نشاط أميركي وإسرائيلي متواصل لإنهاء "أونروا"

نشاط أميركي وإسرائيلي متواصل لإنهاء "أونروا"

11 سبتمبر 2017

طفل فلسطيني في مركز "أونروا" في رفح (20/4/2009/فرانس برس)

+ الخط -
تأسّست هيئة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في 8 ديسمبر/ كانون الأول 1949، بموجب قرار الجمعية العامة رقم 302 (رابعا) وكالة تابعة للأمم المتحدة. وتتولى "أونروا" وظيفتين أساسيتين، إغاثة اللاجئين الفلسطينيين وتقديم المساعدة لهم، مع التشاور مع الحكومات المعنية ريثما تنتفي الحاجة لتقديم هذه المساعدة، من جانب، والعمل على عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وبيوتهم، الأمر الذي ورد في مطلع قرار تأسيسها، وأعيد التأكيد عليه في الفقرة الخامسة من قرار التأسيس، وقد جاء فيها أن الجمعية العمومية "تعترف بأنه من الضروري استمرار المساعدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين، بغية تلافي أحوال المجاعة والبؤس بينهم، ودعم السلام والاستقرار، مع عدم الإخلال بأحكام الفقرة 11 من قرار الجمعية العامة رقم (194 الدورة 3) الصادر في 11 كانون الأول 1948". كما جاء في الفقرة 20 من قرار التأسيس أن الجمعية العمومية توعز إلى "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى، بالتشاور مع لجنة التوفيق بشأن فلسطين التابعة للأمم المتحدة، لما فيه خير أداء مهمات كل منها، خصوصا فيما يتعلق بما ورد في الفقرة 11 من قرار الجمعية العامة رقم 194".
ومن اللافت، وبخلاف الهيئات الأخرى للأمم المتحدة، فإنه ليس لدى "أونروا" موازنة نقدية ثابتة من الأمم المتحدة، وإنما تعتمد على التبرعات الطوعية للدول الأعضاء. وقد استمرت "أونروا" في القيام بمهامها 67 عاما، وهي تعتمد على الدعم من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والحكومات الإقليمية.

