هذا لنا..

هذا لنا..

05 نوفمبر 2014
رأى الشباب العربي شوارع أوطانه جناحاً يحمله إلى حريته(أ.ف.ب)
+ الخط -

نتصارع عليه وفيه ولأجله، مع من؟ ولأجل ماذا؟ هي أسئلة ناظمة لفهم أية وقفة أو احتجاج، وهي أسئلة نطرحها على ذواتنا قبل الخوض في أي صراع. فعندما نتصارع على الفضاء العام، على الأمكنة التي نحياها، على الزوايا والطرقات والمقاهي التي نحب، فهل نتصارع للاستحواذ عليها؟ أم نتصارع مع المارين؟ أو حتى مع دائمي الإقامة فيها؟ قطعاً لا. بل نتصارع مع أولئك.. ممتلكي الهيمنة والرقابة عليها، في تجاوزهم لحدود حفظ "السلم العام" أو مصالح المجتمع عند وقوع هذا الشكل من التجاوز، فكيف عندما يكون التجاوز، بل الانتهاك والاستحواذ، هما القاعدة. هنا بالضبط تبدأ نقطة الصراع، أي عند تجاوز هذه الحدود المتعلقة بمنطق الحماية والصيانة، إلى حقل الهيمنة الصرفة، بهدف الهيمنة ولأجل الإقصاء، ورسم وتشكيل لوحة المجتمع الواسعة بلون واحد، وبخطوط فاقدة قابلية الحراك المرن والتفاعل مع تصورات الناظر إليها، خصوصاً عندما يكون هذا التشكيل بتعسف ريشة رديئة الملمس عند تلاقيها مع قماش اللوحة، "لوحتنا"، لما يكون في هذه الريشة من ركون إلى أدوات القمع والتعسف، وواحدية التوجه، وعدم قبول ما لدى أفراد المجتمع، والشباب الفاعل ضمنه.

ماذا نقصد عند الحديث عن الفضاءات العامة؟ هل هي مجرد مساحات تحركنا تلك، التي نتشارك فيها مع الآخرين، أم أن الأمر يتعدى الخصائص المادية ليحيل إلى خصائص أخرى حقوقية وشعورية وتصورية عن شكل علاقاتنا الاجتماعية، وعلاقتنا بمن يحكمون، أو يمتلكون أدوات السيطرة على مساحات التحرك هذه.

ربما يتسع النقاش حول الفضاءات العامة، والتفصيلات المتعلقة بها، قدر ما يشاء المتناقشون، لكن، وفي لحظة، لا يبقى متسع إلا لكلمة واحدة، الحرية، بمعنى تحريرنا ممّا يكبل وجودنا الطبيعي وأريحية عيشنا في المكان، بما يحق لنا في أمكنتنا من عمل وسكن وتعليم وتعبير وحب ورفاه وحياة.

إذن، الحديث عن الفضاءات توصيف يطيق تأويلات عدة، ولدى الحاكم كما لدى المحكوم، لكل تصوره ورغبته، ففضاءات الحواضر، التي نحيا فيها تشكل قاعدة حراكنا الاجتماعي، ومساحة ترجمة كل من في المجتمع لموقعه. وفيها يتشكل الرأي العام، ويتبادل الناس آراءهم، كما النظرات فيما بينهم، وفي هذه المساحات عينها، تحاول أجهزة الدولة عكس وجودها، وإبرازه للمجتمع، وتفعيل خاصية المراقبة والمعاقبة، التي تتوفر لها بحكم العقد الاجتماعي القائم ضمن كيانها، وشكل هذه المحاولة فيه تمايزات واسعة، كما فيه نقاط التقاء. وما كانت الاستعانة بساحات التغيير وشوارع التظاهر عربيا، إلا لجلب ما غاب عنها طويلا من حرية ومواطنة وانتماء اختياري حر وتنمية وكرامة.

وعند استشعار ما هدد كل هذا، ووصول الحال إلى ما لا يطاق من إطباق على المكان بمن فيه، صعدت صرخات الشباب العربي، وعرف ببوصلته الحية أين الوجهة، فكان الزحف إلى الساحات، ساحات التغيير، وميادين الحرية، فأتت "تونس حرة حرة، بن علي على برَّه" ومعها " dégage"، ولم ينسَ الشباب رفاقهم في النضال، لذلك كانت "أوفياء أوفياء، لدماء الشهداء"، وكذلك الحال عندما أطربت "الشعب يريد إسقاط النظام" في يناير، ميدان التحرير، التراب العربي كاملا، لتصل إلى تلامذة سخروا جدران مدرستهم لنداء آلامهم، مستوحين من نداء ميادين الأشقاء، وكانت "إجاك الدور يا دكتور". وقبلهم كان من استعاض بجدران لجوئه في المخيم عن صفحات الصحف الممنوعة عليه، ليكتب على امتداد عقود طوال "راجعين إلى فلسطين" و"إسرائيل No".

هكذا رأى الشباب العربي شوارع أوطانه، لا مساحات ارتشاف قهوة وتنزه فحسب، بل جناحا يحمله إلى حريته، وبيتا يستمع إلى صرخته، وظلال ورود تغار على كرامته، كما ينفر هو لحراسة الأمل الذي تخبئه وتحفظه. فخرج من جامعاته ومقاهيه إلى ساحاته، ولملم عتاده من مسارحه ومكتباته إلى شوارعه، كما قال من على عتبة كنيسته العتيقة في غزة "سنشيع شهداؤنا من هنا لأجل المسجد الأقصى".

 
Jeel@alaraby.co.uk

المساهمون