هذه التخوفات الأردنية

هذه التخوفات الأردنية

03 مايو 2019
+ الخط -
على الرغم من رسائل التطمين التي أوصلتها رئاسة السلطة الفلسطينية إلى القيادة الأردنية بعدم وجود أي حوارات جانبية، أو لقاءات سرية بين السلطة والأميركيين والإسرائيليين بشأن صفقة القرن، إلا أن مجريات السياسة تقضي بأن يتخوّف الأردن من فرض حلولٍ تستهدف مستقبله، سيما أن العاهل الأردني لا يطل على مضمون هذه الصفقة، وقد تنامت الشائعات عن الوطن البديل، وكثر الحديث عن توطين مليون فلسطيني على أرض الأردن، إضافة إلى أسباب أخرى لا تفرض على الأردن الحذر فقط، وإنما تحفّزه على التحرّك للمواجهة، ومن هذه الأسباب:
أولاً: ماضي القيادة الفلسطينية الراهنة، فهذه القيادة مارست المفاوضات السرية في أوسلو، في وقت كان فيه الوفد الفلسطيني الرسمي بقيادة حيدر عبد الشافي يتفاوض علناً في مدريد، فمن يطعن الوفد الفلسطيني الرسمي في الظهر لا يتورّع عن طعن أي شريك آخر.
ثانياً: سلوك القيادة الفلسطينية الذي يعكس هدوء أعصابٍ يثير الشبهة، إذا كيف لا تغضب هذه القيادة ولا تثور، على الرغم من اقتراب موعد الإعلان عن صفقة القرن، والتي تشمل ضم معظم أراضي الضفة الغربية. الانتظار بحد ذاته، ومن دون فعل أي شيء على الأرض، يعتبر تهمة، بل إن رد فعل السلطة الفلسطينية على سرقة أموال المقاصّة يثير الريبة، إذ كيف تمتنع السلطة عن تسلم أموال المقاصة، لتصرف رواتب الموظفين بخصم 50% منها، في وقت كان في مقدور السلطة الفلسطينية أن تعاقب المستوطنين، بالتوقف عن ممارسة التعاون الأمني، والتوقف عن قبض ملايين الدولارات المخصصة للأجهزة الأمنية دون غيرها.
ثالثاً: اقتراب الأردن من الحركات الإسلامية، ولقاء الملك مع كتلة الإصلاح في مجلس النواب الأردني، في وقت تصر فيه القيادة الفلسطينية على استمرار القطع مع التنظيمات الإسلامية، 
ومع قوى سياسية عديدة ومع ورجال المقاومة في قطاع غزة، والإصرار على مواصلة تقسيم الساحة، من دون المبادرة إلى الوحدة الوطنية.
رابعاً: قيام الأردن بخطوات عملية لمواجهة صفقة القرن، بتحشيد الجماهير، وتحريكها باتجاه الحدود مع فلسطين المحتلة نصرة للقدس، في مسيراتٍ شعبيةٍ، تشبه إلى حد بعيد مسيرات العودة التي تنظمها القوى الوطنية والإسلامية في قطاع غزة، وهذا ما لم يحدث على أرض الضفة الغربية التي هي أحوج إلى رفع الصوت والاحتشاد في مواجهة المستوطنين.
خامساً: دعوة السلطة الفلسطينية نتنياهو إلى لقاء تفاوضي في موسكو من دون أي شرط، على الرغم من شروط نتنياهو، والتي تتمثل باعتراف قيادة السلطة المسبق بيهودية الدولة، والتسليم ببقاء المستوطنات، والاعتراف المسبق بغور الأردن حدوداً أمينة للدولة اليهودية، والاعتراف بالقدس عاصمة موحدة تحت السيادة الإسرائيلية، وقد يثير هذا السقوط السريع عن سلم الشروط الفلسطينية للقاء الإسرائيليين تخوفات الأردن، وتشككه مما تخفيه اللقاءات.
سادساً: نتائج استطلاع الرأي التي تشير إلى ضعف الحضور والتأثير للقيادة الفلسطينية، وانعدام شعبيتها داخل المجتمع الفلسطيني، هذا الضعف المخيف، بحد ذاته، محفز لمفاوضات سرية، تضمن بقاء هذه القيادة، والتي ترى تعاظم الاتصالات واللقاءات بين الإدارة المدنية الإسرائيلية مع شخصيات اقتصادية وأمنية طامعة بسلطة ما في الضفة الغربية، وهذا منهاج إسرائيلي معتمد، يقوم على إيجاد الخيارات والبدائل التي تثير الرعب في قلب قيادة السلطة، ويحفّزها على المنافسة في تقديم التنازلات لضمان البقاء أطول فترة.
لتخوفات الأردن ما يبرّرها، ومن حق الأردن أن يحافظ على وحدة أراضيه وأمن شعبه 
ومستقبله، ولكن هذا لا يكفي، فالحلول الفردية، والنجاة بالنفس، لا تجديان نفعاً مع المخطط الذي يستهدف الأردن وفلسطين وسيناء ولبنان وسورية، ولا مبالغة في القول إنه يستهدف المنطقة كلها. الحلول الفردية قد تشجّع على مزيد من القرارات الأميركية على غرار قرار ضم الجولان وضم القدس للسيادة الإسرائيلية. ولذلك، الأردن قادر على مواجهة مؤامرة صفقة القرن من خلال تعزيز العلاقة مع الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة، وتحديداً مع القوى السياسية الفلسطينية الرافضة عملياً صفقة القرن، والتي جسّدت هذا الرفض بلقاء في غزة تحت عنوان، "متوحدون في مواجهة صفقة القرن". يجب أن تتمدّد هذه الوحدة من غزة حتى الأردن، مروراً بالقوى الوطنية في الضفة الغربية، والهدف مواجهة صفقة القرن، على أمل أن يتسع هذا التحالف ليضم مزيداً من القوى العربية والإسلامية القادرة على الفعل الجماهيري، والتحرّك بهدف قلب المعادلة الراهنة من هدوء وانتظار إلى غضبٍ وانفجار.
وإذا كانت حركة حماس تقف خلف فكرة الهيئة الوطنية العليا لمواجهة صفقة القرن، فإن من واجب الأردن أن يعمل على تشكيل الهيئة العربية العليا لمواجهة الصفقة.
3763454C-747B-4CCA-A235-BC13D7519813
3763454C-747B-4CCA-A235-BC13D7519813
فايز أبو شمالة
كاتب وسياسي فلسطيني يقيم في قطاع غزة، عشر سنوات في السجون الإسرائيلية، دكتوراه في الأدب المقارن بين الشعر العربي والشعر العبري.
فايز أبو شمالة