هذه قصة زواج "اليوسفي" من رفيقة حياته اليونانية "هيلين"

هذه قصة زواج "اليوسفي" من رفيقة حياته اليونانية "هيلين"

31 مايو 2020
+ الخط -
عاش السياسي المغربي الراحل عبد الرحمن اليوسفي، الذي توفي الجمعة 29 مايو/ أيار بالدار الدار البيضاء، عن 96 عاماً، ثلاث "تأخيرات" كان لها تأثير شخصي حاسم على حياته: التأخير الأول، يتعلق بحقيقة اغتيال المهدي بنبركة والكشف عن قتلته، والتأخير الثاني، يخص المدة الزمنية الطويلة التي استغرقها النضال الديمقراطي قبل أن يتحقق الانتقال، والتأخير الثالث، وهو شخصي جداً، ويتعلق برفيقة حياته، هيلين.

وقد كشف في مذكراته "أحاديث فيما جرى" عن جوانب من حياته الخاصة، وبالضبط حديثه عن ملابسات لقائه بزوجته اليونانية، هيلين، في الدار البيضاء، والأثر الكبير الذي سيكون لهذه المرأة على حياته، في المغرب وفي فرنسا.

للأسرة دور كبير في حياة أي سياسي، وربما تكون عاملا مهما في صياغة شخصيته، ودعامة لتصليب الموقف.. إن العائلة هي الحديقة الخلفية، التي كلما كانت مرتبة، ساهمت في التغلب على اختبارات الواقع، وتحمل تكلفة ضريبة المواقف.

ومن قسوة الأحداث التي عاناها اليوسفي أنه سيضطر إلى تأخير الارتباط بهذه السيدة، لأكثر من 18 سنة، حيث سيتمكن من توثيق زواجه أخيرا في باريس بواسطة محاميه المناضل الجزائري أحمد بن بلة. وهو مدين لهذه المرأة الفاضلة بالكثير، بعد أمه، التي انتظرت طويلا عودته من المنفى، قبل أن يتحقق ذلك.

ومن ترتيبات القدر أن ترافقه هذه السيدة الجليلة في كل أطوار حياته، ومساره النضالي والوطني، لتشيعه أخيراً إلى مقبرة الشهداء بالدار البيضاء، حيث أودع الجثمان، ودخل الرمز في سيرورة الحياة الأبدية.

تعرف إليها سنة 1947، ولم يعقد قرانه بها إلا سنة 1968 لأسباب كثيرة، حالت دون إتمام هذا الزواج، يشرحها الراحل اليوسفي، قائد تجربة التناوب "التوافقي" في المغرب، والوزير الأول في عهد الملكين الحسن الثاني ومحمد السادس.

يسرد اليوسفي في مذكراته كيف تعرف إلى زوجته هيلين:
تعرفت على زوجتي "هيلين"  ‬بالصدفة بمدينة الدار البيضاء سنة 1947‬ وكانت المناسبة انتهاء السنة الدراسية بنجاح، فقررنا أن نقدم في الحفل المنظم عرضاً مسرحياً،‪ ‬كان نصيبي فيه دور النادل ‪.Barman‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

وقرر المخرج أن أرتدي بذلة بيضاء للقيام بهذا الدور‪ ،‬وبما أني لا أتوفر عليها‪ ،‬كان عليّ التوجه عند الخياط لتحضيرها‪ ،‬وقد أرشدني أحدهم إلى خياط كان قد حل حديثاً بالمدينة قادماً إليها من فرنسا‪،‬ وفتح محله بالشارع الذي يحمل حالياً اسم الأمير مولاي عبد الله.‬‬‬‬‬‬‬ ولم يكن هذا الخياط المقصود غير والد "هيلين" والذي تعرفت عليه هو الآخر واسمه السيد ‬"باندليس كيسيسوكلو"‪.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

بعد فترة‪ ،‬جمعتنا صدفة ثانية‪ ،‬حين دعاني الحاج أحمد بناني، تاجر الأثواب بالجملة بالدار البيضاء‪،‬ لتناول العشاء معه‪،‬ وفوجئت عندما وجدت هناك "هيلين" وعائلتها‪،‬ وكانت مناسبة‬ للتعرف عليهم‪،‬ حيث علمت أنها عائلة من أصل يوناني معروفة‪،‬ تحمل اسم "كيسيسوكلو" كان جدها يتاجر بالبواخر بين تركيا وروسيا لعقود، وكانوا يقيمون بمدينة "إنوبلوس" على البحر الأسود‪ .

