نظام السيسي يجدد مساعيه لتفكيك النقابات: الأطباء نموذجاً

نظام السيسي يجدد مساعيه لتفكيك النقابات: الأطباء نموذجاً

22 اغسطس 2020
واجهت نقابة الأطباء الكثير في العقود الأخيرة (فرانس برس)
+ الخط -

جدد النظام المصري مساعيه لتفكيك النقابات المهنية، في محاولة منه لاختراقها، وشق وحدة الصف فيها، من أجل السيطرة على قراراتها وفرض شخصيات محددة في مناصبها القيادية. وهو ما ظهر بوضوح في أزمة نقابة الأطباء الأخيرة، ومن قبلها في محاولات مجلس النواب تعديل قوانين بعض النقابات، ومنها نقابتا المهندسين والمحامين. ويشير الصراع السياسي إلى تدخل جهات أمنية في شؤون العديد من النقابات المهنية، من أجل ترشيح شخصيات محددة في انتخابات مجالسها، ودعمها بكافة السبل الممكنة للسيطرة على مقاليد الأمور داخلها، مستخدمة في ذلك وسائل قانونية مثل دعاوى فرض الحراسة عليها، وهو ما تكرر في نقابات أبرزها المهندسين، والصيادلة، والتجاريين.

وتفيد مصادر متطابقة في نقابة الأطباء لـ"العربي الجديد" بأن عضوين من أعضاء مجلس النقابة الرافضين لنشر نعي الأمين العام للنقابة السابق عصام العريان، تواصلا مع جهاز الأمن الوطني في وزارة الداخلية، للتدخل لدى نقيب الأطباء، والأمين العام للنقابة، من أجل نشر اعتذار عن النعي، بدعوى أن الطبيب الراحل مُدان في العديد من قضايا العنف، والتحريض على القتل، وبحقه أحكام بالسجن المؤبد لمدة 25 عاماً.


رفع محام معروف بكيديته دعوى ضد 12 طبيباً لإدراجهم في "الكيانات الإرهابية"

وتوفي العريان في 13 أغسطس/آب الماضي، بسبب الإهمال الطبي في سجن طرة (جنوبي القاهرة)، إثر إصابته أزمة قلبية مفاجئة داخل محبسه، ثم نشرت النقابة بياناً لاحقاً تعتذر فيه عن نشر النعي "لما أثاره من لغط"، قائلة: "وجب الإيضاح أن النشر لم يكن لأي غرض سياسي، تنأى النقابة عن الدخول فيه. وتعتذر النقابة عن إثارة مشاعر أسر الشهداء والأطباء الذين تناولوه بتحفظ واستياء ملحوظ". وشملت قائمة أعضاء مجلس النقابة الذين وافقوا على نشر النعي كلاً من: محمد سلامة، وأحمد السيد، وإيمان سلامة، وأحمد فتحي، ومحسن عزام، وشيرين المهندس، ومحمد عبد الحميد، ورشوان شعبان، ومحمد الأكشر، وأحمد الهواري، وأبو بكر القاضي، وأحمد نوار، مقابل رفض سبعة أعضاء، أبرزهم: أسامة عبد الحي، ونجوى الشافعي، ورانيا العيسوي.

من جهته، تقدم الأمين العام لنقابة الأطباء، إيهاب الطاهر، باستقالته من منصبه، معللاً ذلك بـ"وصول معاتبات كثيرة له من الأطباء، الذين ظنوا أنه كان وراء نشر النعي على موقع النقابة، وما ترتب عليه من ردود فعل سلبية بين أوساط الأطباء، والمواطنين"، مدعياً أنه "كان مقترحاً اندفع وراءه بعض شباب الأطباء بحسن نية، ثم تبين لهم الخطأ الذي وقعوا فيه". وأثار نعي نقابة الأطباء للعريان حالة واسعة من الجدال، وسط تراشق الاتهامات، والمزايدات السياسية، بين المؤيدين والمعارضين للنظام المصري الحاكم، وهو ما دفع النقابة للاستجابة للضغوط السياسية، والتراجع عن النعي.

