هادي ومراكز القوى اليمنية (2-3): احتواء حذر لعلي محسن

هادي ومراكز القوى اليمنية (2-3): احتواء حذر لعلي محسن

22 مارس 2014
علي محسن الأحمر (محمد حويس - Getty)
+ الخط -

 ستة أشخاص درسوا سوياً في طفولتهم في كُتّاب القرية (المعلامة) في قرية "بيت الأحمر" في مديرية سنحان في الجنوب الشرقي للعاصمة اليمنية صنعاء. وتحكموا لعقود، في مصير البلد، وهم: علي عبد الله صالح، محمد عبدالله صالح، علي محسن القاضي، عبد الإله القاضي، محمد إسماعيل القاضي، صالح الضنين.

ما إن جاء عهد الرئيس إبراهيم الحمدي منتصف السبعينيات في شمال اليمن، حتى كان هؤلاء يمثلون مركز قوى عسكرياً، يمثل إحدى دعامات الحكم. وبمقتل الرئيسين الحمدي ثم أحمد الغشمي، كان هذا السداسي هو الأكثر تماسكاً داخل الصف العسكري، والأقدر، بالتالي، على السيطرة على الأمور، وتسلم قيادة البلاد في 17 يوليو/تموز 1978 برئاسة علي عبد الله صالح.

بمجرد مقتل الرئيس أحمد الغشمي في يونيو/حزيران 1978، تكفل علي محسن بالسيطرة على منشآت الإذاعة والتلفزيون وتأمين العاصمة صنعاء، ثم بعد ثلاثة أشهر قام بإخماد انقلاب ناصريّ ضد صالح، واتهم بالمشاركة في تصفية رجاله (بعضهم لا يزال مصيره مجهولاً حتى الآن).

كما اشترك مع عبد الإله القاضي أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات بالتعاون مع الإسلاميين، في إخماد نشاط الجبهة القومية في المناطق الوسطى المدعومة من نظام الشطر الجنوبي. ثم شارك جميعهم بفعالية في حرب 1994 (ضد قوات الحزب الاشتراكي اليمني شريك الوحدة، وحاكم دولة الجنوب قبل 1990). وبعدها بـعشر سنوات كانت ألوية علي محسن في مهمة جديدة في صعدة لمواجهة الحوثيين، فخاضت الدولة اليمنية ست حروب ضد جماعة أنصار الله، كان لعلي محسن دور بارز فيها.

لم يأت العام 2011 مع اندلاع الاحتجاجات الشعبية المطلبية برحيل علي عبد الله صالح، إلا والتحالف السداسي منحل. توفي محمد عبدالله صالح في مايو/أيار 2001، فيما قضى محمد إسماعيل القاضي في حادث تحطم مروحية عسكرية في أغسطس/آب 1999. وانضم الثلاثة الباقون (علي محسن، عبد الإله القاضي، صالح الضنين) ومعهم نجل محمد إسماعيل (وهو زوج ابنة صالح)، إلى ساحات التغيير المطالبة برحيل صالح.

لماذا انقلب من تبقى من هذا التحالف على صالح، وتحديداً علي محسن الأحمر؟ سؤال لا غنى عنه، لفهم حقيقة انضمام الأحمر الذي يشغل حالياً منصب مستشار الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى الثورة، ودوره الحالي في الأحداث الدائرة في اليمن بعد رحيل صالح، إذ يُتهم بأنه لا يزال يحتفظ بنفوذ قوي داخل مؤسسات الدولة.

جماعة "العهد"

شخّصت المتخصصة في الشؤون اليمنية، سارة فيليبس، نظام صالح بأنه يتكون من "سلسلة من الدوائر متحدة المركز هي التي تشكل النظام".

ووفقاً لفيليبس، "هناك الرئيس وحوله دائرة الأقارب ومن ثم دائرة نخبة القبيلة (سنحان)، التي ينتمي إليها صالح وعلي محسن". وتضيف "مجموع أفراد هذه الدوائر الثلاث ربما لا يتجاوز  فردا 50، وهم يشكلون دائرة النظام الداخلية ويتحكمون بكل المفاصل الحساسة في البلاد". وتوضح فيليبس أن "النظام أبقى أسماء معظم أعضاء الدائرة الداخلية بعيدة عن التداول العام.

كان الاسم الأخير لصالح "عفاش"، حتى سنوات مضت، يعامل كما لو كان سراً من أسرار الدولة. وقد كشف اسمه هذا أن علي محسن يتفوق عليه في التسلسل الهرمي لقبيلة سنحان.

