نقاش "تدويل الأقصى"...حماية الفلسطينيين والعودة إلى ما قبل 2000

نقاش "تدويل الأقصى"...حماية الفلسطينيين والعودة إلى ما قبل 2000

19 أكتوبر 2015
يرفض الفلسطينيون الحماية الدولية للأقصى (أحمد غربلي/ فرانس برس)
+ الخط -
على وقع الانتفاضة الفلسطينية الأخيرة في القدس المحتلة ومختلف مناطق الضفة الغربية المحتلة وتخوم قطاع غزة، بسبب الانتهاكات المستمرة للاحتلال الإسرائيلي للمسجد الأقصى، عاد الحديث عن "وضع قوات حماية دولية في المسجد ومحيطه"، وهو ما يرفضه مسؤولون فلسطينيون عدة، مؤكدين أن أي قوة من هذا القبيل يجب أن تُحدّد مَهامهَا بتأمين الحماية الدولية للشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعلى رأسها مدينة القدس.

ويرى مسؤول ملف القدس في حركة "فتح"، عضو "الهيئة الإسلامية العليا" في القدس، حاتم عبد القادر، أن "السلطة الوحيدة التي يجب أن تكون في المسجد الأقصى تعود للأوقاف الإسلامية، صاحبة السيادة والوصاية الوحيدة عليه، وأن أي وضع كهذا، يُعتبر تغييراً للوضع يرفضه الفلسطينيون رفضاً قاطعاً".

ويدعو عبد القادر، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى "إعادة الوضع الحالي إلى ما كان قائماً عليه قبل عام 2000، أي قبل اندلاع الانتفاضة الثانية المجيدة، حين كانت إدارة الأوقاف الإسلامية، صاحبة السيادة الأولى على برنامج ما يُسمّى السياحة الأجنبية للأقصى".

ويضيف أن "ما نريده من المجتمع الدولي هو توفير الحماية لشعبنا من التغوّل الإسرائيلي في دماء أبنائنا، ووقف سياسة التصفيات والإعدامات الميدانية لأطفالنا وفتياننا ونسائنا. أما الأماكن المقدسة، تحديداً المسجد الأقصى، فلن نسمح بأن ينازعنا على سيادتها أحد أياً كان".

من جهته، يطالب رئيس "الهيئة الإسلامية العليا" في القدس، الشيخ عكرمة صبري، الأردن بـ "التحرّك من أجل حماية المسجد الأقصى من الهجمة الشرسة والحرب المستمرة التي يتعرّض لها من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي".

اقرأ أيضاً "ترويض القدس": انقلاب المعادلة مرة أخرى

ويشير صبري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "المسلمين يرفضون بالمطلق أي شكل من أشكال الوصاية على الأقصى. وهذا اقتراح مرفوض جملة وتفصيلاً. نحن أصحاب المكان ولا يجوز أن ينازعنا أي شخص أو مؤسسة أو هيئة دولية عليه".

ويلفت إلى أن "ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية ورئيسها بنيامين نتنياهو، من خلال قيادة العدوان المستمر على المسجد الأقصى، يُمثل تحدياً واضحاً للأردن، وهو بذلك يرفع وصاية المملكة عن الأقصى". ويدعو صبري عمّان إلى "إعادة النظر في اتفاقية وادي عربة مع الاحتلال، الموقّعة في 24 أكتوبر/تشرين الأول عام 1994".

كذلك يصف رئيس "الهيئة الإسلامية العليا" في القدس تصريحات نتنياهو الأخيرة بشأن الأقصى، ومزاعمه حول الحفاظ على الوضع القائم فيه وعدم نية حكومته تقسيمه، بأنها "متعجرفة ومتغطرسة، ومليئة بالأكاذيب"، مشدداً على "ضرورة توفير الحماية للشعب الفلسطيني الرازح تحت احتلال وحشي مقيت".

وينتقد صبري موقف السلطة الفلسطينية من العدوان الإسرائيلي المستمر على القدس، معتبراً أن "السلطة الفلسطينية لا علاقة لها لا بالأقصى ولا بالقدس؛ لأنها أجّلت في اتفاقيات أوسلو للسلام مع الاحتلال موضوع القدس للمفاوضات النهائية".

يذكر أن "الوضع القائم" هو الوضع الذي ساد في فترات العهد العثماني والانتداب البريطاني والعهد الأردني، قبل الاحتلال الإسرائيلي للقدس. ومنح اتفاق "الوضع القائم" دائرة الأوقاف الأردنية المسؤولية الكاملة في إدارة كل ما يتعلق بالمسجد الأقصى.

من جهته، يعتبر أستاذ القانون الدولي في جامعة بيرزيت، ياسر عموري، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "قوات الحماية الدولية لا تؤثر على المركز القانوني في أي مكان تنتشر فيه، كون المهمة المطلوبة منها هي منع الانتهاكات التي يمكن أن تحصل فيه، أو حسب طبيعة المهمة الملقاة عليها".

ويتابع "بالتالي هذه القوات ليست بديلاً عن القوى القائمة حالياً، سواء الأردن أو سلطة الاحتلال، بل تقوم القوات الدولية بمهمة محددة، وهي تعزيز حماية حقوق الإنسان في المكان الذي تنتشر فيه". ويضيف عموري "في اعتقادي أن طلب الحماية الدولية متعلق بما نريده بالضبط. فهل نريد تلك القوات من أجل مراقبة الانتهاكات أو من أجل وقفها؟".

ويعتبر أن "من شأن ذلك استيلاد خلاف حول طبيعة المهمة الملقاة عليها. لكن طالما أن الأقصى جزء من القدس، وأن القدس جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة، فطلب نشر هذه القوات يجب أن يكون في الأراضي الفلسطينية عموماً وفي القدس تحديداً".