ولم تقف أزمة نقابة الأطباء المصرية عند حد الانتقادات اللاذعة التي طاولت النقابة جراء الاعتذار، أو عند استقالة الطاهر، أو المزايدات على موقف النقابة من تردي الأوضاع العلاجية داخل السجون، بل تصاعدت حدتها بتقدم المحامي المشهور بالبلاغات الكيدية، سمير صبري، ببلاغ إلى النائب العام، ونيابة أمن الدولة، ضد 12 عضواً في مجلس نقابة الأطباء، طالب فيه بإدراجهم على قوائم "الكيانات الإرهابية". وجاء ذلك بعد يومين فقط من تقدم المحامي نفسه ببلاغ للنائب العام ضد نقيب الأطباء المصريين، حسين خيري، بسبب نشر النقابة نعياً للعريان عبر صفحتها على موقع "فيسبوك"، فيما طالب صبري في بلاغه الجديد بفتح تحقيق عاجل مع 12 عضواً من أعضاء مجلس النقابة (ذكرهم بالاسم)، وهم الأعضاء الذين وافقوا على نشر النعي، وكانوا يمثلون الأغلبية عند الأخذ بالتصويت.


واجهت نقابة الأطباء النظام من مبارك إلى السيسي في العقود الأخيرة

وقال صبري في البلاغ ضد أعضاء مجلس النقابة: "المبلغ ضدهم هم أعضاء في مجلس النقابة، ووافقوا على نشر هذا النعي الخسيس، وبهذا تكون النقابة أفصحت عن أسماء أعضائها من المنتمين لجماعة الإخوان.، وهو ما يحق معه الالتماس بإصدار قرار بمنعهم من مغادرة البلاد، وإدراجهم على قوائم الكيانات الإرهابية، وإحالتهم إلى المحاكمة الجنائية العاجلة بعد التحقيق معهم".

ولنقابة الأطباء المصرية تاريخ طويل في مواجهة قرارات الأنظمة الحاكمة المتعاقبة، ومنها رفض النقابة اتفاقية بيع جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، ومطالبتها في جمعية عمومية شهيرة بإقالة وزير الداخلية بعد اعتداء أمناء شرطة على أطباء، علاوة على تنظيمها العديد من الإضرابات الحاشدة للضغط على النظام في سبيل تحسين أوضاع الأطباء. ومثلت أبرز مواقف النقابة رفضها تصريحات رئيس الحكومة الحالي مصطفى مدبولي، والتي وصف فيها الأطباء بـ"المتقاعسين" عن أداء عملهم خلال تصديهم لأزمة فيروس كورونا، ما تلاه اعتقال السلطات المصرية عشرات الأطباء، والزج بهم في السجون، إما لرفضهم تصريحات مدبولي، أو انتقادهم سياسات الحكومة في مواجهة الوباء عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وكانت نقابة الأطباء قد فشلت في عقد مؤتمر صحافي، بشأن الرد على إجراءات الحكومة في مجابهة فيروس كورونا، في 27 يونيو/حزيران الماضي، بسبب منع أعضاء مجلس النقابة، وموظفيها، من الدخول إلى مقرها العام في شارع قصر العيني بوسط القاهرة، نتيجة الوجود الأمني الكثيف أمام المقر من قبل ضباط وأفراد وزارة الداخلية.

وفي 31 مايو/أيار الماضي، قضت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة برفض دعوى فرض الحراسة على نقابة الأطباء لعدم الاختصاص النوعي، والتي تقدم بها أحد الصيادلة بدعوى ارتكاب نقيب الأطباء، وأعضاء مجلس النقابة، العديد من الأفعال "الإجرامية" ضد المواطنين والوطن، من خلال التحريض على الدولة، ممثلة في قرارات رئيس الجمهورية، والعمل على إثارة القلاقل بدعوة الأطباء إلى الإضراب.

وسبق أن رفضت نقابة الأطباء في 10 مايو الماضي، قانوناً خاصاً بإنشاء مجلس يتولى رسم السياسات الصحية العامة للدولة، ويضم في عضويته وزيري الدفاع والداخلية. وأرسلت النقابة ملاحظاتها على المشروع إلى القوات المسلحة، مؤكدة أنه "يجب عرض المشروع على جميع الجهات ذات الصلة بتقديم الرعاية الصحية، ثم عقد ورش عمل متخصصة تضم ممثلين عن تلك الجهات لإعداد الصياغة النهائية من دون تعجل".

ولطالما مثلت النقابات المهنية في مصر نقطة انطلاق لتبني قضايا مجتمعية وسياسية في مواجهة السلطة الحاكمة، في محاولة لتعويض غياب الأحزاب عن المشهد السياسي، وضعف دورها، ما دفع الأنظمة الحاكمة المتعاقبة على محاولة تقويض نشاطها من خلال فرض القيود عليها. ولم تسلم النقابات المهنية من إجراءات القمع التي تلت انقلاب الجيش في الثالث من يوليو/تموز 2013، إذ اعتُقل العشرات من أعضائها على خلفية معارضتهم السلمية للنظام، حتى تقلصت الأنشطة النقابية بشكل كبير في ضوء الحصار المفروض على العمل العام، ونجاح نظام عبد الفتاح السيسي في فرض أسماء بعينها لتولي قيادة النقابات المؤثرة جماهيرياً.