تقول مؤلفة كتاب "اليمن وسياسات الأزمة الدائمة" إن علي محسن لعب دوراً حاسماً في ارتقاء صالح إلى السلطة والمحافظة على نظامه.

اغتيل أحمد الغشمي، رئيس ما كان يعرف آنذاك بشمال اليمن في يونيو/ حزيران 1978. كان يومها الرائد علي عبدالله صالح، قائد منطقة تعز العسكرية. وهو ما أتاح له الوصول إلى البحر الأحمر، واغتنام الفرص المربحة لعمليات التهريب الدولية. كان صاحب ثاني أرفع رتبة عسكرية من قبيلة سنحان بعد محمد إسماعيل القاضي.

وتنقل فيليبس المحاضرة في مركز دراسات الأمن الدولي في جامعة سيدني الأسترالية، عن مصادر مطلعة في قبيلة سنحان، قولها إنه عند اغتيال الغشمي، تمكن علي محسن من تأمين السيطرة على مبنى مقر القيادة المركزية في صنعاء.

وأعقب ذلك فترة استراحة لمدة 40 يوماً. وهي الفترة التي باعت فيها نخبة سنحان الأصول وجمعت الأموال لشراء دعم القادة العسكريين الآخرين لصالح حتى يمسك بالرئاسة. اتفق شيوخ سنحان على ما سمي بـ"العهد" الذي تقف بموجبه القبيلة إلى جانب زعامة صالح على أن يكون علي محسن، التالي في خلافة صالح في الرئاسة.

لم يكن أصحاب "العهد" يتوقعون أن تستمر قيادتهم لمدة طويلة، إذ أفادت تقارير بأنه عندما تولى صالح منصبه راهن أحد عملاء وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في صنعاء، على أنه لن يستمر ستة أشهر.

وتقول فيليبس إن مسألة الخلافة السياسية بقيت جامدة حتى العام 1999، عندما بدأ صالح يدفع باتجاه سلسلة من التعديلات الدستورية، كتمديد فترة الولاية الرئاسية من خمس إلى سبع سنوات. وعلى الرغم من أنه كان في منصبه منذ العام 1978، فلم يتم انتخابه رسمياً إلا في العام 1999. وهذا يعني أنه بموجب الدستور المعدل، يمكن أن يظل في منصبه حتى العام 2013 بدلاً من 2009. وأدى هذا إلى تكهنات تقول إن القصد من التمديد هو السماح لنجل الرئيس أحمد علي بالوصول إلى سن 40 عاماً - وهو السن الدستورية لتولي الرئاسة - قبل أن يضطر صالح إلى التقاعد.

وتشير الباحثة الأسترالية إلى أن ذلك أغضب النخبة داخل قبيلة الرئيس، ومنهم علي محسن، إزاء محاولة صالح إعداد ابنه لخلافته. وهو ما أدى إلى نزاع كبير بين الفصائل. ولكن ليس بالضرورة لأن علي محسن كان يريد المنصب لنفسه. محمد إسماعيل القاضي، وهو من أنصار علي محسن، قال صراحة لصالح إنه "نقض العهد".
قُتل القاضي، بعد فترة وجيزة جداً، في حادث تحطم طائرة هليكوبتر عسكرية. وعلى الرغم من أنه أُعلن رسمياً أن تحطم الطائرة كان حادثاً عرضياً، فإن العديد من المراقبين اعتبروه بداية تحركات أكثر دهاء ضد علي محسن داخل المؤسسة.

تدهورت علاقة صالح، في الوقت نفسه تقريباً، مع أبرز شخصية قبلية، الشيخ عبدالله الأحمر. وازداد التنافس في قبيلة سنحان، إذ حاول صالح وأبناؤه وأبناء أخوته تقويض نفوذ الحرس القديم لقبيلة سنحان باستخدام تكتيكات التخويف والإذلال. وانقسمت العائلات داخل القبيلة بين فصيلين: عشيرة عفاش (المرتبطة بعلي عبد الله صالح)، وعشيرة القاضي (المرتبطة بعلي محسن).

طموحات الجيل الصاعد

كانت سارة فيليبس في رؤيتها السابقة، ربما من الباحثين القلائل الذين وضعوا أيديهم على الجرح. فقد ظلت حقيقة هذا التحالف السنحاني أمراً غامضاً، حتى بعد مرور عقود على حكم هؤلاء لليمن المشطر ثم الموحد. ولعل فهم تحولات هذا التحالف مهم في محاولة حسم ما إذا كان انضمام علي محسن الأحمر للمطالب المؤيدة لرحيل صالح، موقفاً حقيقياً أم أنه تم باتفاق بين الرجلين يضمن لهما نهاية أقل سوءاً مما حصل في تونس ومصر وليبيا.

