نيران التصنيف

نيران التصنيف

09 ابريل 2016
+ الخط -
أوقات الأزمات والانتقال من نظام إلى آخر، تظهر ظواهر مجتمعية خطيرة، إن لم يتداركها المجتمع في مهدها استفحلت، وهدّدت هذا المجتمع في بقائه ووحدته، ومن أخطر هذة الظواهر ظاهرة التصنيف.
المشكلة التي تظهر بمجرد زوال نظام وبدء نظام جديد هي أن أتباع كل فريق يحاولون التكتل ضد الفريق الآخر في كل اجتماع يجمع مجموعة من الناس، كالمواصلات العامة والأفراح وأماكن العمل، حتى دور العبادة لا تخلو من هذه الظاهرة.
إنك تجد أحدهم يفتح معك حواراً، ويستدرجك لتقول رأيك في الوضع الراهن، مثلا، فإذا خالفته، في رأيه، تجد التهمة جاهزة، وبطاقة التصنيف جاهزة، ليلصقها في وسط جبهتك بدبوس الاتهام، ولا مانع من بعض الألفاظ التي تدل على أنك شخص لا تحب وطنك، تريد أن تشيع فاحشة التفكير في الذين آمنوا بفكر الزعيم من وجهة نظره، أيا كان .
المشكلة أنك قد تجد الإعلام يساعد، بل ويشجع على اتباع الناس مثل هذة السياسة، فهو ينشر بين الناس ألفاظاً، كانوا يجهلون أنها موجودة بالأساس، ناهيك عن أن يعرفوا معناها مثل: طابور خامس، الانتماء الي الماسونية، حروب الجيل الرابع، إلخ.
كما قلنا إن هذه المشكلة تظهر في المجتمعات التي تتعرّض لهزة ما، أيا كانت درجة ثقافة هذا المجتمع، لكن أول من يسعر نار التصنيف في مجتمع هي الفئة المثقفة فيه، إما لولع المثقف بالتنظير، أو لرغبته في الانتقام من الطرف المخالف، والحلول محله، فتجده هو من يخترع المصطلحات التصنيفية الإتهامية، وهو لا يدري بذلك أنه بأول مصطلح يخرج من فيه يضرب بمعوله في أساس المجتمع، الذي يجب لكي يستمر أن يتوافق أطرافه على أنهم نسيج واحد، وإن اختلفت أطيافهم، لكن الفئة المثقفة هي أيضا أول من تصطلي بنار هذا التصنيف، لأن هذا التصنيف الذي قد يبدأ في صور ترف فكري، يتحول في الغالب إلى تطرف مقيت، تسفك على أثره الدماء .
إن أردت، مثلاً، يوضح ما سبق، لن تجد مثالا أقرب لك من ثورات الربيع العربي، وما أنتجته هذة الثورات التي كان من المفترض أن تبث فينا دماء الحياة والشباب، لكن أعداء هذة الثورات في كل الأنظمة انهالوا عليها بسلاح التصنيف الأسود، فانتكست في المعظم، وعادت الأنظمة القديمة بوجوه أكثر بشاعة، وبقلوب أشد سوادا علي شعوبها.
التصنيف الاتهامي سيء النية، حمّال الأوجه، هو السلاح الذي تم إشهاره في وجه ثوراتنا الطاهرة، التصنيف هو السلاح الذي شوّهوا به ثوراتنا أمام شعوبنا، فأصبحت شعوبنا كارهة للفظ الربيع العربي، والذي لم يقم إلا ليحررهم .
تونس، مصر، ليبيا، سورية، معظم هذة الدول فشلت ثوراتها أو كادت، لأن أعداء هذة الثورات نجحوا في حصر الثوار داخل تصنيفٍ بعينه، وجرّدوا هذة الثورات من شعبيتها، ونجحوا أيضاً في تأجيج الصراعات التصنيفية داخل المجتمع، فهذا سني وهذا شيعي، وهذا إخواني وهذا سلفي، وهذا ليبرالي وهذا علماني، المشكلة والمشكلة الكبيرة جدا تكمن في وجود شريحة كبيرة جدا من شعوبنا، لا تعرف الفرق بين معظم هذه التصنيفات، فأنت لو نزلت الشارع المصري، مثلا، وسألت مواطنا بسيطا: ما هو الفرق بين الشيعي والشيوعي؟ لن تجد جواباً، لكن، من السهل عليه، كما علمه الإعلام، أن يرمي الشخص الذي يكلمه بالتصنيف الذي تتم شيطنته، حسب مقتضي الحال؟
015049DB-96A2-4A1C-B7A9-AAAE061DD525
015049DB-96A2-4A1C-B7A9-AAAE061DD525
علي خيري (مصر)
علي خيري (مصر)