يحدث في الكونغرس
وعاما بعد عام، ومع ازدياد أعداد اللاجئين الفلسطينيين، فإن التمويل الذي تحصل عليه "أونروا" لا يجاري الحاجات المتزايدة للاجئين، ما أجبرها على اتخاذ تدابير تقشفية في السنوات القليلة الماضية، إذ لم ترتفع التبرعات بما يكفي لمواكبة التضخم والنمو السكاني
للاجئين، وقد أدى ذلك إلى انخفاض في الخدمات المقدمة لهم. بيد أن وضعية "أونروا" واستمرار تقديم خدماتها للاجئين جعلها هدفا لشخصيات إسرائيلية وأميركية نافذة كانت، وما زالت، تسعى إلى إنهائها، ففي مايو/ أيار 2012 ، تقدّم ثلاثون عضواً في الكونغرس الأميركي، بقيادة الجمهوري مارك كيرك، بقانون يقضي بإعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني، بحيث يقتصر على الجيل الأول من الذين طردوا من مدنهم وقراهم في حرب 1948. ووفقاً لتقرير المتقدمين بالمشروع، فإن عدد الأحياء من هؤلاء لا يتجاوز الثلاثين ألفاً، جميعهم شيوخ، وهؤلاء وحدهم يستحقون مساعدة "أونروا". وبعد ذلك، صادقت لجنة تخصيص الميزانيات في مجلس الشيوخ الأميركي، بالإجماع، على تعديل قانون ميزانية المساعدات الخارجية للعام 2013، والذي يلزم الخارجية الأميركية بتقديم تقرير عن عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين هجّروا من ديارهم فقط في عام النكبة 1948 وفي أعقاب حرب 1967، بشكل منفصل عن أعداد نسلهم. وطالب السيناتور الجمهوري، مارك كيرك، الذي بادر إلى تقديم المشروع بأن تحدّد الإدارة الأميركية عدد اللاجئين الفلسطينيين، و"كيف ارتفع من 750 ألف لاجئ في 1950 إلى خمسة ملايين، على الرغم من وفاة عدد كبير من اللاجئين الذين هجروا من ديارهم". وقد تضمن المشروع المقدّم إلى الكونغرس طلباً بتخفيض مساهمة الولايات المتحدة في ميزانية "أونروا"، بذريعة الحفاظ على أموال دافعي الضرائب. ومن المعلوم أنه، حسب القوانين الأميركية للتنفيذ، ينبغي أن يوقعها الرئيس، الأمر الذي لم يحصل في عهد الرئيس السابق، باراك أوباما. وتبين أن اقتراح تعديل القانون الذي قدمه السيناتور كيرك بدأ في مكتب عضو الكنيست الإسرائيلي عينات ويلف (من كتلة هعتسمؤوت" مع جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل (إيباك)، ومع عناصر طاقم السيناتور كيرك. وقد ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت حينها أن للهدف المباشر لهذا الفحص علاقة بالميزانية، ما يعني خفض حجم المساعدات الأميركية للوكالة الأممية، في المرحلة القريبة، على أن تتبعه خطوة للمدى البعيد، هي شطب حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الذي يوصف بأنه "حجر عقبة جديد أمام اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين".
وفي الإطار نفسه، عرضت روس ليهنتن عام 2015 المذكرة رقم 3829 التي جرى تحويلها إلى لجنة الشؤون الخارجيه الأميركية، من اجل توفير الشفافية والمحاسبة والإصلاح داخل "أونروا". وأبرز ما جاء في المذكرة التي وافق عليها الكونغرس الأميركي في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2015 أن الولايات المتحدة كانت الدولة المساهم الأكبر لأونروا بين عامي 1950 و2015، وساهمت في موازنة "أونروا" بمعدل 277 مليون دولار في العام، بين عامي 2009 و2015. وفي ختام المذكرة، تم إيراد توجهات الكونغرس إزاء "أونروا"، وجاء فيها: تجب ازالة مواطني الدول المعترف بها من وصاية "أونروا". يجب تغيير تعريف "أونروا" للاجئ الفلسطيني، ليتماشى مع تعريف المفوضية العليا لشؤون اللاجئين. من أجل متابعة معاناة اللاجئين الفلسطينيين، ينبغي تحويل مسؤولية هؤلاء لتصبح من مسؤولية المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.

