نظام السيسي يُتم السيطرة على الإعلام

نظام السيسي يُتم السيطرة على الإعلام: مرحلة جديدة للفضائيات تطاول الدراما

19 ابريل 2019
وزير الإعلام رئيساً لشركة "إعلام المصريين" (فريديريك سلطان/Corbis)
+ الخط -
تتغيّر خريطة المؤسسات الإعلاميّة المصريّة، وتحديداً منها القنوات التلفزيونيّة، مجدداً، إثر عدة إجراءات وترتيبات قام بها أخيراً المسؤولون عن الإعلام في البلاد، والذي يتبع في معظمه لأجهزة نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي الأمنية. فقد علمت "العربي الجديد" من مصادر داخل "اتحاد الإذاعة والتلفزيون" أنّ لجنةً مشكّلةً من خارج الاتحاد تولّت عملية "تطوير" البرامج داخل التلفزيون المصري، وهذه اللجنة تضم كُلّاً من: المنتجة دينا كريم وهي من فريق برنامج "البيت بيتك" في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، والصحافي المحسوب على الأجهزة الأمنية خالد صلاح، وعمرو كمال الذي كان ضمن فريق أنس الفقي، وزير الإعلام السابق في عهد المخلوع.
وبذلك، أصبح رئيس مجلس إدارة شركة "إعلام المصريين" (المملوكة لمجموعة "إيغل كابيتال"، والمملوكة بدورها لجهاز الاستخبارات المصرية برئاسة اللواء عباس كامل) هو وزير الإعلام في مصر، بمساعدة فريقه المكوَّن من دينا كريم وخالد صلاح وعمرو كمال. وبحسب المصادر، أصبح وزير الإعلام يتحكم في كل شيء داخل التلفزيون المصري. هذا إضافةً إلى فريقيه في الدراما والسينما، ومن ضمنه حسام شوقي الذي كان أحد الموظفين خلال إدارة عبد الرحمن حافظ لمدينة الإنتاج الإعلامي واتحاد الإذاعة والتلفزيون في عهد مبارك، كما أنّه مَن سلّم عبد الرحمن حافظ إلى الأجهزة الرقابية حينها. كما يضمّ الفريق أحمد بدوي الذي كان يعمل في شركة "نيوسينشري" واستقطبه تامر مرسي ليصبح مسؤولاً عن ملف السينما داخل "إعلام المصريين".

هيكلة جديدة للفضائيات
أخيراً، استحوذت شركة "إعلام المصريين" على مجموعة "دي ميديا" التي كانت تابعةً لجهاز الاستخبارات الحربية ويديرها طارق إسماعيل المقرب من عباس كامل، وتمتلك مجموعة قنوات "دي إم سي" وموقع "مبتدا" وإذاعة "الراديو 9090". لكنّ مصادر من داخل الراديو أكدت لـ"العربي الجديد" أنّ طارق إسماعيل لا يزال يحتفظ فقط بالراديو، فيما تم تهميشه نهائياً في مجموعة القنوات، مع إعطاء تامر مرسي ورجاله صلاحيات كاملة. وأوضحت المعلومات أنه تم نقل موقعَي "الدستور" و"مبتدا" إلى مقر جريدة "الوطن"، تمهيداً لغلقهما تماماً.
وقالت مصادر "العربي الجديد" إنّ تنفيذ تامر مرسي التعليمات بحذافيرها هو سر بقائه. وليس ذلك فقط، بل إنه ينفق على إنتاج دراما رمضان من رأس مال شركته "سينرجي" في انتظار أن تتم التحويلات المقررة من الأجهزة الاستخباراتية.

