هذا السلام بين إثيوبيا وإريتريا

هذا السلام بين إثيوبيا وإريتريا

18 يونيو 2018

نقطة تفتيش إثيوبية في الطريق إلى بادمي (5/11/2008/فرانس برس)

+ الخط -
مر أكثر من 18 عاماً على حالة اللاسلم واللاحرب بين الجارتين إثيوبيا وإريتريا، كجزء من نزاعات القرن الأفريقي، فبعد أن انتهت حرب 1998، وحصاد أرواح عشرات الآلاف بتوقيع اتفاق سلام في الجزائر نهاية 2000، حسمت لجنة تحكيم للأمم المتحدة ترسيم الحدود، منحت بموجبه مثلث بادمي الحدودي المتنازع عليه إلى إريتريا، لكن إثيوبيا رفضت سحب قواتها منه، مما أثار مواجهات بين حين وآخر على طول الحدود (ألف كيلومتر).
ولم تكن حرب العامين الوحيدة، فقبل أن تنال إريتريا استقلالها من إثيوبيا، دخل البلدان في حرب منذ 1961 وحتى 1991، ثم حصلت إريتريا على الاستقلال في 25 أبريل/ نيسان 1993، باستفتاء شعبي، أصبحت على إثره دولة ذات سيادة، ما حرم إثيوبيا من واجهتها البحرية الوحيدة على البحر الأحمر. تخللت هذه الفترة حربٌ أهلية داخل إثيوبيا نفسها منذ 1974، عندما قام منغستو هايلي ماريام بانقلاب عسكري على نظام الإمبراطور هيلاسيلاسي واستمرت حتى 1991.
كانت ثلاثة عقود من الحرب، وقرابة العقدين من حالة اللاحرب واللاسلم، كافية لوضع حد لعبثية النزاعات بين البلدين. وعلى مقربةٍ من النجاح الذي حقّقه رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، بإعلان حكومته رفع حالة الطوارئ في البلاد، وغير بعيد من الفشل الذي مُني بها أسياس أفورقي الذي يتولى الحكم منذ استقلال بلاده، تتطور الأحداث  بإعلان الإئتلاف الحاكم في إثيوبيا إنهاء الخلاف الحدودي مع إريتريا، وفقاً لاتفاق الجزائر الموقّع عام 2000، لإنهاء النزاع بعد نتيجة لجنة ترسيم الحدود.
قد تكون الحكومة الإثيوبية سلكت درب السلامة الذي بدأه آبي أحمد بإعلانه إنهاء الخلاف مع إريتريا، عقب أدائه اليمين الدستورية في أبريل/ نيسان الماضي، وأوضح استعداده للجلوس مع الحكومة الإريترية لإنهاء الخلاف عبر الحوار. كما ساهمت زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية، دونالد ياماموتو، إريتريا وجيبوتي وإثيوبيا في نهاية الشهر نفسه في دعم توجه الحكومة الإثيوبية، فكانت زيارة فيها شيءٌ في نفس الإدارة الأميركية حليفة إثيوبيا، وهو عدم ترك ساحة القرن الأفريقي لقوة أجنبية منافسة للمصالح الأميركية، خصوصا روسيا والصين.
قد يدخل التحرّك الإثيوبي لإنهاء الخلاف في احتمالين، أولهما القلق المتواصل، والخشية من استمرار التفاهمات الإريترية الدولية، والتي قد تؤدّي إلى مزيد من التآكل في بعض مناطق النفوذ الإثيوبي في القرن الأفريقي، ما يهدّد إثيوبيا ومشاريعها التنموية، وأبرزها مشروع سدّ النهضة، فقد تم منح إثيوبيا تسهيلاتٍ في الموانئ الإريترية، بموجب ترتيبات الاتفاق على استقلال إريتريا. وهناك شبهات في اعتبار تعكير إريتريا الأجواء كنوع من الاستجابة لإملاءات دول معينة، تصارع على مكانتها الإقليمية، فعلى حدودها الجنوبية تستضيف جيبوتي ست قواعد عسكرية، تابعة للصين، اليابان، أميركا، فرنسا، روسيا، والاتحاد الأوروبي.
الاحتمال الثاني، إعلان السلام الإثيوبي لا يعني الإذعان لإريتريا، فالمنطقة الحدودية التي كان متنازعا عليها حسمتها لجنة ترسيم الحدود التابعة للأمم المتحدة منذ عام 2000، عقب اتفاق الجزائر لصالح إريتريا، لكن إثيوبيا لم تنفذه، بل أخذ كل هذا الزمن من المناوشات، بسبب أنّ إثيوبيا لم تكن مقتنعة بفكرة وجود إريتريا مستقلة، بين أسبابٍ أخرى.