إسرائيل وتعريف اللاجئ الفلسطيني
وفي الاتجاه نفسه، سعت إسرائيل، على الدوام، إلى تقليص عدد اللاجئين الفلسطينيين وإنهاء "أونروا"، ففي إطار المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، دعا وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي الأسبق، سيلفان شالوم، في 7/11/2005، إلى نقل صلاحيات "أونروا" إلى السلطة الوطنية الفلسطينية. واعتبر الزعيم السابق لجزب ميرتس، يوسي بيلين، في 23/6/2008، في مداخلة له في معهد كارنيجي الأميركي، أن حل "أونروا" واستبدالها بالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين هو الطريق الصحيح لمعالجة موضوع اللاجئين
الفلسطينيين. كما كشفت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية في فبراير/ شباط 2012 عن مساع لإلغاء صفة لاجئ، بشكل قانوني، عن أبناء اللاجئين الفلسطينيين الذين طردوا من وطنهم إبان نكبة عام 1948. وحسب الصحيفة، كانت إسرائيل قد أعلنت بدء مساعيها في الأمم المتحدة لتغيير الصبغة القانونية الخاصة بتعريف اللاجئين الفلسطينيين، بغرض إلغاء هذه الصفة عن أبناء الذين هُجّروا من فلسطين عام 1948 وأحفادهم. واستندت رؤية ممثل إسرائيل في الأمم المتحدة، رون بريسور، في طلبه هذا، إلى أن صفة اللاجئ ما زالت تمنح لأبناء الفلسطينيين الذين هجّروا بعد قيام إسرائيل وأحفادهم، لأن ذلك يعني أن عدد الذين يطالبون بحق العودة أصبح يقدر بالملايين، ما يشكل خطراً على عملية السلام. وأن الخطر بالتالي لا يأتي من بناء المستوطنات، كما تدّعي القيادة الرسمية الفلسطينية. ونقلت الصحيفة عنه قوله إنّه في العام 1950، وصل عدد اللاجئين الفلسطينيين إلى 700 ألف، وأصبح عدد هؤلاء يزيد على خمسة ملايين ومائة ألف لاجئ، وأنّ الأمر يعتمد على كيفية تعدادهم وأسسه، ومؤكّدا على أن عودة هؤلاء اللاجئين إلى بيوتهم يمكن أن تؤدي إلى تدمير إسرائيل. وقد جاء كلام بريسور في مؤتمر عقد مطلع مارس/ آذار2011 في نادي هارفارد في مانهاتن في الولايات المتحدة، عنوانه "تغيير سياسة الولايات المتحدة نحو أونروا وقضية اللاجئين الفلسطينيين"، وهدف المؤتمر "إلى صياغة تشريعات في الولايات المتحدة الأميركية، تسعى إلى إنهاء عملية النقل الأوتوماتيكية لصفة لاجئ التي تطلق على أحفاد اللاجئين الفلسطينيين". وحسب معلومات متوفرة، تهدف هذه التحركات أساساً إلى الضغط على وزارة الخارجية الأميركية لتنفيذ قرارات مجلس الشيوخ الأميركي التي أخذها، وتتعلق بحجب المساعدة التي تقدمها الولايات المتحدة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة.

حملة إسرائيلية لإلغاء "أونروا"
وفي السياق نفسه، وفي سبتمبر/ أيلول 2012، ذكرت صحيفة "يسرائيل هيوم" أن إسرائيل أطلقت حملة ديبلوماسية ودعائية بغرض إغلاق "أونروا"، بزعم أن هذه الوكالة تشكل عقبة أمام أي اتفاق مستقبلي مع الفلسطينيين، بسبب المعايير المختلفة لوضع اللاجئ الفلسطيني. كما ذكرت أنه، بحسب قواعد "أونروا"، فإن من هجّر من بيته فى عام 1948 في فلسطين لاجئ، وجميع ذريته لاجئون أيضا، وعددهم أكثر من خمسة ملايين، بينما بحسب إسرائيل، لا يتجاوز عدد اللاجئين الفلسطينيين اليوم 250 ألفا. وبحسب الصحيفة، فإن المبادرة إلى إغلاق "أونروا" هي من عضو الكنيست، عينات بلف، من حزب الاستقلال الذي كان يتزعمه إيهود باراك، ولفتت الصحيفة العبرية إلى أن هناك إجماعا على عدم السماح لعودة اللاجئين الفلسطينيين، وأنه طالما أن "أونروا" موجودة، فإن الخلاف سيظل قائما بشأن أعداد اللاجئين الذين ستعوّضهم إسرائيل.. ومن المفيد الإشارة إلى أن مطالبة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتانياهو، السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة، نيكي هيلي، عند زيارتها الكيان الصهيوني، بتفكيك "أونروا"، في 11 يونيو/ حزيران الماضي، ليس خطوة جديدة في سياسة نتنياهو، فقد ورد في صحيفة يديعوت أحرنوت، في 27 ديسمبر/ كانون الأول 2016، أن نتنياهو إثر إصدار القرار 2334 من الجمعية العمومية للأمم المتحدة، والذي دان استمرار الاستيطان في المناطق المحتلة منذ 1967، سيستهدف "أونروا" واللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني حقوقه غير القابلة للتصرف في هيئة الأمم المتحدة، وموظفي الأمم المتحدة المعادين لإسرائيل. وأوردت صحيفة يسرائيل هيوم أنه سيعمد إلى الضغط على الإدارة الأميركية لوقف دعم الأمم المتحدة عند انتخاب دونالد ترامب رئيسا، لأن الأخير، حسب قول نتنياهو، انتقد القرار 2334 والأمم المتحدة نفسها، وأن الأمور ستكون مختلفة عند دخوله البيت الأبيض.

