هذا الجيل الثالث لحملة الفكر القومي الكُردستاني

هذا الجيل الثالث لحملة الفكر القومي الكُردستاني

02 يونيو 2019

(نيجرفان ومسرور البرزاني)

+ الخط -
انتصر الإقليم على ساسة العراق الساعين إلى تقزيم كُردستان وجرجرتها إلى نظام المحافظات، أو على أقل تقدير تحجيم الاقتصاد ونسف العملية السياسية. انتصر الجيل الثالث من سُلالة البرزانيين، كأمراءَ للسلام وقادة للحرب، وما فات الطبقة الحاكمة في بغداد أنهم سيندمون على فترة رئاسة مسعود البارزاني الإقليم، فالنُخب الحاكمة الجديدة لكُردستان لا يُجيدون التكلم بالعربية، ولا يحبذونه، وهم نتاج تربيةٍ قومية كُرديةٍ بعقلية أوروبية. ما فعله رئيسا الحكومة العراقيان السابقان، نوري المالكي وحيدر العبادي، من هجوم وتجويع وحصار للإقليم سيدفع رئيس الوزراء الحالي عادل عبد المهدي، إلى زيارة الإقليم قريباً جداً، وفتح صفحة حقيقية بعيدة عن نمطية التودّد وغيرها.
يتفق الكرد على أن الرئيس الجديد لإقليم كردستان العراق نيجرفان البارزاني، يمثل في تاريخ الحركة القومية الحديثة محطة بارزة على صعيد الزعامة السياسية القومية والاقتصادية. ويوضح الباحثون والمتابعون الكرد، عند حديثهم عن المقطع الزمني الذي نشط فيه "كاك نيجير"، كما يُلقب لدى الطبقة العامة من سكان الإقليم، أنه بمثابة ضلع أساسي في دائرة الزعامة الكردية. امتاز بشخصية هادئة، وبتواضعه الجمّ وسلوكاته السياسية الراقية. لم يتعارض سلوكه السياسي العصري الذي طبع شخصيته، بما فيه منهجه في العمل السياسي، مع هويته الجبلية، وكونه سليل إحدى العائلات الدينية الكبيرة في كردستان. بل استطاع هذا المنحدر من انتفاضات الريف الجبلي والمترعرع في أحضان المدن، أن يجمع في تكوينه السياسي والثقافي بين العصرنة والريفية.
كما تربى مسرور البارزاني (رئيس حكومة الإقليم المقبل) على قيم العمق القومي الكردستاني، وحمل راية الوفاء للانتفاضات والثورات الكردستانية المتلاحقة. على هذا، يلاحظ أن ذلك 
السلوكي تعارض، إلى حد لافت، مع التوترية الإيديولوجية الحادّة التي طبعت، ولا تزال تطبع، تجارب سياسيين كثيرين في الشرق الأوسط، على مختلف مشاربهم الفكرية وانتماءاتهم القومية والسياسية. واللافت أيضاً أنه بقي بعيداً عن توترية السياسة، على الرغم من أن عائلته وعشيرته، بل تجربته الشخصية منذ الطفولة، قليلاً ما استراحت من حياة التوتر والمنافي والانتفاضات المسلحة من ناحية، وصميم السياسة من ناحية أخرى. ولم تنبع تعقيدات هذه القضية من فداحة التضحيات والخراب والدماء التي سالت من الكرد فحسب، بل أيضاً من الصعوبة الجيوسياسية البالغة التي أحاطت بالوطن والقومية الكردية. في هذا التوقيت الإقليمي والدولي العصيب، المتأزم، الدموي، الحالك، سيكون للجيل الثالث دفع قوي للحركة القومية الكردية، واهتمام خاص بالقضية الكُردية في سورية، وسيمنح دفقاً كبيراً من القوة والإبداع والازدهار. والثابت أنه سيكون لتضافر جهود باقي الكُتل السياسية الدور الأساسي في عملية التنمية والحدّ من المظاهر الدخيلة على المجتمع الكُردي، ورسم حياة سياسية واقتصادية متينة.
