نكبة السياسة الفلسطينية تكرس نكبة 48

نكبة السياسة الفلسطينية تكرس نكبة 48

القدس المحتلة

نضال محمد وتد

نضال محمد وتد
15 مايو 2016
+ الخط -


68 عاماً على نكبة فلسطين التاريخية، والنكبة مستمرة بأشكال جديدة، وفصول أشد خطراً على فلسطين، أبرزها نكبة السياسة الفلسطينية، أو ربما الأصح نكبة الشعب الفلسطيني بقيادته السياسية الحالية، التي تقبض على مقاليد الأمور في الأراضي المحتلة، بشقيها. في الضفة الغربية المحتلة، حيث لا يحمل المشهد الفلسطيني وكواليسه السياسية، مشروعاً فلسطينياً تحريرياً بقدر ما بات مشروع تنسيق أمني، يكرس الوضع القائم (مزيداً من الاحتلال والاستيطان والعنجهية وجرائم الإعدامات الميدانية) وخوفاً من التغيير الثوري المقاوم لإعادة فلسطين إلى بوصلتها الأصلية. وفي قطاع غزة، حيث لا يمكن للفعل المقاوم في مواجهة الاحتلال، والصراع من أجل البقاء، أن يحقق هدفه وغايته ما دام شرط الوحدة والمصالحة والعمل من أجلها، لا يتصدر جدول الأعمال الفلسطيني، في القطاع.
هي نكبة فلسطين الجديدة في سياساتها القابضة على دفتها، سواء في رام الله أم في غزة، وفي اختفاء الفصائل ليبقى المشهد الفلسطيني موزعاً بين قطبين لا غير، "فتح" سلطة رام الله و"حماس" قطاع غزة. وتمارس سلطة رام الله القابضة على منظمة التحرير، لعبة الترغيب والترهيب تجاه الفصائل التي شكّل تاريخها ورصيدها الثوري، يوماً ما حرز أمان (تعويذة واقية من الانزلاق)، وفعل تحدٍّ أحبط في فترات تاريخية مختلفة انزلاقاً للهاوية، لكنه، أي فعل التحدي، بات غائباً.
وإذا كان لمشهد أو فعل أن يعكس حجم نكبة فلسطين المتواصلة، بنكبتها السياسية السائدة اليوم، فهو في تردي حالة الفصائل الفلسطينية، فصائل الثورة يوماً، إلى درك الاحتجاج ليس على القتل الممنهج وعمليات الإعدام الميدانية للاحتلال، ولا على التنسيق، وهو التعبير الفلسطيني لتخفيف وقع التعبير الإسرائيلي الاحتلالي لوصف تقديم الخدمات الجليلة للاحتلال ومن يقدمها بأنهم متعاونون، وإنما في رفع صوت الاحتجاج على قطع مخصصات فصيل ما من الصندوق القومي الفلسطيني، واحتجاز أمين عام فصيل فلسطيني في سجون أريحا، نزولاً عند طلب الاحتلال.
وتحل الذكرى الـ68 لنكبة فلسطين هذا العام، والشعب الفلسطيني يعيش نكبة جديدة، قوامها وقوف أعلى هيئة تمثيلية للشعب الفلسطيني، منظمة التحرير الفلسطينية، في موقف مناهض ومناقض لشروط تأسيسها وانطلاقها. فالمنظمة غائبة عن المشهد الثوري المنتفض في القدس المحتلة، والمقاوم في قطاع غزة، والمستكين تحت ضربات أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، في الضفة الغربية المحتلة، تنفيذاً للتقاسم الأمني مع قوة الاحتلال. هي حالة لم تشهدها الشعوب في القرن الأخير، حركة تحرر تحوّلت إلى سلطة تحت الاحتلال، تحتاج إلى تصاريح تنقل أقطابها من جيش الاحتلال، ولا ترى حرجاً ليس فقط بعدم الوقوف إلى جانب شعبها المنتفض، بل هي من تقوم بدور أساسي في ضرب مقاومته وانتفاضته.
هي نكبة جديدة تحل بفلسطين، بدأت فصولها بعد أن انقضى عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات، وتحوّل من أقسموا يمين الوفاء للثورة والتحرير إلى طبقة سياسية همها البقاء في الحكم، سواء كان لسلطة مشوهة في رام الله، أم لحكومة فعل مقاوم في غزة، وبينهما ضاعت صرخات القدس واستغاثتها.


