Skip to main content
نصري شمس الدين و 250 أغنية لم تُنشر
خليل العلي
نصري وفيروز ومحمد عبدالوهاب وعاصي الرحباني وفيلمون وهبي
وُلد الفنان الكبير نصري شمس الدين في بلدة جون شمال مدينة صيدا اللبنانية، في 27 حزيران/ يونيو 1927. ورث جمال الصوت عن والدته، التي كانت تنعم بصوت مميز، فساعدته على صقل موهبته، إذ كانت تعشق صوته عندما كان يدندن أغاني كارم محمود.

تعلّم نصري شمس الدين في مدرسة جون الابتدائية، ثم انتقل إلى مدرسة المقاصد في صيدا، وقبل أن يتم تعليمه في المرحلة الثانوية، انتقل إلى بلدة شبعا، حيث علّم في مدرستها مادة اللغة العربية. ومن ثم انتقل إلى المدرسة الجعفرية في مدينة صور مدرّساً فيها. وفي إحدى المناسبات التي أُقيمت في المدرسة، غنّى شمس الدين حاملاً عوده، عازفاً، وبعد ذلك خيّره مدير المدرسة بين التعليم والغناء، فاختار الفن والطرب.

عمل نصري في مصر، وسافر إلى أوروبا ليدرس الموسيقى، وبعدها عاد إلى بيروت حاملاً دبلوماً في الموسيقى، لكنه لم يوفق في المجال الذي يرغب فيه، فعمل موظفاً في مركز البريد في بيروت في نطاق الاتصالات الهاتفية.

وفي عام 1952، قرأ نصري إعلاناً في إحدى الصحف اللبنانية مفاده بأنّ إذاعة "الشرق الأدنى" تبحث عن مواهب فنية شابة، فسارع إليها ليقف ممتحناً أمام لجنة حكم مؤلفة من عاصي ومنصور الرحباني، عبدالغني شعبان، حليم الرومي وغيرهم، وبعدها تقرّر ضمه إلى الفريق الغنائي في الإذاعة التي صارت تعرف لاحقاً بإذاعة "لبنان الرسمية".

تزوج نصري شمس الدين في عام 1956 من يسرى الداعوق، وأنجب منها مصطفى وألماسة "توأم"، ريما ولينا "توأم"، ومي وماهر. انضم نصري إلى الرحابنة في عام 1961، وصار العامود الرابع في المسرح والفن الرحباني، مع السيدة فيروز، التي شاركها تسع عشرة مسرحية غنائية، وكانت له أعمال مع فيلمون وهبي وصباح ووديع الصافي، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الأغاني الخاصة.

في ذكرى مرور 32 عاماً على رحيله، التقت "العربي الجديد" نجله مصطفى الذي تحدّث عن والده قائلاً: "عندما أتحدث عن والدي، أتحدث عن نصري شمس الدين الفنان العظيم، الذي أورثنا التراث الفلكلوري اللبناني الذي لن يتكرر، لأنّ مسيرته الفنية كانت خلال ثلاثين سنة مسيرة شاقة، بصوته المميز القوي، سواء كان في الغناء أو التمثيل، وذلك من خلال مسرحياته مع الرحابنة".

وأضاف "لقد مر نصري بظروف قاسية ومتعبة، فلم تكن الفضائيات متوفرة، وكذا الإذاعات. فمنذ أن كان في السابعة من العمر، كان يحب الفن، وعندما كبر استطاع أن ينشر الأغنية اللبنانية في العالم من خلال المسرحيات و"الاسكتشات" مع الرحابنة، إضافة إلى أغانيه الخاصة، متسائلاً: "لماذا التقصير بحق فنان بحجم نصري شمس الدين، وخصوصاً أنّه حمل لبنان في قلبه ومواويله وأغانيه إلى أصقاع الأرض؟ وأجاب: "بدأ التقصير من الدولة اللبنانية، ومن المعيب أن لا يأخذ حقه المعنوي، وخصوصاً في الإعلام، من دون معرفة الأسباب، وتراهم يخلقون أعذاراً دائماً ويتّهموننا نحن بالتقصير، على الرغم من أننا نقوم بكل ما هو مطلوب منّا، ففي الإذاعة اللبنانية الرسمية يوجد 285 أغنية له، إلا أنّه من النادر بثها".