ومنذ أيام، أعلن مرسي، وهو أيضاً رئيس مجلس إدارة الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، بدء الخطوات التنفيذية لهيكلة القنوات الفضائية التابعة لشركات إعلام المصريين و"دي ميديا". وقال مرسي في بيان إنه أصدر قرارًا بتشكيل لجنة تنفيذية عامة تتولى مهمة وضع الاستراتيجيات والأهداف، وكذلك إدارة الهيكلة المطلوبة في شركات المجموعة الخاصة بالقنوات الفضائية، وقد تشكلت اللجنة من تامر مرسي (رئيساً)، وعضوية حسام صالح، وسمير يوسف، وحازم شفيق، وهشام سليمان. وكلّف مرسي، حازم شفيق، برئاسة القنوات العامة لشبكتي "أون" و"الحياة" بعدما تم سحب الصلاحيات كاملة من ياسر سليم. وأكد استمرار سمير يوسف رئيساً لقنوات "سي بي سي"، واستمرار هشام سليمان رئيساً لقناة "دي إم سي" العامة بعد نقلها إليه. كما كلّف ألبير شفيق بإدارة قناة "إكسترا نيوز" وبالإشراف على قنوات الأخبار بالمجموعة، وعيّن أيمن سالم رئيساً لقناة "أون سبورت"، على أن يتولّى محمد سمير مسؤولية قناة "سي بي سي سفرة".

قنوات الدراما
أما إدارة قنوات الدراما التابعة للمجموعة، فتولى مسؤوليتها الكاتب الصحافي يسري الفخراني، فيما تم تكليف الصحافي محمود مسلم بالإشراف على السياسة التحريرية والمحتوى السياسي في القنوات التابعة للمجموعة. فيما تم تكليف خالد مرسي منسقاً عاماً لقنوات أون والحياة. وذكر بيان مرسي أنه من المتوقع أن يتم إعلان قيادات للقطاعات المختلفة لإدارة الشكل الجديد للقنوات التلفزيونية في ظلّ إطار الهيكلة الجارية.
وكان تامر مرسي قد أعلن في وقت سابق تعيين شركة "وورلد ميديا" وكيلاً إعلانياً حصرياً لشبكات "أون" و"الحياة" و"سي بي سي" و"دي إم سي". وأشار إلى أنّ كافة القنوات الفضائيّة التابعة للمجموعة "تعمل على قدمٍ وساق" من أجل استقبال شهر رمضان؛ من خلال تقديم أعمال "هادفة تناسب الأسرة المصرية بمختلف فئاتها". وتمّ الإعلان عن المحتوى الرمضاني على القنوات التابعة للمجموعة حيث تم توزيع المسلسلات الـ15، والتي تم إنتاجها من قبل "إعلام المصريين"، على مجموعة القنوات. كما تمّ توزيع النجوم، بحيث تختص كل قناة بعرض مسلسل رئيسي وحصري لأحد نجوم المجموعة؛ بمعنى أن الجزء الثالث من "كلبش" يعرض على قنوات "أون تي في"، في حين أن محمد رمضان بمسلسله "زلزال" هو نجم مسلسلات "دي إ م سي"، وفيما يعرض مسلسل "لمس أكتاف" لياسر جلال على "سي بي سي".

وقال صاحب إحدى شركات الإنتاج الفني (رفض ذكر اسمه) لـ"العربي الجديد" إنّ تامر مرسي حاول في بيانه التمهيد إلى أنّ الوقت ضيّق ولذلك سيأتي موسم رمضان ضعيفاً وذلك قبل الهجوم عليه، بحجة ضيق الوقت، كما أنه سيحاول تصدير فكرة أنهم يعملون على فتح مواسم فنية طوال العام وليس في رمضان فقط، وهذا هو الأهم، وأضاف المصدر أنهم يُجبرون المنتجين الآخرين الذين يرغبون في العمل، "إما أن يقبلوا بدور المنتج المنفذ فقط وإما لا، فلا يوجد بعد ذلك شركة منافسة تنتج لصالحها، وسيكون كل منتج منفذا لصالحهم".
الوضع الفني المتردي وفرض الدولة سطوتها وصفه المخرج المصري، يسري نصر الله، في تصريحات صحافية قائلاً "ما يحدث مهزلة ومنافسة غير شريفة، أن يقال للصنّاع إما تعمل معنا بالمشاركة أو يتم منعك من العمل، أخلاقيًا هذا أمر غير ظريف، اقتصاديًا ما يحدث بمثابة أننا نحفر قبرًا للسينما والدراما التلفزيونية كذلك بعد تسطيح الموضوعات وتوحيد الأفكار، الوسطية". وأضاف "عمليًا أنا كمتفرج حينما أشاهد التيمة أكثر من مرة أتجنّبها تمامًا وأبحث عن مدارس جديدة"، متسائلاً "السينما تضمحل، فهل هذا هو الهدف؟".
باتت السيطرة على الإنتاج الفني لا تتوقف فقط عند فرْض "ثيمات" بعينها وشروط إنتاجية محددة، إذ إنّ الوقت المحدد لتصوير أي مسلسل لا يجب أن يتخطى بأي حال من الأحوال 60 يوماً. كما يمتدّ الأمر أيضاً إلى تسديد الدفعات، فالمحظوظ من الكتاب أو المنتجين هو من تمكّن من الحصول على نصف مستحقاته فقط ومَن يطالب بالباقي، يسمع في أحيان كثيرة ردوداً من نوعية "احمد ربنا أنك أخدت حاجة. مافيش فلوس تاني". أما من يحاول البحث عن متنفس أو شريك ينقذ به عمله المتوقف فليس أسعد حالاً، فيلتقّى أصحاب بعض المشاريع المتوقفة ردوداً من نوعية "المسلسل ده بتاعنا ونحن نريده، ولن نسمح بأن يدخل منتج آخر مشارك، وإذا فكّرت، شوف هتعرضوا فين". والمفارقة أنّ شبكة "نتفليكس" كانت تسعى للمشاركة في إنتاج المسلسل المتوقف منذ عامين "مصطفى محمود"، إلا أن إدارة الدراما في "إعلام المصريين" رفضت، مؤكدةً لفريق العمل أنّ "مافيش حاجة هتحصل في السوق إلا بمزاجنا".