بعد 68 عاماً على النكبة الأولى، يجد شعب فلسطين نفسه وكأنه عاد إلى المربع الأول، إلى الأيام الأولى التي أعقبت النكبة، لكن ألم النكبة الأولى صاحبه الغضب أيضاً. عام 1948 تحوّل شعب فلسطين إلى لاجئ مطرود من وطنه، وخضع نصف فلسطين لحكم المملكة الأردنية الهاشمية، وظل أبناء فلسطين الأولى، في اللد والرملة ويافا والجليل والمثلث والنقب، أيتاماً منسيين، لا أحد يذكرهم ولا أحد يلتفت إليهم، إلى أن قامت الثورة وتحديداً بعد النكسة وبعد أن سيطرت فصائل الفدائيين على مقاليد الأمور في منظمة التحرير، وحرروها من عبء التبعية لمحاور الدول العربية المختلفة، وأعادت منظمة التحرير لفلسطين هويتها واعتبارها، بأنها ستثأر لنفسها، فلا يمكن أن تعود فلسطين من دون أن يقود أبناؤها دفة معركة التحرير، ومن دون أن يكونوا رأس حربة هذه المعركة.
كان طريق منظمة التحرير، ومعها شعبها الفلسطيني طويلاً وشاقاً، تعثّر مرات ونجح مرات أخرى، لكن وعلى امتداد هذا التاريخ منذ العام 1969 مع ما شهده من ويلات ومحاولات تصفية لاسم فلسطين وقضيتها، ظل الحلم الفلسطيني والإرادة الفلسطينية حاضرين في العقل العربي والوجدان العربي وفي قلب كل فلسطيني. حلم العودة والتحرير كان ولا يزال حلماً أريقت من أجله دماء كثيرة، وقدّم الشعب الفلسطيني والشعوب العربية تضحيات كبيرة من أجله.
واليوم فإن الطبقة السياسية الحاكمة والقابضة على الأمور، غير قادرة، إذا أرادت، على مراجعة مسارها وطريقها، بانتظار الفتات الذي قد تجود به إسرائيل عليها، فيما تتوسع إسرائيل أكثر فأكثر في بناء مزيد من المستوطنات على الأرض، وفي كسر شوكة شعب وروحه المعنوية وروايته التاريخية والنضالية، وإلا ما معنى أن يباهي رئيس منظمة التحرير، رئيس السلطة الفلسطينية، بإرسال عناصر أمنه لتفتيش حقائب التلاميذ في المدارس، للوفاء بالتزامات التنسيق الأمني؟ وما معنى أن يشهد قطاع غزة في أقل من عقد من الزمن ثلاثة حروب، وحصاراً قاتلاً، فيما يتلكأ مندوبو فلسطين في التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية لتقديم المجرمين للعدالة؟
هي نكبة السياسة الفلسطينية التي تسكت على القتل والإعدام في القدس والأقصى، وفي رام الله والخليل وقلنديا، وتكتفي بالاستنكار، ثم تحتفي بلقاءات التنسيق الأمني، بل توجّه وفوداً رسمية للتعزية بموت رئيس الإدارة المدنية التي تسير سياسة الاحتلال في الأرض المحتلة. جنرال إسرائيلي يتلقى أهله التعزية من وفد رسمي للسلطة الفلسطينية، هل هناك إهانة أكبر من إهانة لشهداء فلسطين الذين قتلهم هذا الجنرال، أو جنوده، من أن يتلقى أهل الجنرال تعزية رسمية من أعلى سلطة تمثل الفلسطينيين؟
لكن نكبة النكبات وهي نكبة السياسة الفلسطينية التي سكتت أيضاً على ذبح وقتل أبناء فلسطين اللاجئين في اليرموك، وهي نكبة السياسة التي تضع يديها بأيدي نظام القمع والانقلاب في مصر، الذي يحاصر شعبها في قطاع غزة، ونكبة سياسة فلسطين التي عطلت في أوج العدوان الإسرائيلي على غزة قبل عامين، اتفاق وقف إطلاق نار يحفظ للمقاومة إنجازاتها.
ولكن النكبة الأشد بالنسبة لفلسطينيي الداخل، هي من نفس الجنس، فما لم تستطع إسرائيل تنفيذه من تطويع ومسخ للفلسطينيين في الداخل، تحاول السلطة الفلسطينية تنفيذه. فالسلطة الفلسطينية تحتضن وتشجع أصحاب التوجهات "المتأسرلة"، والتي تريد سقفاً إسرائيلياً للفلسطينيين، سواء عبر إقامة محطة تلفزيون جديدة، لاستمالة الصحافيين والكتاب، وبث برامج مشوّهة سقفها المساواة، وهو ما جعل السلطة تغيّر، بعد غضب إسرائيلي، اسم القناة من قناة "فلسطين 48" إلى قناة "المساواة"، وهي رسالة واضحة تقول للفلسطينيين في الداخل، أنتم لا تعدون كونكم مواطنين إسرائيليين، وإمعاناً في ذلك تنظم كل نشاطها باتجاه رسالة تريد تكريسها تفيد بأن جل وظيفتكم ودوركم يجب أن يكون لجهة تعزيز قوة الاعتدال في المجتمع الإسرائيلي.
