"أطول فترة عقوبة في البرازيل هي 30 سنة. أعتقد أنه تمت معاقبتي 13 سنة زيادة". يقول مواسير باربوسا ناسيمينتو هذا الكلام، أثناء حديث سابق، قبل أن يمضي سبع سنوات أخرى في "السجن" ـ حتى وفاته سنة 2000 عن سن يناهز 79 عاماً، دون أن يُشفى الجرح الذي ظلّ مشتعلاً منذ أكثر من ستين سنة، حينما فازت الأوروجواي على البرازيل في عقر دارها وفازت بالمونديال نتيجة خطأ باربوسا، حارس السيلساو في تلك الآونة.
وبعد سحق الألمان لراقصي السامبا بالسبعة على أرضهم ووسط جماهيرهم، فإن الشعب البرازيلي ليس في حاجة إلى باربوسا جديد، لأن السقوط هذه المرة مرير وعميق للغاية، ليس بهدف أو اثنين، بل بسبعة أهداف كاملة، في ليلة من ليالي ألف ليلة للألمان، ولحظات من الحزن والانكسار للشعب الذي عاش على سيرة كرة القدم من بداية تاريخ اللعبة وحتى اليوم.
الكرات الثابتة
تطل العرضيات من جديد وتُظهر الكرات الثابتة وجهها القوي مرة أخرى. فازت البرازيل على كولومبيا بركنية وتسديدة، وصعدت ألمانيا على حساب فرنسا برأسية هومليز، وتوماس موللر يتقمّص شخصية الغازي الألماني في نصف النهائي ويضع لمسته القاتلة في الدقائق الأولى ليضع فريقه في المقدمة ويجعل الفريق البرازيلي في موقف لا يُحسد عليه طوال المباراة.
غياب تياجو سيلفا، قاتل. الكابتن له ثقل تكتيكي غير عادي. المدافع في الكرة الحديثة لا يتم الحكم عليه وفقاً لقطعه للكرات أو تسجيله للأهداف، بل كيفية تمركزه داخل الملعب. سيلفا يملك هذه الميزة، ولويز بعيد كل البعد عنها، إنه مدافع لا يهاب، جريء وشجاع، لكنه قليل الحيلة في المواقف الصعبة، وتمركزه كارثي إلى أقصى درجة. ومع وجود دانتي بجواره، زادت الأمور سوءاً لتحتل ألمانيا منطقة الجزاء وما حولها بالطول والعرض.
المساحات
بحثت البرازيل عن الكرة بينما آمنت ألمانيا بأن سر النجاح هو في كيفية التحكّم بالمساحات داخل الملعب. ميلان القديم نجح بسبب ذلك، ووضع لاعبوه أسماءهم بحروف من نور في سجلات كتب اللعبة. ساكي كان بعيد النظر، قوي الرؤية، وحاد البصيرة. اكتشف أن المستقبل للتنوّع والعولمة في اللعبة، اللاعب القادر على التعامل مع الكرة دون أن يراها. حرية التمركز والتحرك بدون كرة. إن كرة القدم المقبلة ستكون للاعبين القادرين على التكيّف مع أي ظروف طارئة.
لوف وضع لاعبيه داخل أرض الملعب وأمرهم بالبحث عن المساحة الفارغة واستغلالها وصنع الخطورة من خلالها. مارسيلو يهاجم وكأنه يلعب في دورة رمضانية، وفرناندينيو وجوستافو، ثنائي لا يجيد التحكّم بالكرة أو التمرير، لذلك كان "الذبح" الألماني عن طريق استغلال المساحات أسفل الأطراف وبين الخطوط، مع الضغط على ارتكاز السيلساو ومنعه من التصرف بالكرة، لذلك جاءت الخطورة كاملة داخل المنطقة الحمراء، بين الوسط ورباعي الدفاع.
التجربة الألمانية
الفريق الألماني استفاد كثيراً من قوة أكاديميات الناشيئن في البلاد وتصعيد مجموعة مميّزة من الأسماء القادرة على صنع الفارق ولعب دور البطولة في المواجهات المصيرية، توماس موللر يواصل التألق، كروس وشورليه من مفاجآت البطولة السارة، بالإضافة إلى النضج والخبرة التي يتمتع بها الثنائي فيليب لام وباستين شفاينشتايجر. سيناريو المباراة يؤكد أن المانشافت قرأ المجريات جيداً منذ عدة أيام، بينما البرازيل فشلت تماماً داخل الملعب وخارجه.
جانب التمرير والتحرك بدون كرة أصبح عنصراً رئيسياً، تجربة جوارديولا مع بايرن أتت بثمارها أيضاً. ليس الكل في الكل، كما يعتقد البعض، لكن التأثير ظاهر داخل الملعب خصوصاً في بعض الجمل الفنية والتمريرات القصيرة بين اللاعبين في الثلث الهجومي الأخير. ألمانيا تسجل أكثر من هدف داخل منطقة الجزاء، وهذا يدل على نمو الناحية التقنية بشدة داخل الفريق.
سكولاري هو الخاسر
ليست مجموعة اللاعبين هي السبب، صحيح غياب نيمار كان قاسياً، إنه النجم الشاب والرقم 1 في السيلساو، كذلك القائد سيلفا، لكن المدرب فيليبي وضع استراتيجية سيئة للغاية طوال البطولة. نسف أهمية التمركز بالوسط ووضع كل خطته على إمكانيات دا سيلفا وتحويل الفريق البرازيلي إلى مجموعة بدنية تضرب وتدخل بعنف وتلعب كرات في الهواء. ما يُميّز البرازيل تاريخياً هو السحر، المتعة الكروية البديعة.
ومع المدرب الحالي، لا وجود للمنتصف، تمريرات قليلة، لعب فني منعدم، وعشوائية واضحة، مع أسلوب مباشر صريح في الجري بالكرة أو رميها إلى الهجوم من الدفاع. إنها لحظات صعبة ومريرة على الشعب البرازيلي، والعدو قبل الصديق تنتابه مشاعر تضامن تجاههم، لكن سكولاري لا يستحق، ونهايته عادلة تماماً، وما أروع العدل.