نديم غورسيل.. أتصوّر أن الأدب الملتزم انتهى

نديم غورسيل.. أتصوّر أن الأدب الملتزم انتهى

22 سبتمبر 2015
نديم غورسيل
+ الخط -
يعدّ نديم غورسيل من أبرز الكتّاب الأتراك المعاصرين. روائي غزيرٌ الإنتاج، ورحّالة أغنى "أدب الرحلة" بكتبه التي تظهر العوالم الجوانية لمدن عتيقة كالبندقية وإسطنبول. باحثٌ في أعرق مراكز البحث العلمية. وإذ يقيم هذا التركي في باريس منذ سنوات طويلة، فقد جمع بين اللسانين "كتابةً"، انحاز إلى لغته الأمّ أديبًا وإلى لغة موليير باحثًا.

* أرغب في سؤالك عن دور المثقف في الوقت الراهن، وخاصّة أنك حين بدأت الكتابة في السبعينيات من القرن المنصرم، كان دور المثقف عامّة أوضح.

أتصوّر أن الأدب الملتزم انتهى مع جان بول سارتر عشية الحرب العالمية الثانية. كما أرى أن على الكاتب، قبل كل شيء، الالتزام بعمله، في كتابته الخاصّة. لكن، باعتباره مواطنًا، فإن لديه أمورًا وآراءَ ليقولها عن العالم والمجتمع. وبالتأكيد، فإن الكاتب لا يعيش في برج عاجي، ولكن في مجتمع، وله دور يؤدّيه باعتباره كاتبًا. ولكن ليس هو الذي عليه إنقاذ الوطن ولا تشييد أيام قادمِة وواعدة. وباعتباري كاتبًا، فبطبيعة الحال، أنا مرتبط بشكل وثيق بما يجري في بلدي تركيا. أتدخّل في كثير من الأحيان في الصحافة، من خلال مقالات أضمّنها ما أفكّر فيه. لكن، باعتباري روائيًا وكاتب قصة، فأنا لا أدافع عن قضية ما، بالمعنى الحقيقي. لقد نشأ جيلي من الكتّاب في هذا التصوّر للأدب، أي الدفاع عن قضية ما، إلا أن الظروف تغيّرت، بعض الشيء. وإذا كانت رواياتي وقصصي تتضمّن عناصر سياسية - وهي موجودة - فلأن هذه العناصر تؤلّف جزءًا لا يتجزأ من المحكي، وليس لأني أريد أن أدافع عن هذه الأيديولوجيا أو تلك. أنا يساري، لكن المهم بالنسبة لي ككاتب، الدفاع عن حرية التعبير، لأن كتبي تعرّضت للرقابة والحجز في بلدي، في مناسبات مختلفة. إذ وجدت نفسي ثلاث مرّات أمام القاضي، لأني كتبتُ روايات. تعرّضت روايتي "صيف طويل في إسطنبول"، وهي أوّل أعمالي، للحجز بعد الانقلاب العسكري للجنرال كنعان إيفرين، بتهمة إهانة قوى الأمن الوطني. ثم حُجزت روايتي "المرأة الأولى" بتهمة إهانة الأخلاق العامة. ومؤخرًا، حُجزت روايتي "بنات الله"، وتعرّضتُ للملاحقة القضائية بتهمة الحط من القيم الدينية للمواطنين. وهكذا، فكما ترى، أنا أدافع عن حرية التعبير، ولا أدافع عن قضية سياسية محددة.

* لا يمكننا إغفال دور كاتبين تركيين هامين أدّيا دورًا كبيرًا في حياتك الفكرية والأدبية؛ ناظم حكمت ويشار كمال. هل تعدّ نفسك استمرارية لهما، أم استمرارية نقدية أي مضادّة إن جاز التعبير؟

كان ناظم حكمت شاعرًا شيوعيًا كبيرًا ملتزمًا. لكنه كان، أيضًا، شاعرًا مُجدِّدا. ناظم حكمت أوًل من كَتب الشّعر الحر، وبذا أنجز ثورة في الشّعر التركي المعاصر، بعدما أمضى ست عشرة سنة من عمره في سجون الأناضول ومات في منفاه بموسكو. حكمت وجهٌ مهمٌ من وجوه الأدب التركي المعاصر. ولقد أنجزت أطروحة دكتوراه عنه، دكتوراه في الأدب المقارن بينه وبين الشاعر الفرنسي لويس أراغون. وفي روايتي الأخيرة التي نشرت في فرنسا، تحت عنوان "المَلاك الأحمر"، قمتُ بمساءلة القرن العشرين، الذي يُمثّل في نظري، قرنَ الشيوعية، عبر مسار هذا الشاعر الكبير. بالطبع لسنا من الجيل نفسه، وهذا الجيل من الشعراء الشيوعيين الملتزمين، ولَّى، أقصد جيل ناظم حكمت ولويس أراغون وبابلو نيرودا وآخرين. نحن نعيش، الآن، في زمن لا يحضُرُ فيه الالتزام السياسي للكاتب. وأمّا يشار كمال، فالأمر مختلف معه، إذ اشتغلتُ على نصوصه، ونشرت كتابًا عنه بعنوان: "رواية فترة انتقالية" (Le Roman d'une transition)، باللغة الفرنسية. تعرفتُ إلى يشار وكان صديقًا لي. لقد رحل عنّا، للأسف، قبل فترة قصيرة (في فبراير/ شباط الماضي)، وحضرت جنازته في إسطنبول. هو أيضا وجهٌ مهمّ من وجوه الأدب التركي المعاصر، وقد استعمل التقاليد، لكن من طريق تحويلها أو حرف مساراتها. وهو، في نظري، وقبل كل شيء، مