هادي برعي: قبيلة من الباحثين عن معنى

هادي برعي: قبيلة من الباحثين عن معنى

02 فبراير 2020
(من لوحات المعرض)
+ الخط -

تتحرّك الشخصيات فرادى وجماعات في حالة سكونية، ومجرّدة على نحو غرائبي، رجال ونساء بجمال هادئ كالتماثيل أو البشر المرسومين في جداريات بينما هم يعبرون إلى العالم الآخر. ذلك أوّل ما نلتقطه من لوحات الفنان المصري هادي برعي، غير أن كل شخصياته تحمل خاصية لافتة، إنها مغمضة العيون، لا يظهر عليها الحزن ولا السعادة، وكأنها معزولة عن المشاعر في رحلة طقوسية لا تعلن عنها اللوحات صراحة، غير أن حضورها محسوس في مجمل الأعمال.

في معرضه الحالي؛ "خلف أبواب السماء"، والمقام حالياً في غاليري "آرت توكس" في القاهرة، ويتواصل حتى السادس من شباط/ فبراير الجاري، لوحات من خامات مختلفة وعلى أسطح متنوّعة؛ هي في معظمها لوحات زيتية، غير أن بعضها أعمال أكريليك على خشب خام، وفقاً لما يذكر الفنان، في حديث إلى "العربي الجديد"، مضيفاً أنه بهذا المعرض يتابع سلسلة من ثلاثة معارض بدأها في العقد الأخير؛ وهي "حدود الأرض" (2014)، و"إلى شيء يعلمونه أو لا يعلمونه" (2016)، و"الأمل المترحل" (2018).

يقول برعي إن الشخصيات التي يرسمها "قبيلة تبحث في فكرة الوجود، وأعتبر نفسي منهم، فالبشر على الأرض هم في رحلة البحث عن معنى وجوهر الكون، وأنا أرصد هذه الرحلة بشكل بصري، حيث الإنسان فيها معظم الوقت وحيد ومنفرد".

يقف البشر في لوحات برعي في حالة حجرية، إنهم أشبه بمنحوتات، حيث نرى تلك الزوايا الحادة للوجوه والخطوط القاسية للجسد، ثمة حجر مع كل فرد تقريباً إما فوق رأسه أو أمامه أو على كتفه، أحجار خام مثقوبة من وسطها. يوضح برعي أنها "رموز أستعين بها لأبني العلاقة بالأصل والمرجعية؛ الأرض الأولى التي تكشفها الحجارة، فالإنسان لا يمتلك غير جسده، يأتي به ويرحل به".

بالنسبة إلى برعي، فإن مصادر إلهامه متعددة، منها القصص الدينية، كحكايات الخلق ووصف الجنة، والأساطير القديمة التي تتجلى في الرموز الشعبية للتراث المصري القديم، وإن كان برعي ينفي أن يكون له تأثير مباشر على عمله، بالرغم من أن عدداً من اللوحات يحمل شيئاً من روح الجدارية الطقوسية والخطوط المصرية القديمة، بل وحتى الرموز الفرعونية المألوفة كالقطة والسمكة، إضافة إلى الشعور الذي تلقيه ظلال الشخصيات على المتلقي من أنهم صفوة ما.

في عملين ضمّهما المعرض، ثمة امرأة تجلس في أرجوحة تبدو كأنها تحت تأثير التنويم المغناطيسي، في يدها صنارة، ولا نعرف ماذا اصطادت من حالة اللاوعي التي تسبح فيها. ثمة رجل في الحالة نفسها، في اللوحة الأخرى، يبدو أنه اصطاد سمكة من الفراغ، وأنهما سيظلان معلقين هكذا إلى الأبد، هو في أرجوحته والسمكة في صنارتها.

التشابه مطلق بين أفراد قبيلة برعي هذه، ثمة عملية استنساخ بصرية متعمدة لهم نساء ورجالاً، كما لو أن الفنان يحاول بلوغ نسخة مثالية من هذا الفرد، أو أن هذا هو الشكل الرسمي الأخير للإنسان؛ هكذا هي الجبهة وهذا هو الأنف. غير أن ذلك لا يمنع أنه عمد إلى تمييز كل واحد منهم بشيء ما، لون الشعر الذي قد يكون أخضر أو بنفسجياً أو رمادياً، أو تلك القلادة التي خصّ بعضهم بها، أو الحجر المختلف الذي يميز كل واحد منهم عن الآخر.

يكترث الفنان، بوجه خاص، لوضع الذراعين، إذ تغلب على الأعمال وضعية الثبات، حيث الذراعان ملتصقان بالجذع العمودي المتصلب في انتظام يذكّرنا أيضاً بالتماثيل الفرعونية. وفي أعمال أقل، ترفع الشخصيات الأيدي عالياً، أتراها تستغيث أم تستسلم؟

في لوحات "خلف أبواب السماء"، يعتنق برعي تصوّراً بغية إنشاء آفاق تتخيل العالم المنتظر واللامرئي، تم تقديم كل كائن أو عنصر في مشهد من أكثر من زاوية، صور الأشخاص تظهر وجوههم وخصورهم وأطرافهم، بحيث توفر لمن يراها قصة بصرية بعناصرها المختلفة لرحلة الوجود والمعنى.

المساهمون