ولا تمكن تبرئة ساحة الطبقة السياسية في الداخل الفلسطيني (وتحديداً التيار الشيوعي ومن يواليه من تيار انتهازي مؤيد له) من الترويج لهذه العدوى ونقلها لكواليس رام الله، لأنها تعشّش بين الفلسطينيين منذ سعت للاحتفاء بحجر الزاوية الذي رفضه البناؤون، لتبرئ سجلها التاريخي في الاعتراف بحق الصهيونية في فلسطين، وهي بحاجة لموقف حل الدولتين "كحجر" زاوية حتى لا تحاسب على تاريخها، من جهة، وكي تمارس كل أساليب التحريض ضد التيارين القومي والإسلامي، عبر إبراز "اعتدالها" امام إسرائيل ومجتمعها، ووفائها وتأييدها للشرعية الفلسطينية كدليل على سجلها ومكانتها.
وفي هذا السياق يمكن القول إن "القائمة المشتركة" لأحزاب عربية متحالفة مع الحزب الشيوعي الإسرائيلي، قد أضاعت فرصتها التاريخية في فضح إسرائيل الاحتلالية والعنصرية، خصوصاً أن ما يمكن لها أن تحققه برلمانياً، محدود للغاية، وبالتالي فإن دورها الأساسي كان في تسجيل الموقف الفلسطيني للداخل الفلسطيني ورفع صوت الفلسطينيين، وتثبيت هويتهم. وقد كان بمقدور هذه القائمة، ولا يزال هذا الخيار ممكناً، عملياً، أن تهز إسرائيل وتعريها كلياً، من خلال تقديم الاستقالة الجماعية، رداً على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو العنصرية في يوم الانتخابات، لأنه لا يمكن في ظل تنامي الفاشية والعنصرية في إسرائيل، إلى حد الاقتراب من أجواء سادت في ألمانيا النازية، حتى باعتراف نائب رئيس أركان جيش الاحتلال، الأسبوع الماضي، لا يمكن مواجهة نظام عنصري وفاشي، وهو ما يقر به أقطاب القائمة أنفسهم أيضاً، على مستوى التصريح على الأقل، من داخل البرلمان العنصري والفاشي.
العودة للشعب الفلسطيني، هي شرط أساسي للنهوض بالعمل الفلسطيني والسياسة الفلسطينية، وهي تتطلب خطوات "راديكالية". وهو المأمول في سياق فلسطينيي الداخل، من التيار القومي الذي لا يزال يحمل البوصلة الصحيحة، وكذلك الحال بالنسبة لتيار الحركة الإسلامية الشمالية بقيادة الشيخ رائد صلاح، مقابل تعويل باقي الحركات على اختراق المجتمع الإسرائيلي.
وفي السياق الفلسطيني العام، فإنه لا مفر من تفكيك بنية الطبقة السياسية الحاكمة، سواء في قطاع غزة أم في الضفة الغربية وإعادة منظمة التحرير الفلسطينية إلى شعبها، كل شعبها، وفتح صفوفها لتتسع لكل تياراته وحركاته وفصائله، وإجراء عملية محاسبة للذات ومراجعة وتقييم للسيرورات الفلسطينية في العقد الأخير، وانهاء نكبة الشعب من طبقته السياسية الحاكمة.

ذات صلة

الصورة
اليهود المتشددون/(فرانس برس

اقتصاد

تنتقل أزمة إعفاء اليهود المتشددين في إسرائيل من التجنيد الإلزامي من الأروقة السياسية إلى دروب الاقتصاد، إذ تتصاعد تحذيرات قطاعات الأعمال من مشاكل أعمق.
الصورة
اعتداء على طفل في الخليل

سياسة

كشف مقطع فيديو، سجلته كاميرات المراقبة داخل محل تجاري في حارة جابر في الخليل، اعتداء جنود الاحتلال على طفل فلسطيني، بذريعة وجود صورة لقطعة سلاح على قميص يرتديه.
الصورة
أماكن المساعدات كمائن لقتل الإسرائيليين فلسطينيين جائعين (داود أبو الكاس/ الأناضول)

مجتمع

تتعمّد قوات الاحتلال الإسرائيلي استهداف نازحين غزيين ومنتظري مساعدات الإغاثة في ظل الحصار الخانق الذي تفرضه على غزة منذ 7 أكتوبر الماضي.
الصورة

سياسة

صادقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على مصادرة ثمانية آلاف دونم إضافية من الأراضي في غور الأردن أعلنت أنها أصبحت أراضي تابعة لها