل أنت وكل أفراد التنظيم أولادكم للتعليم عندنا. قال: قد تعمل مائة حسنة، لكن كلمة قد تؤدي إلى الردة". ولفت إلى أن "أمير التعليم" في التنظيم يحمل الشهادة الإعدادية فقط، موضحاً أن جميع المعلمين الذين كانوا في المنطقة هربوا إلى يلدا، بعد أن قرر التنظيم اعتبار التعليم ردة، وكل من يرسل ابنه من عناصر "داعش" للدراسة في يلدا يفصل ويحاكم.

ولفت عليان إلى أن أغلب عناصر التنظيم هم من السكان المحليين، مقدراً عدد أفراد التنظيم  في منطقة جنوب دمشق بـ 1200 شخص قبل بدء المعارك الأخيرة مع النظام، إذ غادر العشرات، ومنهم أبرز القياديين، إلى خارج المنطقة عبر حواجز النظام، بعد دفع أموال، ومن بقي منهم هم قيادات الصف الثالث. ولفت إلى أن عملية الخروج مستمرة حتى الآن لمن يدفع الأموال، مضيفاً "كنا نحو 25 شخصاً يوم خرجت، تجمعنا عند حاجز النظام، بينما في اليوم السابق كان هناك 40 شخصاً ذهبوا جميعاً إلى درعا جنوب البلاد"، لافتاً الى أن "بعض الخارجين كانت صدرت بحقهم أحكام من داعش، وآخرون يرغبون بالخروج من الحصار والوضع الصعب والخطر، والجميع دفعوا أموالاً لحواجز النظام وللمهربين والوسطاء". وأوضح أن من "بقي من الأهالي هم جزء من عائلات مقاتلي التنظيم، إضافة إلى مدنيين آخرين ممن لا يملكون المال الكافي للخروج باتجاه مناطق سيطرة النظام، إذ يكلف هذا الخروج نحو 5000 دولار للشخص الواحد"، مقدراً "العدد الإجمالي للأهالي في مناطق سيطرة التنظيم  اليوم بين سبعة وثمانية آلاف شخص".

وبالنسبة إلى الوضع الصحي، أوضح أنه لا يوجد في الحجر الأسود سوى مستشفى ميداني واحد، لا يوجد فيه طبيب، ولا يقدم أي علاج. أما المياه فيتم التزود بها من بئر قديمة كان النظام حفرها في منطقة التربة. ولفت إلى أن التنظيم يولي عناية فقط لقضية النظافة في الحي، إذ إن هناك فريق نظافة يدفع "داعش" أجوره، ويقوم يومياً برفع القمامة من الشوارع والحارات. وأوضح أن الطعام يدخل من مناطق المصالحة مع النظام، وتحديداً من منطقتي يلدا والعسالي، وأغلب الناس يستعينون بما يرسله إليهم أهاليهم من الخارج عبر مكاتب التحويل في منطقة يلدا، في حين أن لدى جماعة "داعش" مستودعات ضخمة من الأغذية المخزنة منذ فترة طويلة، خصوصاً ما استولوا عليه خلال غزوتهم لمخيم اليرموك، بما في ذلك مستودعات جماعة "الأكناف".