نهاية الزمان

نهاية الزمان

19 مارس 2020
+ الخط -
هل نعيش حقبة نهاية الزمان؟ قد يبدو السؤال غريبا بعض الشيء، بالنسبة لنا نحن المسلمين، فثمّة في كتب الفقه والحديث النبوي الشريف باب ثابت عن "أشراط الساعة" والعلامات الدالة على قرب آخر الزمان، ولعل أشهر المرويات في الأثر النبوي الشريف ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: "بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَة كَهَاتَيْن"، يعني إصبعين. ويبدو أن الأمر يتجاوز عقيدتنا، نحن المسلمين، إلى مجريات سياسية هامة في هذا العصر، وحال العالم بشكل عام، خصوصا في ظل تفشي مرض كورونا المتطور، وتحويل العالم إلى حالة غير مسبوقة من الذهول والذعر، وربما الخراب، مع ما ترافق من خسائر في أسواق المال، والهزّة الاقتصادية العنيفة التي أصابت الصين بعد تفشي المرض على أرضها، قبل أن يسبح منتشرا في غير بلد، ويكاد يوقف عجلة الحياة على الكرة الأرضية. ويكفي أن يشيع اليوم بين الناس أن سوقا أصيب فيه أحد ما بالمرض، حتى يتحول السوق إلى مكان تسكنه الأشباح. قد يمر وقت طويل أو قصير، الله أعلم، قبل أن يكتشف العلماء علاجا لهذا المرض اللعين، وحتى هذا الوقت ثمّة متسع من التحليل للقرائن والأحداث التي تدفع إلى طرح السؤال إياه: هل اقتربت نهاية العالم؟ 
بالنسبة للقوة الكبرى في هذا العالم، الولايات المتحدة الأميركية، السؤال هو في عين ما يجري فيها، أما كيف، فتلك حكاية يعلمها كل من قرأ أو سمع شيئا عن القوة الداعمة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، وسبب فوزه في انتخابات الرئاسة، وما تناسل عن هذا الفوز من قراراتٍ
دراماتيكية، ابتداء من اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقله سفارة بلاده إليها، وصولا إلى "صفقة القرن" أو خطة السلام التي قدّمها، هو وطاقمه، لحل مشكلة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ولا نقول حل الصراع العربي الإسرائيلي، فهو غير معني بحل الصراع، بل بتأجيجه وتقريبه إلى نقطة اللاعودة، استنادا إلى اعتقاد جماعته الانتخابية التي جاءت به رئيسا، وأعني بهذا الطائفة الإنجيلية التي تقول نبوءاتهم إن حدثا جللا سيحدث قريبا في هذا العالم، وهو "عودة المسيح لاستعادة أرض إسرائيل". بل أظهر استطلاع رأي حديث لمعهد بيو للأبحاث أن أغلبية الإنجيليين البيض (56٪) وتقريبا نصف البروتستانت السود (48٪) يقولون إن الله اختار ترامب أو أوباما (أو كليهما) لقيادة أميركا. ويشار هنا إلى أن ما حدث يوم افتتاح السفارة الأميركية في القدس تم بمباركة القس المعمداني، روبيرت جيفرس، هذه الخطوة، والدعاء للرئيس ترامب ومدح استقامته، والإشادة بدور إسرائيل في التزامها برسائل الأنبياء وأخلاق المسيح. أما "صفقة القرن" فكانت، كما وصفها الكاتب العبري، تسفي برئيل، في "هآرتس" على هذا النحو: "رؤية ترامب: سيادة إسرائيلية تستند إلى التوراة وليس إلى اتفاقات دولية".
المواقع الإخبارية مليئة بالمعلومات عن هذه الطائفة، وضبط إيقاع السياسة التي ينتهجها ترامب، مع دغدغة عواطف ناخبيه من هؤلاء، ومدى سيطرتهم على ذهنية طاقمه الرئاسي الذي ينتمي معظمه لهذه الطائفة، ويترافق هذا الاحتضان للمشروع الصهيوني مع نقمةٍ بلا حدود على الإسلام والمسلمين، تحت ستار الحديث عن ضرورة مقاومة الإسلام المتطرف، وهو تعبير تحايلي، يقصد منه الإسلام مباشرة، فلا يوجد في الإسلام تطرّف واعتدال، بل هو إسلام واحد. ولكن يتم اللجوء لهذا التعبير لتبرير حالة العداء المباشر للإسلام، بوصفه "الخطر" العتيد الوحيد والحقيقي، للتشويش على ما سواه من مشاريع تذهب بالبشرية إلى حافّة الهاوية. ومن هنا نفهم جيدا سبب التقاء ترامب وطاقمه مع كل من يناهض الفكر الإسلامي وأتباعه، في الهند وبريطانيا وحتى في شبه الجزيرة العربية، وبقية بلاد العرب والمسلمين.
وإذا تحللنا، ولو لأغراض البحث من رؤية المشهد بعيدا عن البعد العقائدي، يستقر في وجداننا 
منطقية السؤال عن قرب نهاية العالم فعلا، فما نشهده، بشكل شبه يومي، من أحداث جسام وغير مألوفة في غير بقعة، يشي بأننا نعيش أياما حافلة بالانقلابات الكونية، صحيا وعلميا وسياسيا وحتى اقتصاديا. تدل على هذا كمية الأخبار غير المألوفة التي ينتجها البشر هذه الأيام، على نحو مرعب، وكلها أو جلها تحمل سوادا قاتما عن كثرة الموت، وتنوع أساليب الإبادة والتفنن في إزهاق الأرواح. ولم تكن كل هذه الفواجع لتحدث لو لم تسيطر على مقدّرات الكرة الأرضية عصابة من تجار الموت والمهووسين دينيا وعقائديا، إنجيليين كانوا أو هندوسا، أو حتى متأسلمين يسعون إلى إثبات ولائهم لحماتهم من أميركان وغيرهم، ونظرة بانورامية لأصحاب القرار في نظامنا العربي الرسمي تؤكد أن الكل أو الجل يسعى إلى إرضاء السيد القابع في البيت الأبيض ويخطب وده، حتى لو اقتضى الأمر الدوس على أحلام شعوبهم وأجسادهم، ومصادرة حيواتهم وحرياتهم وحاضرهم ومستقبلهم، فالمهم البقاء على الكرسي، وتنفيذ أجندة الحامي والراعي الرسمي للنظام.
هل نحن قريبون من نهاية العالم فعلا؟ لا أدري. ما ندريه كلنا أن ثمة تسارعا عجائبيا في الأحداث على غير صعيد، يقرب فعلا من واقعية هذا الاعتقاد، مع ازدياد حجم حكام العالم من المجانين والمهووسين دينيا وسياسيا. ولا تغير مسار هذا الانحدار غير الأخلاقي إلا صحوة مفاجئة للمارد الإسلامي الذي يعملون بجد على قتله أو بالحد الأدنى إدامة نومه، لأنهم على ثقة أن ميزان العدل على هذه الأرض لا يعدله غير هذا الدين.