نموت ليحيا الزعيم

نموت ليحيا الزعيم

16 مايو 2014
فقراء يسوّقون لسياسيين من أثرى الأثرياء (رمزي حيدر/فرانس برس/GETTY)
+ الخط -

 

في كل مرّة تتعرض فئة معينة من اللبنانيين الى ظلم، ترتفع الصرخات ضد "النظام" اللبناني. وتبدأ عملية توجيه الاتهامات واستخدام كلمات كبيرة توصّف الأزمة: "إنه النظام الطائفي"، "السبب هو السلطة الفاسدة"، "نتـّهم زعماء الميليشيات"، "كلهم ضد مصالح المواطنين"... وبعد أن تنتهي القضية بوعود من الزعيم، تصمت الأفواه، ويعود كل فرد الى عشيرته المذهبية أو السياسية... وصولاً إلى الانتخابات النيابية، حيث ينتخب اللبنانيون مجدداً الزعماء أنفسهم، والنواب أنفسهم الذين يرشحهم الزعماء.

ولمزيد من التوضيح، اللبنانيون منقسمون الى ملل مذهبية وسياسية. لذلك، حين ترتفع الأسعار مثلاً، أو تزيد ساعات تقنين الكهرباء، قليل جداً ما يتوحد اللبنانيون تحت مطلب تشديد الرقابة على أرباح التجار، أو رفع ساعات التغذية الكهربائية.

فـ "جماعة" 8 آذار (قوى ما يسمى بالممانعة) يشتمون وزراء ونواب 14 آذار (قوى ما يسمى بالاعتدال)، والعكس صحيح، وتدور الاتهامات المتبادلة حول مسبب ارتفاع الأسعار أو زيادة التقنين. وذلك، على الرغم من أن البرلمان اللبناني يضم غالبية الأحزاب، والقرارات المتخذة في البرلمان كما في الحكومة لا تسير سوى بـ "التوافق"، أي بموافقة كلا الطرفين المتناحرين.

ورغم الارتفاعات الحادة في مستويات البطالة (وصلت الى 30%)، والفقر الذي يضرب أكثر من ثلثي اللبنانيين، إلا أن الولاء للزعيم لا يزال أقوى من المطلب الاجتماعي، نظراً لنشوء شبكة صلبة جداً من المصالح، التي أصبحت بفعل الزمن كالأمر الواقع، الذي يربط الناس بزعمائهم، ليتحول هؤلاء شيئاً فشيئاً إلى قديسين يُمنع المساس بهم أو اتهامهم بالسرقة أو الفساد. فلنحاول اكتشاف السبب:

1-  يولد المواطن اللبناني مديوناً بقيمة 13 ألف دولار، وذلك بسبب ارتفاع حجم الدين العام اللبناني الى ما يوازي الـ 70 مليار دولار. وسبب ارتفاع الدين الى هذا المستوى، وفق عدد كبير من الأبحاث، يعود الى أن هذا الدَّيْن بغالبيته داخلي، اي أن الدولة اللبنانية مدينة للمصارف، التي استفادت من ارتفاع ضخم في الفائدة على سندات الخزينة لتحقق أرباحها وسطوتها الاقتصادية.

في المقابل، فإن غالبية الشعب اللبناني مرهون الى المصارف عبر القروض. فمستوى الرواتب الضئيل جداً، في مقارنة مع التضخم المرتفع جداً، يجعل من القدرة الشرائية في حضيض الحضيض، مما يجعل من المصرف فرداً إضافياً من العائلة، لكنه فرد انتهازي يحصّل فوائد ضخمة من القروض، التي لا يمكن العيش من دونها.

 

2-  بعد أن يولد الطفل المديون في المستشفى، ينفق عليه أهله آلاف الدولارات نتيجة غياب التغطية الصحية الشاملة. إلا أن الفقير يذهب الى زعيم المذهب ليحصل على دعمه. والدعم ههنا ليس مادياً، إذ يقوم الزعيم بالاتصال بوزارة الصحة ويحصل على موافقة لإجراء عملية الولادة، التي يتم دفع نفقاتها من جيب كل اللبنانيين. وفي المقابل يصبح الأهل، كما المولود، رهن إشارة الزعيم، في الانتخابات كما في الحروب الصغيرة والكبيرة.

 

3-  يدخل الطفل الى المدرسة التابعة للمذهب الفلاني، والتي تصف نفسها بأنها مجانية، إلا أن المدارس التي تسمى بالمجانية، وشبه المجانية، تتقاضى ملايين الدولارات من وزارة الشؤون الاجتماعية، أي من الموازنة العامة للبلاد، أي من جيب المواطنين كلهم. وبالنتيجة، ينشأ الطالب على طاعة المذهب، أو الحزب منذ نعومة أظافره، نتيجة الرتبية المذهبية الفئوية.

 

4-  ينتقل الطالب الى الجامعة، إن أراد الدخول الى الجامعة الرسمية اللبنانية، حينها عليه، في غالبية الكليات، الحصول على "واسطة" أو دعم جهة حزبية، لكي يستطيع اجتياز امتحان الدخول، وقلة يدخلون بلا دعم، ولكنهم يكونون محط أنظار الأحزاب العاملة في الجامعة التي تحاول تجنيدهم بشتى الطرق.

 

أما اذا أراد الدخول الى جامعة خاصة، فسيجد جامعات أنشأها زعماء المذاهب، حيث سيدفع لها آلاف الدولارات ليحصّل تعليمه، أو سيكون مضطراً إلى الارتهان لهذه الجهة الحزبية، أو تلك،  من أجل الحصول على منحة تعليمية تؤهله لتلقي تعليم جامعي خاص.

 

5-  وبعد أن يتخرج الطالب من جامعته، يدخل، اذا كان "مدعوماً" جداً من الحزب أو الزعيم المذهبي، بسهولة الى القطاع العام ليحصل على أجر زهيد ولكن ضمانة أبدية لاستمرارية عمله، وتغطية صحية وخدمات اجتماعية أخرى.

أما إذا كان أقل دعماً، أو لا يمتلك دعماً بالمطلق، حينها لا يجد أمامه سوى الهجرة.

 

6-  يهاجر اللبناني، ويرسل تحويلاته المالية الى أهله، ليتحول انتاجه الى ماكينة تموّل استمرار النمط الاستهلاكي القائم في لبنان، وتضمن استمرارية النظام الأخطبوطي السائد، وديمومة بقاء الزعيم إلى حين مماته.

 

 

 

 

 

 

المساهمون