نكبة "الشرعية الدولية"

نكبة "الشرعية الدولية"

17 مايو 2020
+ الخط -
خلال السنوات الـ 72 التي مرّت بها القضية الفلسطينية منذ عام 1948، تكاد تكون هذه السنة هي الأسوأ بالنسبة إليها، وخصوصاً في ظل المخططات الإسرائيلية لقضم الضفة الغربية وخلق حالة لجوء جديدة، إضافة إلى مزيد من التقزيم للأراضي التي لا تزال تسيطر عليها السلطة الفلسطينية. وعلى الرغم من أن الكثير من الإجراءات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية معتادة بشكل متكرّر، ولا سيما التوسع الاستيطاني الذي تغوّل لسنوات خلت، وتفاقم ما بعد اتفاقيات أوسلو، إلا أن الوضع هذا العام يأتي مختلفاً، في ظل غياب ما كان يُسمى "الشرعية الدولية" التي راهنت عليها القيادة الفلسطينية كثيراً. ويبدو أنها لا تزال تراهن.
ولعل هذه "الشرعية الدولية" كانت النكبة الأساس للقضية الفلسطينية، منذ القرارات الأولى التي مهدت لقيام إسرائيل وسرقة الأراضي الفلسطينية، سواء عبر قرار التقسيم أو الاعتراف بإسرائيل، والإقرار ضمناً باحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة في عام 1967، إضافة إلى التسليم المتكرر بـ"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، الذي كان يرد على لسان غالبية المسؤولين الدوليين في زيارتهم، الذين تعاطوا في الشأن الفلسطيني، وهو ما كان يعني إطلاق يد إسرائيل في القتل والأسر ومصادرة الأراضي.
اليوم، لم يعد الكلام عن وجود هذه الشرعية عملياً، بعدما انتفت من الوجود، وحلت مكانها "الفردية الدولية"، وخصوصاً في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، بعدما بقيت كل القرارات الدولية التي يمكن تصنيفها بأنها صبّت إلى حد ما في مصلحة القضية الفلسطينية، حبراً على ورق، ولم تجد طريقها إلى التنفيذ، فيما تحكّمت الولايات المتحدة أساساً بكل التحولات التي اعترت هذه القضية، وتحديداً منذ ما بعد مؤتمر مدريد. وإذا كانت الإدارات الأميركية السابقة قد حاولت أداء دور "الوسيط النزيه"، أو على الأقل هذا ما كانت تجاهر به، إلا أن الوضع اليوم مختلفٌ كلياً، بعدما أسقطت إدارة ترامب مثل هذا الدور، وجاهرت بالاصطفاف إلى جانب كل ما تريده إسرائيل. البداية كانت من خطة نتنياهو - ترامب، التي اصطلح على تسميتها "صفقة القرن"، مروراً بالاعتراف بضم القدس المحتلة والجولان، وصولاً إلى دعم خطط إسرائيل لضم أجزاء من الضفة الغربية، رغم المعارضة العربية والدولية.
وفي غياب أي أوراق قوة، عربية وغربية، فإن أي معارضة للإجراءات الإسرائيلية الجديدة، والدعم الأميركي المطلق، ستكون هباءً كما الكثير من المعارضات السابقة لخطوات إسرائيلية متعددة. فالاعتراف الأميركي بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل قوبل بكثير من التنديدات والاستنكارات، من عواصم عربية وعالمية عدة، لكنه لم يغير من واقع الأمر شيئاً. وهو الأمر نفسه المرجَّح من ضمّ أجزاء من الضفة الغربية، في حال حصوله، ولا سيما في ظل جائحة كورونا التي تجتاح العالم، والتي أغلقت الدول كافة على نفسها، وأغرقتها في هموم محلية اقتصادية واجتماعية، وزادت من عجزها عن أي تأثيرات خارجية. يضاف إلى ذلك، وخصوصاً في الحالة العربية، التواطؤ المعلن نسبياً مع الإدارة الأميركية من العديد من عواصم القرار العربية، والمجاهرة بالانفتاح على إسرائيل، مع الإدانة الخجولة لبعض اعتداءاتها.
في ظل هذه الحالة العالمية التي باتت معروفة للجميع، تستمر القيادة الفلسطينية في التعويل على "الشرعية الدولية" والجامعة العربية لمواجهة المخططات الإسرائيلية، فيما تتجنب، أو تؤجل، أي قرارات فعلية من شأنها أن تؤثر بالقرارات الإسرائيلية، سواء لجهة وقف التنسيق الأمني، أو إلغاء الاتفاقات، أو إلغاء الاعتراف بإسرائيل، وحتى حلّ السلطة، وهو ما قد تسهله كورونا وما أوجدته من أزمة اقتصادية أفرغت وجود السلطة ورواتبها من مضمونه.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب رئيس تحرير "العربي الجديد"، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".