نوال السعداوي: الشجاعة في مرآة عاكسة

نوال السعداوي: الشجاعة في مرآة عاكسة

18 نوفمبر 2015
(تصوير: مروان نعماني)
+ الخط -

كجزء من فعاليات توقيعها على نسخ جديدة لكتبها "امرأة عند نقطة الصفر"، و"الوجه الخفي لحواء"، و"الآلهة تموت على النيل"، قامت الكاتبة المصرية، نوال السعداوي (1930)، بتلبية دعوة مؤسسة "من أجل الكتب" وزارت مقر "نادي الكتاب" في لندن.

في لقاء مفتوح، تحدّثت السعداوي عن تجربتها الأدبية والإنسانية. ترفض الكاتبة المصرية إحالة شجاعتها إلى امتياز فردي أو موهبة خاصة، بل إنها تتحدث عن الشجاعة كعملية تراكمية في صراع الإنسان الأبدي مع مخاوفه، يكتسب مع كل معركة فيها الثقة بقدرته على مواجهة الصعاب والتحدّيات. فالشجاعة، بحسبها، ليست صفة أصيلة في الإنسان، لكنه قادر على اكتسابها مع مرور الوقت.

تقول السعداوي: "نحن نولد مع الخوف ونعيش فيه ونموت منه، وقلة من يصلون إلى التحرّر من الخوف، وهم أولئك الذين فقدوا شعورهم بالتملّك وترفّعوا عن رغباتهم وسَوَّفوا حاجاتهم". وتضيف "المتحرّرون هم أولئك الذين لا يريدون شيئاً، ولا يخافون شيئاً، ولا يأملون في شيء".

في سياق حديثها عن الشجاعة، تستحضر السعداوي شخصية فردوس، بطلة روايتها "امرأة عند نقطة الصفر"، والتي تقول عنها إنها أشجع وأشرف امرأة قابلتْها في حياتها. تذكر هنا الساعات الطويلة التي قضتها على أرضية زنزانة فردوس لتستمع إلى الجانب الخفي من قصتها، التي لم تفكّر بالبوح به إلى أحد غيرها، فالعالم لا يكترث بشيء سوى الأحكام المسبقة والتصنيفات الجاهزة والآراء المعلّبة، إلى أن يأتي من يقودنا إلى البوح بصدق.

روت السعداوي أنها كانت تشعر أن تلك المرأة تمثِّلها وتشبهها إلى حد كبير، وهو ما مكّنها من أن تطوّر مأساتها من مأساة شخصية إلى حالة يمكن أن يشاركها آلامها القرّاء، رغم اختلافاتهم عن بيئتها وقضيّتها. تسمّي السعداوي هذا بـ "القدرة على سبر أغوار النفس البشرية"، وهي ترى أنه من لوازم اجتراح الأدب، مضيفة أن تجربتها الأدبية صُقِلَت وتبلورتْ مع دراستها للطب ثم ممارستها له.

فرؤية جسد الإنسان ومعرفته من الداخل تمدّ جسراً إلى مغاور النفس وتفتح كُوّات في مجهول الروح، كما تقول. هكذا استطاعتْ أن تجد الحلقة المفقودة التي تربط بين العقل والجسم البشري وبين النفس البشرية، وهكذا أثرَت تجربة الطبيبة خيال الكاتبة ولقحّتْ خبرة الإنسانة وأكسَتْها ثوب الحكمة.

ترى السعداوي أن "حكمة" الكاتبة لا تتعارض مع جنونها ولا تتنافى مع تمرّدها، وهما بُعدان وُلِدَا معها وأخذتْهما إلى مدرستها فكانا سبباً في أن تقول لها مُدرّستها ذات يوم بأنها ستُحرَق في نار جهنم. تروي صاحبة "الوجه العاري للمرأة العربية" أنها عادتْ إلى البيت باكية تشكو لأمها بؤس مصيرها الأخروي، فإذا بأمها تُطمئنها وتقول إنه لا شيء هناك اسمه جهنم بالشكل الذي يتحدّثون به في المدرسة.

تقول السعداوي إن تلك الحادثة كانت بداية تحرّرها من خوفها وإمساكها بخيط المواجهة، التي أَسّسَت للعملية التراكمية التي أكسبَتها الشجاعة اللازمة لأن تكون كائناً مستقلاً وحُرّاً. وكان سَرْدُ هذه القصة إشارة لأهمية التربية الأسريّة في تشكيل الوعي الفردي في محاولة غير مباشرة للتفريق بين التعليم والوعي.

وبالرغم من أن السعداوي تقول إننا نتاج التعليم الذي نتلقّاه في حياتنا، إلا أن ما تؤكد عليه هو أننا نتاج ردود أفعالنا وطريقة تعاملنا مع ذلك التعليم، فإما أن نقرّر أن ننطوي تحت جناحه، وإما أن نقرّر أن نتمرّد عليه ونتجَاوَزه. وهكذا نحدّد الوِجهة التي نريد أن نكمل عليها طريق حياتنا. لهذا لم يكن غريباً أن تبتكر السعداوي مادة جامعية حول علاقة الإبداع بالتمرُّد ظلّت تدرّسها في جامعة يورك الأميركية لسنوات.

ولأن السعداوي قررت تجاوز النظام التعليمي الموجود في مصر، ولأنها مارست حقها في التفكير والتعبير عن وجودها وهواجسها ولم ترضخ لأي نظام، فقد قامت بِنَشْر مجلة نسوية كانت السبب في اعتقالها في الثمانينيات في فترة الرئيس أنور السادات.

وبالرغم من أنها اضطُرّت إلى ترك مصر في 1988 بعد تلقيّها تهديدات بالقتل من قبل أصوليين، إلا إنها لم تقع فريسة الخوف، بل ظلّتْ تصارعه إلى أن قَتلَتْه كما تقول، توضّح أنها قَتَلَتْه بمواجهته والتحديق في عينيه، فقررت العودة إلى مصر في 1996. وهكذا تقول السعداوي إنها لم تعد تخاف من شيء حتى الموت ذاته، وتكشف أنها بادرت بالنزول إلى ميدان التحرير والانضمام إلى شباب ثورة 2011.

حينما تتحدّث صاحبة "المرأة والجنس" عن صراع الإنسان مع الخوف، فإنها تتحرّر من كل القوالب الجِندريّة والإيديولوجية التي يضعها الكثير تحتها، وتشدّد على أنه، وإن كان صراعاً شخصياً، فهذا لا يمنع كونه صراعاً عاماً.

وتعريجاً على صراع الإنسان الحديث مع ترسانة الرأسمالية، فإن السعداوي تؤكد أنه صراع مشترك بين كل المجتمعات، كما أنها ترفض استخدام تعبير صراع أو نضال محلي، لأن كل ما هو محلّي هو عالمي. كذلك هي ترفض تقسيم العالم إلى أول وثان وثالث، فـ "العالم هو العالم" على حد قولها.

دلالات

المساهمون