وأوضح مصطفى أنّ العائلة كرّمته بإنشاء حديقة وتمثال له في مسقط رأسه، بلدة جون، لكنها لا تستطيع أن تلعب دور الدولة، مطالباً الأخيرة بعمل ما يلزم لتخليد ذكراه، وحتى بعض الإعلام لم يعد يهتم بالعمالقة وحصر اهتمامه بالفنانين الجدد، على الرغم من أنّهم، منذ برنامج استديو الفن وحتى الآن، اشتهر معظمهم من خلال أغاني وأعمال العمالقة، لذلك يجب المحافظة على فن العمالقة الذي استطاع أن يوصل الفن اللبناني إلى مستوى عال، مشيراً إلى أنّه لو تمّ إصدار أعمال فنية جديدة كثيرة، لن تصل إلى المستوى الفني اللبناني الذي نشره العمالقة في العالم.

وذكّر مصطفى بآخر عمل لشمس الدين مع الرحابنة مسرحية "بترا" عام 1978، ولم ينتج بعدها الرحابنة أي مسرحية نتيجة الأوضاع التي كانت سائدة في لبنان، لكنه لم يترك الرحابنة لأن نصري والرحابنة يكملون بعضهم البعض. "لا أستطيع مشاهدة مسرحية للأخوين رحباني من دون نصري، لأنه جزء لا يتجزأ من مسرح الرحابنة، وهناك مسرحيات وأفلام لم يغنِ فيها، بل اقتصر دوره على التمثيل".

وأضاف: "نصري كان قلبه طيباً، ويحبه الجميع، سواء على المستوى العائلي أو الفني أو حتى أهل بلدته، وكانت هوايته الصيد، كان صيّاداً ماهر، بالإضافة للعبة "الداما"، لأنه كان يعتبرها لعبة الذكاء، حتى إنّه أسّس نادياً للعبة "الداما" في بلدته جون، وكان يعشق حياة "الضيعة" وأهلها".

ولفت إلى أنّه في عام 1982 أصدر ألبوماً غنائياً، تحت عنوان "الطربوش"، من ألحان الموسيقار ملحم بركات، إلا أن في جعبته ما يقارب 500 أغنية، ولكن كان التركيز دائماً على أغاني مسرحيات الرحابنة، على الرغم من أنّه يؤدي أغنيتين في المسرحية، وبعضها اقتصر دوره على الحوار مثل مسرحية "فخرالدين".

ولفت إلى أنّ أغانيه الخاصة موجودة في مختلف الإذاعات العربية، وقد غنّى بمختلف اللهجات، حتى إنّ مصطفى تفاجأ بأنّ لوالده أغنية باللهجة السودانية، سمعها من أحد الملحنين السودانيين، في الوقت الذي كانوا يعملون على جمع أرشيف نصري الغنائي.

ويوضح:"وصلنا إلى جمع 2000 أغنية، ولا زال هناك الكثير، وبحوزتنا 250 أغنية لم تُنشر بعد، ولا نريد نشرها، كي لا يضيع هذا الأرشيف أو يُسرق، وخصوصاً أنّه لا توجد حقوق ملكية، كما أنّ هناك عدداً من الفنانين الحاليين يغنون أغاني نصري من دون علمنا، وتحديداً شاهدت فناناً على إحدى الفضائيات يغني أغنية "دارك وين"، ولم يذكر أنّها لنصري، وهذا تعدٍ على أملاك الغير، لذلك نحن نحاول المحافظة على إرث نصري الذي قضى حياته في سبيل تحقيقه".


وختم مصطفى: "أشكر "العربي الجديد" على هذه اللفتة الكريمة، بإلقاء الضوء على فنان عظيم من لبنان، والدي نصري شمس الدين رحمه الله، الذي غيّبه الإعلام منذ زمن".