مخاطر في زمن ترامب
على أية حال، تعد الولايات المتحدة الأميركية أكبر مانح ثنائي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين
الفلسطينيين، ولطالما كانت واحدا من أهم المانحين الذين تعتمد عليهم. كما أنها، منذ أكثر من ستة عقود، وبوصفها عضوا في اللجنة الاستشارية منذ 1949، دأبت على أن تكون شريكا قويا ل "أونروا". ولذا، فإن الأخيرة تقدر بشكل كبير هذا الدعم الراسخ والمثالي من الولايات المتحدة لها، وهو يتيح للوكالة ضمان احتياجات لاجئي فلسطين الأشد عرضة للمخاطر. وبالتالي، فإن العمل الحثيث في الكونغرس بغرض التوقف عن تمويل "أونروا"، وتعاظم نفوذ اليمين الجمهوري، يشكل خطرا جوهريا على المدى البعيد فيما يتعلق باوضاع اللاجئين وهويتهم. وحيث إن صلاحيات بقاء عمل الوكالة أو إنهائه هي مسؤولية الجمعية العامة للأمم المتحدة، وليس أحدا آخر، فإن الجمعية العامة وحدها، وبأغلبية الأصوات، هي التي يمكنها تغيير تفويض الوكالة، وتغيير مهام ولايتها، كما ذكر كبير المتحدّثين باسم "أونروا"، كريس جانيس، في رسالة لوكالة رويترز، ردا على إعلان نتنياهو. وقد أفاد المتحدث باسم "أونروا"، سامي مشعشع، في ديسمبر/ كانون الأول 2016، أن الجمعية العامة مدّدت مهام ولاية الوكالة الأممية ثلاث سنوات وبأغلبية كبيرة. ولكن المشكلة بالنسبة للاجئين الفلسطينيين في عهد ترامب، أنه هو والمجموعة المحيطة به يقفان جذريا مع إسرائيل، فالذي قاد حملته الانتخابية والداعم المالي لها، شيلدون أديسون، داعم بقوة للاستيطان، ونائب رئيس الولايات المتحدة المحافظ، مايك بينس، معروف بدعمه المطلق لإسرائيل، وهو الذي أعلن أن إسرائيل مجذرة في إيمانه، وقد دعم في الكونغرس قانون محاسبة الفلسطينيين، والذي تضمّن، من بين بنوده، حذف فلسطين من كل وثائق الولايات المتحدة، لأنها غير موجودة كدولة. كما أنه صوت لوقف تمويل "أونروا". أما ديفيد فريدمان الذي اختير سفيرا للولايات المتحدة في إسرائيل، فيتضامن بالكامل مع رؤية اليمين الإسرائيلي وداعم للاستيطان.
هل تزول "أونروا" في زمن ترامب؟ من غير المُستبعد أن يضع المندوب الإسرائيلي في الأمم المتحدة، الذي انتخب أخيرا مدة سنة نائبا لرئيس الجمعية العامة، اعتبارً من سبتمبر/ أيلول الجاري، على جدول الأعمال بنداً يتعلق بوكالة أونروا، مقدّمة لإشاعة مناخٍ، يهدف إلى إنهاء عملها بعد ثلاث سنوات.
E64A09A2-8DB9-4CBB-887F-F1218463AA87
E64A09A2-8DB9-4CBB-887F-F1218463AA87
محمود العلي

باحث فلسطيني، دكتوراه في علم الاجتماع. عمل استاذاً مساعداً في معهد العلوم الاجتماعية - الجامعة اللبنانية، وفي عدّة وظائف في "الأونروا"، باحث ومنسق مركز حقوق اللاجئين – عائدون.

محمود العلي