أصحاب رؤية "الانضمام التكتيكي" للأحمر إلى الثورة، يستدلون بحميمية العلاقة بينه وبين صالح طيلة عقود (حتى أن كثيرين كانوا يحسبون علي محسن الأحمر الأخ غير الشقيق لصالح). ويستدلون أيضاً بقبول الأول المبادرة الخليجية التي وفرت لصالح خروجاً آمناً من السلطة، لكنها أبقت أقدامه فوق الأرضية السياسية وحكومة الوفاق.

لكن مقربون من الرجلين، يقولون إن الأقرب إلى الدقة، أن ملف التوريث كان بالفعل شرارة وسعت الخلاف بينهما، وألّبت أبناء صالح لدفع الأخير لتحجيم رفيقه الجنرال العسكري، أو أنهم (الأبناء) اعتمدوا تحالفات جديدة اقتضت اصطدامهم بشركاء أبيهم التقليديين في الحكم.

وسعى صالح، ضمن إجراءاته بغرض تهيئة الظروف لنجله أحمد، إلى إزاحة وإضعاف القوى السياسية والعسكرية والقبلية المنافسة، مستخدماً إمكانيات الدولة، ثم بدأ عملياً في تمكين نجله وأبناء أخيه، بأن سلمهم زمام الكثير من المواقع القيادية في مؤسستي الجيش والأمن.

أصبح نجله أحمد قائداً للحرس الجمهوري والقوات الخاصة، وأبناء أخيه (طارق ويحيى وعمار) قادة في الحرس الخاص والأمن المركزي والأمن القومي. كما عمل على تقوية المؤسسات التي عيّن على رأسها أبناءه، وإمدادها بصفقات أسلحة، واعتمادات مالية مفتوحة، وإضعاف ما عداها، كالفرقة المدرعة التي يقودها اللواء علي محسن الأحمر.

مذاك، دخل صالح وعلي محسن في حرب باردة لاستقطاب الولاءات، والتهيؤ لتغيير معادلات توازن النفوذ بينهما، كلٌّ لصالحه.

حرب الحوثي

وما إن حل صيف العام 2004 تاريخ اندلاع ما يعرف بـ"تمرد الحوثي" في صعدة، شمالي البلاد، حتى كان لكل منهما حساباته الخاصة من هذه الحرب. أراد صالح، وفق اتهامات خصومه، الحرب كوسيلة لإضعاف قوة "الفرقة أولى مدرع" التي يقودها علي محسن الأحمر.

كما تعامل مع الحرب في بداية الأمر باعتبارها ورقة ضمن "الحرب على الإرهاب" تقربه من نيل الرضا الأميركي، كون الحوثيين واضحين في عدائهم للولايات المتحدة، وخصوصاً عبر شعار(الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام).

ولكن عقب مشاركته في اجتماع الدول الـثماني في يونيو/حزيران 2004، عرف أن ثمة فرقاً في نظر الأميركيين بين القاعدة والحوثي. فتوجه إلى الرياض لحصد دعم منها في حربه ضد الحوثي ضمن منطق "محاربة المد الإيراني".

من جهته، تعامل اللواء علي محسن الأحمر، وفقاً لاتهامات خصومه، مع الحرب باعتبارها فرصة لتقوية الفرقة وزيادة تسليحها، وليس إضعافها كما يهدف صالح، على الرغم من كونه دخل الحرب بواقع اختصاصه المكاني كقائد للمنطقة الشمالية الغربية، ومن ضمنها صعدة.

وشهدت صعدة ست حروب خلال ست سنوات، تعرض خلالها اللواء علي محسن الأحمر لأكثر من محاولة اغتيال ليس من قبل الحوثيين بل بنيران صديقة، إحداها تم الكشف عنها عبر وثائق "ويكيليكس" التي تحدثت أيضاً، عن علاقة تربط محسن بعمليات تهريب الديزل المدعوم حكومياً.

علي محسن الأحمر وثورة التغيير

جرت إدارة حروب صعدة من قبل صالح، بطريقة توصف بالعبثية، وراح ضحيتها الآلاف من أبناء اليمن، ونزح وتشرد بسببها عشرات الآلاف. ومنذ ذاك الوقت، بدا واضحاً أن نظام صالح يقود البلاد إلى المجهول، وأنه يتآكل، وأن التمردات والانقسامات والفساد والتردي الاقتصادي والإقصاء السياسي، ومستلزمات التوريث تنهشه من كل اتجاه.