كلّ ذلك يجعل من غير المستغرب أن يكون "الزعيم" عادل إمام أحد ضحايا احتكار الدولة، رغم أنه واحدٌ من أبرز المروّجين للنظام والمحسوبين عليه. ليس ذلك فقط بل إنه صاحب الفضل في صناعة تامر مرسي والذي كان مجرّد مدير إنتاج، لولا حماسة عادل إمام له. إذ أعطاه فرصة العمل، وهو ما كان فاتحة الخير على تامر مرسي الذي لم يصدق ما حققه من أموال، كما أهداه سيارة "رانج روفر" في عيد ميلاده. إلا أن تامر مرسي يتعامل مع إمام اليوم كالجنرالات، فرفض طلب رامي عادل إمام بأن يكون مشاركاً في إنتاج مسلسل الزعيم "فلانتينو"، وعندما طالب بجزء من مستحقاته المتأخرة جاء الرد عليه بإيقاف مسلسل عادل إمام وبالتالي خروجه من السباق الرمضاني.

عروض السينما أيضاً
وأضاف المصدر أنه تم تأسيس شركة جديدة للإعلانات تابعة للشركة المتحدة، لتسيطر على السوق وتحتكر الدراما والسينما ومنافذ العرض والإعلانات. وبحسب ما علمت به "العربي الجديد"، فقد قامت الشركة أخيراً بوضع يدها على كل دور العرض السينمائية التابعة للدولة سواء باستئجارها أو بشرائها. ولن يتوقف الأمر على ذلك؛ إذ سيتم منحها حق تطوير وإدارة كل قصور الثقافة التابعة للثقافة الجماهيرية في أنحاء مصر، واستغلالها لتصبح دور عرض سينمائي. وهو ما كان يطالب به السينمائيون والنجوم منذ 20 عاماً ولم يستجب أحد لهم، لكنّ الأزمة أنه إذا تم ذلك حالياً فسيكون لدى الشركة المتحدة أكبر عدد من قاعات وشاشات العرض السينمائي، وهو ما سيؤدي بالتالي إلى احتكارها سوقَ السينما أيضاً. هذا فيما بدأ المسؤولون في الشركة يمهّدون لسيطرتهم على صناعة السينما، ففرضت الشركة على المنتج وليد منصور وضع اسمها على فيلم "كازابلانكا" كمنتج مشارك في العمل. كما تمّ توجيه أوامر لجهاز الرقابة على المصنفات الفنية والذي يتولاه خالد عبد الجليل، رجل كل الأنظمة، كي يقوم بتعطيل الموافقة على السيناريوهات المعروضة على الرقابة ورفْض إعطاء تصريحات لأخرى، كي تفرض الشركة نوعيات الأفلام التي تريدها فقط، وتعطّل بالتالي باقي شركات الإنتاج.