نقّاد بلا نقد

نقّاد بلا نقد

28 ديسمبر 2018
جميل ملاعب/ لبنان
+ الخط -

ليس لدينا نقّاد. لم نعُد نقرأ نقداً لـ الرواية العربية، بل مجرّد مراجعات صحافية ينفّذها هواة أو قرّاء متحمّسون ومحبّون لبضعة أعمال روائية محظوظة، بينما انصرف النقّاد إلى النظرية.

في العقود الأخيرة من القرن الماضي، كانت الثقافة العربية تزخر بأسماء النقّاد الذين يواكبون الأعمال الإبداعية، في الشعر والرواية والمسرح، من علي الراعي إلى محمود أمين العالم وفاروق عبد القادر وغالي شكري ورجاء النقّاش وعبد القادر القط وجورج طرابيشي ومحمد دكروب ومحيي الدين صبحي وجبرا إبراهيم جبرا.

ولكلّ واحد من هؤلاء أكثر من كتاب يتابع فيه النتاج الروائي العربي. ومنذ بداية عقد السبعينيات، تخلّى معظم هؤلاء عن النقد الأدبي واتجهوا نحو تاريخ الأفكار أو الفلسفة. طرابيشي مثلاً اتجه نحو التنظير الفكري والثقافي، وينبغي أن تكون لهذه الظاهرة أسباب وجيهة تتعدّى ميول النقّاد وأهواءهم، حين نرى رحيلاً جماعياً لمعظم المشتغلين بالنقد الأدبي إلى حقل التنظير السياسي والفكري، وتخلّياً كاملاً عن النقد التطبيقي.

والطريف في الأمر أنه بازدياد الإقبال على كتابة الرواية، وقراءة الرواية، وازدياد عدد الجوائز الكبيرة التي تُمنح للرواية في العالم العربي، كاد النقد التطبيقي يغيب عن الساحة، والطريف أيضاً أن نقّاداً معروفين يشاركون في لجان تحكيم الجوائز، ثم يغيبون عن نقد الأعمال الروائية التي جعلوها تفوز، حتى بات الروائي يتسوّل مقالات النقد، ويتعرّض للوم والمعاتبة إذا ما أهمل الإشارة وتقديم الشكر لمقالة عابرة في صحيفة عابرة أيضاً.

وبالمقابل، نشأت نزعة تنظير نرجسية انخرط فيها معظم نقّاد الرواية (ينال النقد النظري للرواية الحصّة الكبرى من التنظير الأدبي، وقد غاب التنظير للمسرح بغياب المسرح العربي، وتلاشى نقد الشعر بغياب الشعراء المعروفين)، وهو نقد مستعار في الغالب من المدارس النقدية الغربية، ويهبُّ على عالمنا بحسب الرياح الموسمية القادمة من هناك، أحياناً، أو يأتي متأخّراً عنها بضع سنوات، دون أن يترافق هذا مع أنشطة نقدية تطبيقية، يثبت فيها الناقد أنه تمثَّل معايير المدرسة النقدية التي انتمى إليها وتبنّى مقولاتها. وسوف تكون لهذا الغياب تبعات على الكتابة الروائية من جهة، وعلى مستويات القراءة من جهة ثانية.

كيف يُمكن أن نختلف في القراءة إذا كنّا لا نُظهر علناً كيف نقرأ؟ كيف يمكن أن يكون لدينا شخصيات أدبية عربية إذا كنّا لا نبحث عنها في روايتنا العربية؟ ثم بات الكلام عن المتلقّي يأخذ حيزاً أكبر بكثير من الكلام عن المرسِل، واللافت أن القراءة في أدنى مستوىً لها هذه الأيام في العالم العربي، وقلّما يُقرأ التلقّي من هذا الباب.

بل إن فحوى التنظير تعتمد على نصوص كلاسيكية، وتُهمِل النصوص الجديدة. والملاحَظ أن النقد التطبيقي العربي لا يزال يحوم حول كاتب مثل نجيب محفوظ أكثر من غيره، وإذا أحصينا ما كُتب عنه نقدياً فهو يزيد بمرّات عن مجموع ما كُتب عن الروائيّين المصريّين جميعاً، وقد بات محفوظ اقتراباً آمناً للنقد، ربما يحمي الناقد من ضرورات الجدال التي تتطلّبها أي قراءة للواقع، ومنها قراءة واقع الرواية.

المساهمون