ربما كانت موجة الربيع العربي تستدعي من صالح لملمة صفوفه وإشراك بعض رفاقه، وعلى رأسهم علي محسن الأحمر، في تدبير مخارج تضمن نجاة نظامه من عواصف الربيع العاتية. قد يكون صالح فكر بأمر كهذا، وربما توقع علي محسن الأحمر خطوة تقاربية يقوم بها صالح، لكن ما حدث هو أن أبناء صالح أصروا على عدم التقارب مع رفيق أبيهم.

وليلة مجزرة جمعة الكرامة، 18 مارس/آذار 2011 التي حصدت عشرات الأرواح من الشباب الثائر ضد صالح، اجتمع مجلس العائلة بحضور علي محسن الأحمر. وسمع الأخير من أحد أبناء صالح اتهاماً له بالتهاون. ولم يدافع صالح عن رفيقه، الذي تمت مطالبته بتحديد موقف واضح من الثورة الشبابية. وما إن حل يوم 21 مارس/آذار، حتى أعلن محسن مع قادة عسكريين، انشقاقهم عن صالح وتأييدهم مطلب رحيله.

وبانضمام علي محسن لثورة الشباب انشق مئات القادة العسكريين والمسؤولين الحكوميين من حزب صالح، وأعلنوا انضمامهم للثورة.

وبعد تعرض صالح وكبار معاونيه لحادث تفجير مسجد الرئاسة (3 يونيو/حزيران 2011) توقع الكثيرون في اليمن نشوب مواجهة مفتوحة بين قوات صالح وقوات علي محسن الأحمر، بعد اتهام الأخير من بعض قيادات حزب صالح بالتورط في حادث التفجير. لكن المواجهة بينهما لم تنشب. وقلّ نصيب محسن من اتهامات إعلام صالح له بالتورط في الحادث مع مرور الأيام.

ويرى مراقبون أن معرفة صالح بعدم تورط محسن في الحادث (الذي لا يزال قيد التحقيق)، كانت سبباً إضافياً (إلى جانب ضغوط ساحات الثورة والأطراف الدولية)، في دفع صالح للتوقيع على التنحي في العاصمة السعودية، الرياض في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، وفق المبادرة الخليجية.

ثمة لقاء وحيد جمع الرجلين (صالح ومحسن) بعد انضمام الأخير إلى الثورة، وذلك في منزل النائب حينها، عبدربه منصور، بحضور السفير الأميركي في ذلك الحين، جيرالد فايرستاين.

تفاجأ صالح، يومها، بقبول علي محسن الأحمر عرضه ترك السلطة مقابل مغادرة كليهما البلد. وما لبث صالح أن تراجع عن عرضه، في حين عدّت موافقة الأحمر في نظر المتابعين بأنها دليل على أن غايته من الانضمام للثورة إزاحة صالح، حتى لو كلفه ذلك منصبه وامتيازاته، وليس الحلول محله. وهو ما أثبتته الأيام حينما انصاع علي محسن الأحمر لقرار عزله من قيادة الفرقة أولى مدرع والمنطقة الشمالية الغربية في10 أبريل/نيسان 2013. عزل قابله تعيينه من قبل الرئيس اليمني، مستشاراً له لشؤون الدفاع والأمن، إذ كان لا بد لهادي من محاولة احتواء علي محسن والتعامل معه.

علي محسن الأحمر وهادي

كان هادي ضمن قرابة 30 ألف جنوبي نزحوا مع الرئيس الأسبق علي ناصر محمد إلى الشمال ضمن تبعات أحداث 13 يناير 1986 الدامية في عدن، عندما اقتتل أعضاء الحزب الاشتراكي (الحزب الحاكم في الجنوب).

كان علي محسن الأحمر، هو المسؤول عن ملف استقبال العسكريين الجنوبيين النازحين من عدن، ما وطد علاقة خاصة بين علي محسن الأحمر وهادي. وكانا يقومان معاً ببعض السفريات ذات الطابع العسكري إلى خارج اليمن. وشاع لدى الأوساط السياسية في اليمن، أن علي محسن الأحمر هو من رشح هادي وزيراً للدفاع أثناء حرب 94، ثم نائباً للرئيس.

كما هو معلوم أيضاً، فإن أبرز من أعلنوا انشقاقهم مع علي محسن، كانوا من القادة العسكريين والأمنيين المحسوبين على هادي، (الوزيران السابقان علي عليوة وحسين عرب)، ما يعني أن تنسيقاً من نوع ما جرى بين محسن وجماعة هادي أثناء الثورة.

