هاوس مان .. آخر صيحة في سينما الخيال الأدبي

هاوس مان .. آخر صيحة في سينما الخيال الأدبي

13 فبراير 2020
+ الخط -
أريد كتابة سيناريو فيلم، اسمه "هاوس مان" على غرار سوبرمان، وسبايدرمان، وبات مان.. بطله أب عادي، ليس له خوارق ومعجزات، لا يطير في السماء، لا يتسلق الجدران. من العامة، قلبه جريح، مثقوب، تتسرّب من جرحه بعض المواجد والأشواق، مع أنه مسدود بخرقةٍ أو بحصاة. أب له ستة أولاد، الأولاد هم فلذات الأكباد، لكنهم في سورية ليسوا سوى أرقام. أمهم تطلب منه أن يتسوّق على الوجه الصحيح، وهو يقصد متاهة السوبر ماركت الألماني العملاق، وأن يحضر لها طلباتها بوصفاتٍ طبية، وعيارات كيميائية، كأنه جلجامش، وسيحضر ماء الحياة؛ جبنة موزريلا دسم بنسبة 8%، لبن دسم 2%، لحمة مفرومة رأس عصفور دوري، وليس رأس الرجاء الصالح. أب يشبه كل الآباء النازحين الذين سقطت أبوّتهم سهوا من السطر في المنازح والمنافي، وعادوا صغارا، يتعلمون الأبجدية. أبٌ عادي يشكو ويتذمر، يذهب إلى التعازي سعيدا في مناطق بعيدة، وإلى الأعراس حزينا، يبارك لأهل المرحوم ويعزّي العريس، بسبب الثقب الذي في قلبه. أب يشبه بطل رواية غائب طعمة فرمان "النخلة والجيران"، الرواية الجميلة التي صنفت في قائمة أفضل مائة رواية عربية. 
أب مثل كل الآباء، يُلام دوما من غير ذنب، لأنه أتى بهم إلى أوروبا. يقُرَّع، لأنه لا يتعلم اللغة الألمانية أو الفرنسية، يُعزّر لأنه ينسى، يُوبّخ لأن قلبه مثقوب، وخرقة لا تجدي ولا تسد، يُعاب على كل شيء، على أي شيء، يُبكت لأنه يخطئ في البضائع والأطعمة، فهو لم يدرس علم الصيدلة في فن التسوق. هو الخطيئة الأصل، مشغول بالأخبار، يبحث عن خبره المفقود الذي ضاع أثره أو لم يحنْ حينه. الأخبار التي تسبب ارتفاع الضغط والجلطة القلبية والكورونا وتثقب القلب. أب عادي، لا يطير مثل سوبرمان في السماء، لا يتسلق الجدران مثل الرجل العنكبوت، يده قصيرة لا تطول مثل يد الرجل المطاط.
أب يشبه أبو خلدون في رواية "عائد إلى حيفا" الذي يجد أنَّ بلده احتلت وتبدلت، وأنَّ منزله مسكون بعائلة يهودية استوطنت البيت بعد نزوح 1948، وأنَّ ابنه، خلدون، أصبح شاباً واسمه صار دوف، وأمسى ابنا للعائلة المحتلة، وهو مجند في جيش الاحتلال، وأنَّ دوف عرف الحقيقة، وفضَّل عائلته الصهيونية على عائلته العربية الإرهابية!
فقد هاوس مان كل أولاده، وليس خلدونا واحداً، خطفت الحكومات الأوروبية أولاده، وأوروبا بارعة في تدمير الأسرة، وبثِّ الفردية. أبٌ تهدّم بيته تحت البراميل، ونزح أبناؤه مرتين، مرة إلى المهاجر ومرة إلى عوالم مارك زوكربيرغ وتويتر وإنستغرام.. أبٌ وحيد، لا يطير، لا يتسلّق الجدران، يخطئ دائما في أسماء الأدوية من السوبرماركت. تلومه زوجته، وتقول له إنه لا ينفع لشيء، وتندب حظها لأنه قبلته زوجا. أبٌ يشبه شخصية أيونا لأنطون تشيخوف في قصة "وحشة"، الحوذي الذي ليس له أحد، فيبثُّ همومه لفرسه. هاوس مان مقطوع من شجرة، مقطوعٌ من الأمل، ليس له فرس يشكو إليه همّه. لا يشبه أبو خلدون، لأنَّ أبو خلدون سرقوا منه ولدا واحد وسرقوا من هاوس مان كل أولاده. أبٌ عادي لا يحبُّ التسوق من السوبر ماركت التي تحتاج إلى دليل سياحي وخريطة كنز، قلبه مكلومٌ ومسدودٌ بخرقة أو بحصاة وينزف. وكان يقصد السوق، فيسأل أبو عبدو، فيتولى إعداد كل حاجاته. أبٌ قلبه مثقوبٌ مثل "الجرّة المثقوبة" في الحكاية الشهيرة، والتي كانت زميلتها الجرّة السليمة تعيّرُها بجرحها، فأشفق حامل الجرّتين على الجرّة الجريحة من الجرّة المتكبرِّة، وذكّرها أنه لولا جرحها لما نمت كل الأزهار على الطريق إلى النهر. أبٌ زوجته تشبه السيد الرئيس، وتبكي حظها، وتلوم الشعب، وتطلب لبن عصفور دسم نسبة 2%، جبنة نسبة دسم 8%، ولحمة رأس عصفور وليس رأس غليص، وحبٍّ، من قلبه المكلوم، المضمّد بخرقة، والمسدود ثقبه بحصاة، بنسبة 100%.
683A43FF-D735-4EBA-B187-3AC9E42FAE32
أحمد عمر

كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."