خرج إقليم كردستان العراق من مُخططات وأحابيل إلغائه. نجح الحزب الديمقراطي الكردستاني (البارتي) وحلفاؤه، عبر آليات ديمقراطية، بإعادة تفعيل منصب رئاسة الإقليم، وهي الضربة الثالثة لعموم أعداء كُردستان، بعد تبوؤ "البارتي" صدارة المشهد الانتخابي في عموم العراق أولاً، والمرتبة الأولى من دون مُنازع في الإقليم ثانياً. حتى عملية الانتخاب من البرلمان نفسه كانت إحدى الحيل، التي حاولت كتل قبل الآن استدراجه لتمييع إعادة انتخاب الرئيس مسعود البارزاني. الأرجح أن يكون انتخاب نيجرفان البارزاني عبر البرلمان تعبيراً عن مدى الفوارق بين الكُرد ونظرائهم من الأنظمة الأخرى، فدوماً كانت النتائج المئوية حاضرة، والسيف في انتظار من لا يحضر الجلسة، ما حصل في البرلمان الكُردستاني يضع المنطقة أمام مُتغير سياسي دولي مُركب؛ فمن جهة التأييد الدولي الواسع يعني بداية صفحة جديدة لكُردستان، بل إن تقرير الأمم المتحدة عن انتظار تشكيل الحكومة الكُردستانية الجديدة، وانتخاب رئيس للإقليم لإعادة تفعيل المادة 140، المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها، شكل دعماً وتأييداً نهائياً للرئيس نيجرفان البارزاني، ورئيس الحكومة المقبل مسرور البارزاني، وهو ما يعني حسم الصراع بين حجم وطبيعة وتركيبة الكيان الجغرافي الجديد لصالح كُردستان، وستكون بمثابة الذراع الداعمة والساندة للسلم الأهلي في المنطقة.
ومن جهة ثانية، يمتاز الجيل الثالث بعلاقات قوية جداً مع تركيا وإيران. وغياب كُتل سياسية عن جلسة انتخاب الرئيس قد يكون رسالة إقليمية إلى إمكانية استمرار العبث بكل شيء، أو 
عدم الاصطفاف إلى جانب المحور الأميركي في حال نشوب حرب أو ضربات ضد إيران، مع إمكانية الدخول في معارك سياسية وإعلامية أو الذهاب أكثر لأجل منصب محافظ كركوك.
في ما يخصّ السوريين الكرد، فإن المخاوف على مصير المنطقة من عين ديوار إلى كوباني لا تزال مُتجدّدة، وهي المنطقة المُلاصقة لحدود إقليم كُردستان، والمخرج للوصول إلى الأبيض المتوسط، كما لا تزال التحالفات والعلاقات قائمة بين جهاتٍ مُختلفة ودول إقليمية ساعية إلى السيطرة على الشريط الحدودي، ولا يزال الوضع في عفرين يزداد سوءاً، وعمليات القتل والنهب والخطف تزداد بوتيرة متسارعة. وما يأمله الكُرد في سورية هو استغلال العلاقات المذكورة، بما يؤمن المستقبل الكُردي بعيداً عن العنف والحرب. ويأمل الشباب الكُرد في سورية الخروج من مظلومية ضياع أحلامه وطموحاته، وفقدان فرص التعليم والتنمية البشرية والتدريب والتأهيل السياسي. وقد شهد الإقليم خلال الأشهر الماضية، زيارة معظم المسؤولين الأوروبيين والأميركيين والفاعلين في الملف السوري، عاصمة الإقليم هولير، وإجراء لقاءاتٍ مع مسرور ونيجرفان البارزاني، حتى قبل تبوئهما الاستحقاق الانتخابي، ما يشي بوضوح بالدور المحوري والرئيسي لكليهما في الشأن الكُردي في سورية.
سعى "البارتي" نحو عقد تحالف مع الاتحاد الوطني الكُردستاني، حتى بعد ما حصل عشية 16 أكتوبر/ تشرين الثاني في كركوك، وانسحاب الثاني من الاتفاق على تبوؤ فؤاد حسين رئاسة العراق قبل الانتخابات ببضع ساعات، وتكرار فصول المشهد ذاته، وإبلاغهم عدم حضورهم جلسة البرلمان قبل مُباشرة الانعقاد. يُقابله ما يفعله حلفاؤهم في سورية، والتمهيد لعقد شراكة أو إدارة جديدة للمنطقة الكُردية، سيكون للإقليم الكردستاني وتركيا دور مهم ومحوري في المنطقة، بعد تصفير المشكلات بين الكُتل الرئيسية، وهو ما يتطلب، بالتزامن مع التحركات الجديدة في المنطقة الكُردية، تفعيل عملية السلام بين زعيم العمال الكُردستاني والدولة التركية.