وفي تسعينيات القرن الماضي عقد ممثلو النقابات المهنية اجتماعاً مشتركاً في مقر نقابة الأطباء، طالبوا فيه الرئيس المخلوع حسني مبارك بالتخلي عن رئاسة الحزب الوطني، وإلغاء العمل بقانون الطوارئ، وهو ما مثل البداية لصراع الدولة مع النقابات المهنية آنذاك، والذي استمر على مدار العقود الماضية، حتى وصل ذروته بفرض الحراسة على عدد من النقابات الفاعلة في المجال العام.

إلا أن نقابة المهندسين كان لها النصيب الوافر من أحكام فرض الحراسة، والتي بدأت في عام 1994 نتيجة سيطرة أعضاء جماعة "الإخوان" على مجلس النقابة العامة، ومجالسها الفرعية في المحافظات، وظلت النقابة تحت الحراسة القضائية لأكثر من 16 عاماً، حتى صدر حكماً بإنهاء الحراسة القضائية في أعقاب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.
ووافقت لجنة الإسكان في مجلس النواب في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، على تعديلات تبنتها نقابة المهندسين على قانون النقابة، والتي ترفع رسم القيد في النقابة من 500 جنيه (31 دولاراً) إلى 1000 جنيه (62 دولاراً)، بسبب مرور النقابة بمشكلات وأزمات مالية، وتحسين الخدمات المقدمة إلى أعضائها، وهو التشريع الذي لم ير النور نكاية في أعضاء مجلس النقابة الحاليين.

وعقب اندلاع أزمة بين نقابة المحامين ومبارك عام 1995، على وقع مقتل محام داخل قسم شرطة، تقدم عدد من المحامين المدفوعين من النظام بطلب للمحكمة لفرض الحراسة القضائية، بحجة سيطرة أعضاء "الإخوان" على مجلس إدارة النقابة، وظلت الأخيرة تحت الحراسة حتى سمح النظام بإجراء انتخاباتها في عام 2001، بالاتفاق مع المرشح على منصب النقيب حينها، سامح عاشور. وبعد أن أمضى عاشور ولايتين كاملتين، مدة كل منهما 4 سنوات، أقر البرلمان المصري تعديلاً تشريعياً على قانون نقابة المحامين، ليسمح لعاشور بالترشح مجدداً لأربع سنوات مقبلة، في خرق لقانون النقابة الأساسي. وأثارت التعديلات حالة من الجدل الواسع بين أوساط المحامين، وأفضت في النهاية إلى خسارة عاشور في الانتخابات على منصب النقيب من منافسه رجائي عطية.


لم تسلم نقابة الصيادلة من الحراسة القضائية إلا في 2 فبراير/شباط 2018

ولم تسلم نقابة الصيادلة من الحراسة القضائية إلا في 2 فبراير/شباط 2018، حين قضت محكمة استئناف القاهرة بإنهاء فرض الحراسة القضائية على النقابة، بناءً على دعوى أقامها "المركز المصري للحقوق الاقتصادية" أمام المحكمة لصالح النقابة قبل سنوات من تاريخ الحصول على الحكم.

كما قضت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة في 26 سبتمبر/أيلول 2016، بفرض الحراسة القضائية على نقابة التجاريين، وحل مجلس إدارتها، وتعيين حارس قضائي على النقابة، بناءً على دعوى استندت إلى وقائع إهدار للمال العام في تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات بشأن النقابتين العامة والفرعية للتجاريين. وتنص المادة 77 من الدستور المصري على أن "ينظم القانون إنشاء النقابات المهنية وإدارتها على أساس ديمقراطي، ويكفل استقلالها، ويحدد مواردها، وطريقة قيد أعضائها، ومساءلتهم عن سلوكهم في ممارسة نشاطهم المهني، وفقاً لمواثيق الشرف الأخلاقية والمهنية. ولا تنشأ لتنظيم المهنة سوى نقابة واحدة، ولا يجوز فرض الحراسة عليها، أو تدخل الجهات الادارية في شؤونها، أو حل مجالس إدارتها إلا بحكم قضائي".

غير أن القانون المصري يمنح الحارس القضائي حق إدارة النقابة المهنية، من دون أن يخضع لأي رقابة سوى للجهاز المركزي للمحاسبات، الذي يراجع فقط تفاصيل صرف الأموال، ويرفض أي تبعية للجمعية العمومية للنقابة، على الرغم من أحقيتها في الإشراف على أعمال النقابات، ومراقبة ومتابعة أموالها.