كان بعض المقربين من اللواء علي محسن الأحمر، لا يتوقعون أن هادي سيُعامل الجنرال المنشق، كما يُعامل أحمد علي (نجل صالح وقائد الحرس الجمهوري سابقاً). لكن هادي قام بعزل محسن وأحمد بقرار واحد، فانتقل كل منهما، على مضض، إلى منصبه الجديد: علي محسن الأحمر مستشاراً، وأحمد علي سفيراً في الإمارات.

وقبلها كان وزير الدفاع محمد ناصر أحمد، قد هيأ لتحجيم علي محسن الأحمر، عبر العديد من الإجراءات، منها تقليص العديد من الاعتمادات المالية المخصصة للفرقة أولى مدرع، وهو ما لم يقم به صالح حتى بعد انضمام علي محسن الأحمر للثورة ضده.

والمعروف أن الأخير كان يخصص جزءاً من هذه الاعتمادات كمرتبات شهرية للمئات من المشائخ والشخصيات العامة التي تدين له بالولاء، لكن ذلك كله انتهى قبل عزله من قيادة الفرقة.

مع ذلك، لا يمكن القول، إن دوره بالقرب من هادي قد ضعف، إلى الحد الذي وصل إليه ضعف صالح أو نجله أحمد، إذ بقي علي محسن الأحمر مستشاراً للرئيس هادي، وخصص له مكتبا في "القصر الجمهوري".

وهو، على الأقل، لايزال مسؤولا في الدولة، في ظل اتهامات تلاحقه باستمرار لعبه دوراً سلبياً، وخصوصاً في ظل محاولته الإبقاء على نفوذه داخل الفرقة أولى مدرع.

وتضمن قرار عزل علي محسن الأحمر، تحويل مقر الفرقة الأولى مدرع إلى حديقة "21 مارس" (تاريخ انضمام علي محسن الأحمر للثورة)، لكن القرار لم يطبق إلى الآن على الرغم من وعود بتسليمها خلال أيام.

تشير الاتهامات الى أن علي محسن الأحمر لا يزال يمانع تسليم مقر الفرقة ويوعز لقيادتها الحالية برفض التسليم، فيما يؤكد مقربون منه أن الأمر خاضع لشيء واحد فقط، وهو تقديرات الرئيس هادي نفسه، الذي لن يؤخره شيء إزاء تحويل مقر الفرقة إلى حديقة، حالما أراد ذلك.

وتتزايد الاتهامات لعلي محسن الأحمر بأنه لديه جشعاً في الاستيلاء على الأراضي في الشمال والجنوب، وتحديداً بعد حرب إعادة فرض الوحدة بالقوة في عام 1994. ويواجه علي محسن الأحمر، هذه الاتهامات، بتكراره أن أي شخص يثبت أن له عند محسن شيء فليأخذه. وعُرف عن علي محسن الأحمر منح أراض عديدة لقادة عسكريين وشخصيات سياسية واجتماعية، يقول مقربوه إنها تقع ضمن ما يسمى مرافق دولة (أراضي دولة)، جرت العادة أنها تحت تصرف قادة المعسكرات المجاورة لها.

كذلك يقول منتقدو علي محسن الأحمر، أنه هو من يؤخر القرارات القوية التي أعلن هادي أنه سيتخذها في حديثه أثناء اختتامه مؤتمر الحوار أواخر يناير/ كانون الثاني المنصرم، في حين تقول أوساط علي محسن الأحمر، إن ما كان يؤخر هادي ليس سوى انتظار صدور قرار عقوبات مجلس الأمن على معرقلي التسوية، باعتبار جل قرارات هادي المرتقبة، وفق هؤلاء، تستهدف محسوبين على صالح في الحكومة والأمن. إذ سيكون صالح حينها مشغولًا بدرء ما هو أخطر أي قرارات مجلس الأمن.

ماذا بقي من محسن؟

كثيرون في اليمن وخارجه، لا يزالون يعتقدون أن الرجلين، علي عبد الله صالح وعلي محسن الأحمر، ربما يديران الأمور أحدهما أو كليهما، وراء هادي، وهادي ليس سوى واجهة. وكثيرون لا يزالون يتوقعون دوراً مستقبلياً كبيراً لهذا أو ذاك. هذه التقديرات لا تحجب حقيقة أن العديد من الخيوط أفلتت من أيدي الرجلين اللذين يحاولان، اليوم، جاهدين، إخفاء كونهما ينطلقان الآن في أغلب تحركاتهما، من منطلق واحد وهو "محاولة الاكتفاء بهذا القدر الحاصل من الخسائر".

 

المساهمون