نسائيات

نسائيات

23 مايو 2014
+ الخط -
 

صوتُها قاتلها وقتيلها

أعرفها وتعرفها منابر الغناء من إذاعة إلى تلفزيون. منشدة ومغنية ومتألقة بصوتها. وقعت في حبّ الميكروفون منذ أول همسة. أحبتها حنجرتها فأعطتها وسهرت عليها. كانت وفية لصوتها، لكنّ صوتها الحبيب خانها ذات مساء ذات حفلة. خرج الصوت ولم يعد. وانصرف المستمعون وطبعاً لم يعودوا.. انزوت في بيتها تغصّ بصوتها المخنوق في حناجر الغرف الخاوية. لكنّها صارت صديقة مع الثلاجة لتلتهم كل شيء. اختفت عن الأنظار وعن السمع. زرتها يوماً... كانت بكامل حنجرتها، تروي لي بحشرجة: "الصوت الذي أطعمني المجد هو نفسه أوقعني في حفرة اليأس. الموهبة تقتل صاحبها. وأنا ضحية صوتي المفقود صوتي قاتلي وقتيلي".

 

المترجمة

أعرفها طالبةَ تمثيل وهي تجلس وراء طاولة في المقهى الجامعي وتراجع دفاتر علامات تلاميذها كمدرّسة خصوصية. وتراجع دفتر التوفير لتحصي أملاكها القليلة من نقود لتكمل تعليمها كممثلة من حسابها الخاصّ، من مال تجنيه كمترجمة ومعلّمة وتتابع دروس التمثيل في معهد الفنون. أعرفها ابنة عائلة ثرية. وتمرّدت على مال الوالد لأنّه رفض أن تكون ممثلة. الطالبة مثلت ونجحت على الخشبة لكنّها أحبّت ممثلاً في الحياة. وتزوّجته بعد وفاة والدها الثري. زوجها المحتال كشف قناعه وبدّد ثروة والدها على المخدرات والقمار لأنّها لم تستطع الإنجاب منه. وفقدت  ثروتها وزوجها من جرعة زائدة. وفقدت موهبتها وعادت تعمل مترجمة لألمها في مقهى رصيف حيث أراها كلّ يوم مصلوبة على خشبة مسرح كشارع الحمرا.

 

قارئة الوجوه

أعرفها وتعرفني كمتسولة تداوم يومياً على الرصيف نفسه ومعها علبة الدواء نفسها والدعاء نفسه وتراقب المارّة وتتأمّلهم وتقرأهم وجهاً وجهاً وتدعو لهم بالشفاء والثروة والصحّة. تقرأهم من سماتهم وحركات أيديهم وأقدامهم ولا تضجر.. منذ سنة كنت أراها متسوّلةً مجتهدة لا يهمّها صيف حارّ ولا مطر غزير. هي نفسها، المرأة نفسها، المتسوّلة نفسها، فاجأت الجميع حين كتبت أوّل رواية لها تحت عنوان: "قارئة الوجوه". المتسولة صارت روائية .. هكذا تخيّلت تلك المرأة المتسوّلة وأنا جالس الآن في المقهى أكتب رواية متسولاً جائزة.

 بلا رَجُل

أعرفها وتعرفني جاراً خجولاً. هي تدير شوؤن عائلتها منذ صغرها بعد وفاة الوالد. ولحقته الوالدة بعد فترة وجيزة. وتركا خلفهما صغارهما لترعاهم ابنتهما الكبيرة... لم تترك مهنة إلا تعلّمتها وزاولتها من مساعدة ممرّضة إلى سكرتيرة إلى بائعة ثياب إلى كوافيرة. تعرّفت وعرّفت وعملت وعلّمت إخوتها. الابنة الكبيرة كبرت ونسيت أن تتزوّج. الصغار كبروا وتزوّجوا وتفرّقوا. الابنة العاملة على مدار العمر ماتت البارحة. ماتت بلا رَجُل يبكيها سواي.

 

دلالات

المساهمون