نقد النقد.. وسيكولوجية المشاهدة

نقد النقد.. وسيكولوجية المشاهدة

15 مارس 2015
مسلسل "منبر الموتى" (العربي الجديد)
+ الخط -
كرّست المسلسلات التي تناولت ما حدث ويحدث في سورية منذ 15 مارس/ آذار 2011 وحتى الآن، خطاباً درامياَ يتمحور حول (نقدم دراما بعيداً عن منطق مع أو ضد). وهي الوصفة السحرية الجامعة للسوريين، إلاّ أنّ سلوك النقد تجاه هذه الأعمال وردود الفعل الشعبية أكّدت أنها لم تجمع أحداً.

وخلافاً لما توقعه صانعو هذه الأعمال، تعرضت أعمالهم لهجوم مشترك من مؤيدي النظام ومعارضيه. كلٌ يحلّل الأحداث ويفسّرها من موقع اصطفافه السياسي، ولسان حاله يقول: "أنا الخير المطلق والآخر هو الشر المطلق"، وبالتالي بدا أي خطاب درامي مشترك موجه للجميع لن يصغي له أحد. فالخطاب الوحيد المقبول هو ذلك الذي يخاطب الشخص ويمثل آراءه وما يعتقده، ودون ذلك فهو خطاب فاشل، ودراما تضليلية من صناعة الطرف الثاني.

فكرة الدراما التضليلية تعمّقت أكثر مع توزع الفنانين السوريين بين قوائم سوداء وبيضاء. ومن لم يدخل منهم القائمة السوداء للنظام دخلها في المعارضة، الأمر الذي "ضوّع" قوة التأثير وسمو الرسالة التي يحملها أي فنان سوري في هذه الأعمال لمجرد أنه لا يقف على ضفة الصراع ذاتها التي يقف عليها المشاهد.

ولنتأمل كيف فقدت شخصية درامية نموذجية مثل "نجيب" في "سنعود بعد قليل"، التي جسّدت معنى الوطن وحملت رسائله، تأثيرها عند المشاهد المعارض لمجرد أن من يجسدها هو الفنان دريد لحام الذي يحسب على التيار المؤيد للنظام. ولنتأمل أيضاً كيف فقدت شخصية مثل "إسماعيل" في "حلاوة روح" التي حملت رسائل عقلية مصداقية تتعلق بالصراع المسلح بين السوريين تأثيرها عند المشاهد المؤيد لمجرد أن من يجسدها هو الفنان مكسيم خليل المحسوب على التيار المعارض.

في كل مرة كان تقييم ما يقدمه أهل الدراما في مسلسلاتهم يخضع لأهواء المتصارعين ولأحكامهم المسبقة، وقد صار جمهور الدراما جمهوران، اتّسعت الهوّة بينهما مع ارتفاع وتيرة الصراع المسلح وعدد ضحاياه، إلى حد يستحيل معه تقديم خطاب يرضي ولا يُغضب أحداً.
ردود فعل المشاهدة الشعبية تكاد تكون طبق الأصل عن الكتابات النقدية التي تناولت هذه الأعمال. فأقلام النقد، معظمها لا كلها، باتت تغمس في حبر المواقف السياسية لأصحابها، وقلما تستند إلى معايير فنية صارمة دون انحياز سياسي.

ذلك حق معلوم لكل النقاد في ظل الصراع الإعلامي أيضاً، ولا يمكن لأيٍ منّا أن يقول لناقدك "نحيي مشاعرك الشخصية السياسية، وأكتب بموضوعية". ما يكتبه هؤلاء هو نقد صالح لزمانه ومكانه، ولكنه لا يصلح للتاريخ الفني.

اقرأ أيضا:
الدراما السورية..إذا جاءك الطوفان ضع ابنك تحت قدميك!

المساهمون