ما يفترض إدراكه بعد كل هذه التجارب، وبعد نزاعات مسلحة على الحدود وحربين طويلتين، أنّ إثيوبيا تفترض أن يكون هدفها الأساسي تمكين الشعب من المساهمة في التنمية والإصلاحات الاقتصادية، وليس إهدار الجهود الداخلية في مواجهات خارجية. وهذا ما تحاول الحكومة الإثيوبية فعله إزاء مؤشرات الانقسام في الداخل الإثيوبي، الرافضة للقرار الحكومي. فقد دعت أحزابٌ معارضة ومحاربون قدامى من مناضلي جبهة تحرير شعب التقراي إلى الاحتجاج بمسيرات سلمية على قرار الحكومة الإثيوبية قبول اتفاقية الجزائر بكامل بنودها، وذلك في مدن الشمال الإثيوبي وإقليم التقراي.
تبدو خيارات إريتريا محدودة للغاية، فعلى الرغم من خلاف الولايات المتحدة معها، والذي وصل إلى فرض عقوبات من مجلس الأمن عليها، لاتهامها بدعم حركة الشباب الصومالية، فإنّ إرساء المصالح غلب على إبقاء علاقات الولايات المتحدة معها في مستوىً محدود. ويبرز اهتمام الإدارة الأميركية بهذا الملف، وإيكاله إلى ياماموتو لخبرته بقضايا القرن الأفريقي، نسبة لعمله السابق سفيراً في إريتريا وإثيوبيا وجيبوتي، وقد سبق والتقى بقيادات المعارضة الإريترية في أديس أبابا في 2008.
في ظل توافق معارضتها مع الحكومة الإثيوبية، ومهما بلغت من إظهار بطاقات الضغط المحدودة في يدها، ليس في استطاعة إريتريا أكثر من إظهار التشويش على إثيوبيا. وثمة من تأكيد أنّ إثيوبيا في هذه المرحلة أبعد ما تكون عن مواصلة عداوات جديدة، إذن فالوضع من التعقيد بمكان، ما يستلزم ضرورة فتح أبواب تفاوض موازية لباب النزاع.
كثيرة الأطراف التي حاولت الاستثمار في هذه الأزمة، كما تلعب الدور نفسه في حلها الآن، خصوصا وأنّ المتغيرات المحيطة بإريتريا وإثيوبيا آخذة في التطور. أما الصراع فقد ظلّت تحكمه الطبيعة المعقدة في العلاقة بين البلدين، ولكن تزيد من وعورته طبيعة التحالفات التي يعقدها كل طرف مع الجهات الخارجية.

دلالات

8615DCBC-E386-43F8-B75E-8FF0C27360A3
منى عبد الفتاح

كاتبة صحفية من السودان. حاصلة على الماجستير في العلوم السياسية. نالت دورات في الصحافة والإعلام من مراكز عربية وعالمية متخصصة. عملت في عدة صحف عربية. حائزة على جائزة الاتحاد الدولي للصحفيين عام 2010، وجائزة العنقاء للمرأة المتميزة عام 2014.