وبعد الحرب العالمية الأولى‪ ‬احتل الأتراك تلك المنطقة، ‬فخيروا جميع اليونانيين الأرثوذكس بين التخلي عن ديانتهم للحفاظ على ثرواتهم أو الرحيل خارج المنطقة‪.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

اختارت عائلتها الرحيل‪ ،‬ليتوجه أفرادها مباشرة إلى مدينة "ليون" الفرنسية‪ .‬كان‬ والد هيلين لا يزال أعزب‪ ،‬وتعرف على أمها "كريستني كراملمبوس". ‬ليتم الزواج بمدينة ليون، حيث رأت النور زوجتي "هيلين"‪ ،‬وأختها "أنييت" وأخواها "ألن" ‬و"جون". 

‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬بعد الحرب العالمية الثانية‪ ،‬شجع أحد الأصدقاء عائلة هيلين‪ ،‬والذي كان يعمل طبيباً ‫للعيون بمدينة الدار البيضاء‪ ،‬هو الدكتور "دور"‪ ،‬على المجيء إلى المغرب،‪ ‬وهذا ما حصل سنة ‪ ،1947‬ حيث فتح والدها محلا للخياطة بالشارع الذي يحمل اسم الأمير مولاي عبد الله حاليا‪،‬ بينما فتحت أمها دكانا لبيع ملابس الأطفال بالشارع الذي يحمل اسم الشهيد مصطفى المعاني حاليا‪.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

لقد دامت الخطبة زمنا طويلا‪ ،‬ساهم في إطالتها الاعتقال الأول سنة ‪ ،1959‬ثم الاعتقال الثاني سنة ‪ ،1963‬ثم قضية المهدي بن بركة‪ ،‬حيث سافرت لمتابعة إدارة القضية كطرف مدني‬ بباريس، ولم يصدر الحكم إلا سنة 1967.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

"وفي سنة ‪ 1965‬قررت عائلة "هيلين" مغادرة المغرب بصفة نهائية واستقرت في مدينة كان‬ بالجنوب الفرنسي‪ .‬وفي سنة ‪ ،1968‬أي بعد إحدى وعشرين سنة من التعرف على هيلين وعائلتها ‪ تم عقد زواجنا ببلدية الدائرة السادسة لمدينة باريس، وقد أشرفت على عقد هذا القران محامية الصديق أحمد بن بلة‪ ‬الأستاذة "مدلني‪ -‬لفو‪ -‬فريون". 

لقد احتملت زوجتي هيلين‪ ،‬وضحت بالكثير من أجل الوقوف إلى جانبي‪ ،‬وساعدتني في رحلة الغربة الشاقة والمتعبة، وأنا مدين لها بالكثير، ‬لأنني كنت دائم التنقل من اجتماع إلى اجتماع، ‬ومن موعد إلى آخر، كما كنت أتلقى زيارات كثيرة‪ ‬في أي وقت‪ ،‬ليلا نهارا‪ .‬والشكر موصول لها أيضا على العلاقة الخاصة والمتينة، ‬التي كانت تربط بينها وبين والدتي رغم غياب التواصل اللغوي،‪ ‬ولكن كيمياء التواصل كانت ترسي بينهما بشكل غريب،‬ وكان‬ تبادل المحبة والود بينهما متأصلا وعظيما لدرجة أثارت انتباه الجميع.‬

كان والد هيلين‪ ،‬منذ الستينيات من القرن الماضي‪ ،‬يداعبني ويكرر على مسامعي ‫باستمرار ‬متى يقوم ملككم الحسن الثاني بتعيينك وزيرا أول لكي يرتاح‪ ،‬غير أنه مات ستة‬ أشهر قبل أن يلبي الملك الراحل رغبته‪.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

دلالات

6A0D14DB-D974-44D0-BAC8-67F17323CCBF
حكيم عنكر
كاتب وصحافي مغربي، من أسرة "العربي الجديد". يقول: الكرامة أولاً واخيراً، حين تسير على قدميها في مدننا، سنصبح أحراراً..