بدورها، أعلنت "المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة" (ايسيسكو)، عن تأييدها إرسال قوات دولية إلى القدس لتوفير الحماية للفلسطينيين الذين يتعرّضون لأبشع أنواع البطش والعدوان من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي.

وذكرت "إيسيسكو"، في بيان، أن "استمرار القوات العسكرية الإسرائيلية في قتل وجرح عشرات الأطفال والشبان والشيوخ الفلسطينيين في القدس، والاعتداء على المسجد الأقصى وتدنيسه لا بدّ أن يُواجَه بموقف حازم من المجتمع الدولي، لتطبيق مقتضيات القانون الدولي، والذي يعتبر الضفة الغربية، ومن ضمنها القدس الشرقية، أرضاً محتلة". وتضيف أن "القوات الإسرائيلية لا تقيم أي اعتبار للقانون الدولي وتضرب بمقتضاه عرض الحائط، بالتالي فإنه يجب إيقاع العقوبات التي يفرضها هذا القانون عليها وإرغامها على الالتزام به".

تاريخ الوصاية الأردنية

تجدر الإشارة إلى أن السيادة الأردنية على المسجد الأقصى بدأت منذ "بيعة الشريف"، عام 1924، وتنقلت في سنوات لاحقة لقيادات محلية فلسطينية، لكن بعد حرب عام 1948، وعندما أصبحت الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، تابعة للحكم الأردني، عادت الوصاية أردنية من دون منازع، وأعلن الحاكم العسكري الأردني استمرار سريان القوانين والتشريعات الأخرى المطبقة في فلسطين، من دون أن تتعارض مع قانون "الدفاع عن شرق الأردن لعام 1935".

وفي عام 1949، أعادت الإدارة المدنية الأردنية نظام الحكم المدني إلى الضفة الغربية، بموجب قانون "الإدارة العامة على فلسطين". وفي عام 1950، تم توحيد الضفتين الغربية والشرقية لنهر الأردن رسمياً، كما تم التأكيد على استمرار سريان القوانين السارية المفعول في الضفة الغربية، في نهاية فترة الانتداب البريطاني إلى حين استبدالها بقوانين أردنية.

وظلّ ذلك سارياً حتى عام 1967، أي عندما احتلّت إسرائيل القدس الشرقية. غير أن هذا الاحتلال لم يمنح إسرائيل أي حقوق ملكية، لأن القاعدة واضحة في القانون الدولي، وتنصّ على أن "الاحتلال لا يستطيع منح حقوق للملكية". لذلك، ولمبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة ووجوب انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في حرب يونيو/حزيران 1967، كما ورد في قرار مجلس الأمن رقم 242، وبعد مرور مدة قصيرة من سيطرة إسرائيل على الأقصى، تم نقل السيطرة إلى الأردن مجدداً.

وتشرف وزارة الأوقاف الأردنية على غالبية موظفي المسجد، ومرافقه ضمن 144 دونماً، تضمّ الجامع القبلي ومسجد قبة الصخرة، وجميع مساجده ومبانيه وجدرانه وساحاته وتوابعه، فوق الأرض وتحتها، والأوقاف الموقوفة عليه أو على زواره، وذلك بالتعاون مع وزارة الأوقاف الفلسطينية.

يُذكر أن منظمة التحرير الفلسطينية ناضلت من أجل فك الارتباط مع الأردن، باعتبارها ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني. وتحت هذا الإلحاح اتخذ الملك الراحل حسين قراراً بفك الارتباط عام 1988 مع الضفة الغربية إدارياً وقانونياً. وتمّ ذلك بطلب من الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، والذي أعلن في نفس الوقت قيام دولة فلسطين.

غير أنه وعلى الرغم من فكّ الارتباط، أبقى عرفات للملك حسين حق الوصاية على المقدسات بشكل شفوي، وبقي الأمر هكذا حتى نهاية شهر مارس/آذار 2014، عندما قام الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بإعطاء العاهل الأردني عبد الله الثاني هذا الحق باتفاقية مكتوبة.

وقد فاجأت الاتفاقية كثيرين، وقالت عنها مصادر فلسطينية آنذاك إن "العاهل الأردني عبدالله الثاني هو من طلب توقيع صك مكتوب، بعد حصول فلسطين على اعتراف أممي بالدولة الفلسطينية، وذلك من أجل تشكيل غطاء قانوني للطرفين، وحتى يتمكن الطرفان من التحرك معاً لحماية القدس عبر المؤسسات الدولية".

ونُقل عن وزير الأوقاف الفلسطيني آنذاك محمود الهباش، قوله إن "الاتفاق كان دينياً صرفاً ولا يحمل أي أبعاد سياسية". ويضيف في تصريحات صحافية أن "الاتفاق أكد شيئاً كان قائماً منذ عام 1967، أي منذ احتلال إسرائيل القدس، إذ احتفظ الأردن بمسؤوليته عن الأوقاف الإسلامية والمقدسات. حتى إنه عندما قرر الملك حسين فكّ الارتباط ظلّ هذا الأمر قائماً، بموافقة منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها ممثل الشعب الفلسطيني". أما بالنسبة إلى المقدسات المسيحية فقد منح الأردن خلال فترة حكمه الضفة الغربية بين عامي 1952 و1967، الحرية المطلقة للطوائف المسيحية المختلفة لصيانة وإعمار كنائسها وأديرتها. وتم إعمار كنيسة القيامة خلال العهد الهاشمي وقبل الاحتلال الإسرائيلي في عام 1967 إعماراً شاملاً شمل القبة والجدران.

اقرأ أيضاً: القدس خارج النص الاستعماري