نموذج العقاد في دراما أسامة أنور عكاشة

نموذج العقاد في دراما أسامة أنور عكاشة

06 اغسطس 2019
+ الخط -
من نظرة قريبة ومتابعة لأعمال الروائي والسيناريست أسامة أنور عكاشة، مثلما كانت الحارة هي المكان الأبرز والأهم في روايات نجيب محفوظ، كانت هي المكان الموجود دائماً في دراما عكاشة مع إضافة البعد الناصري، والهجوم على رجال أعمال نظام السادات، والنظام الاقتصادي الاستهلاكي في مضمونه، وما صحبه من تغيرات مفصلية وجوهرية في الشخصية المصرية.

لكن كان هناك في الخفاء نموذج "عباس محمود العقاد"، الشخص البسيط الذي ثقف نفسه بنفسه، واطلع على أمهات الكتب، ومدارس الفلسفة المختلفة. ظهر النموذج بطرق مختلفة في أعماله التلفزيونية، بعضها كان منطقياً إلى حد ما والبعض الآخر اتسم بالمبالغة الفجة والغير منطقية، وأقصد بالمبالغة هنا الجمل الحوارية التي استخدمها.

في مسلسل "الشهد والدموع" كان هناك نموذجان، "عبودة" الذي لعبها الفنان الراحل سيد عبد الكريم، و"عبد البديع" الذي لعبه الراحل نبيل الدسوقي. الأول كان نموذجا للمبالغة والتحول الشديد من أقصى مراحل التغيب والضياع للوطنية الشديدة والتضحية في سبيل الوطن حتى أنه فقد ذراعه. أما النموذج الثاني فكان أكثر منطقية، للموظف الذي يعود لبيته مع كيس الفاكهة والجرائد، التي يتابع بها الأحداث السياسية ويحللها لشقيق زوجته الشاب الصغير.

في مسلسل "أرابيسك" كان العقاد هنا هو "الأستاذ وفائي" الذي لعبه حسن حسني، كان مثقفاً بحكم عمله في وزارة الثقافة مع الاحتفاظ بكونها ليست قاعدة، لكن استوقفني مشهد واحد مع "نادية رشاد" "د. ممتاز" أستاذ اللغات في إحدى الجامعات الأميركية، وهو يعطيها درساً في أسس البحث العلمي التي تناستها عمداً، وهو ما أجده مبالغة نظراً لخصوصية أدوات وخطوات البحث العلمي، والتي يدركها المتخصصون والعلماء أكثر من عموم المثقفين.

تكرر الأمر مع حسن حسني مرة أخرى في مسلسل "أميرة في عابدين"، وظهرت ثقافته في حوار مصطنع على لسان ابنته "ريهام عبد الغفور"، وهي تقارن بينه وبين الأكاديمي كبير السن والذي تزوجته معتقدة أنه يشبه والدها "الترزي" وأصدقاءه! ليأتي النموذج الأكثر فجاجة في شخصية "صدقي الفواخري" لسيد عبد الكريم أيضاً، إذ لم يتم رسم الشخصية بشكل منطقي مع الأسف، صول سابق لديه مكتبة بها كتب متنوعة، لكبار الكتاب والفلاسفة ومن بينهم كافكا!

بين المنطقية والمبالغة وعودة لأرض الواقع، ربما قبل ثورة يناير 2011، لم أكن لأصدق وجود تلك النماذج بذلك الشكل الذي قدمه، وكانت لدي قناعة بأن نموذج "عبد البديع" في مسلسل "الشهد والدموع" هو الأكثر منطقية بينها جميعاً.

ولكن مع الانقلاب العسكري، وسقوط أقنعة أغلب من يطلق عليهم لقب نخبة ومثقفين، في المقابل كان هناك أناس عاديون بسطاء لم ينالوا قسطاً وافراً من التعليم، أو اطلعوا على كتب ومؤلفات، ولا توجد في منازلهم مكتبة، وإن وجدت فهي مكان للتلفزيون وبديل "للنيش"، أدركوا حقيقة الأوضاع، وأدركوا أنه انقلاب، وأدركوا أن القضية في خلفيتها صراع أيديولوجي لم يستطع الأكاديمي المثقف التعامل معها بشكل حضاري ديمقراطي سليم، فوضع ثقته ودعمه الكامل للدولة العسكرية.

انقلبوا على أفكارهم التحررية والتعددية ودعوات قبول الآخر، انقلبوا على تجارب البلاد الأخرى التي صدعوا رؤوسنا بها، عن قيمة الديمقراطية في التقدم بالدول والشعوب، فقط لعدم القدرة على مواجهة الفصيل الإسلامي داخل الصندوق في الوقت الحالي.

الاستعجال كان سيد الموقف، لم تكن لديهم الرغبة في التعامل مع عنصر الوقت لكسب الشعبية والأرضية والاستعداد لخوض الانتخابات اللاحقة. ليست هذه خطيئتهم الوحيدة ولكن الخطأ الأكبر كان وما زال هو القناعة التي يملكونها، في كونهم الوحيدين أصحاب الحق في القيادة والزعامة وتولي المناصب.

5561B2C3-AF42-4F3D-B8F3-FF483E70F8EC
صفية عامر

مهتمة بالشأن العام المصري والعربي والإسلامي. عاشقة للدراما التليفزيونية والسينما والنقد الفني، عاشقة لمرحلة كلاسيكيات السينما والأبيض والأسود. أهوى الشعر.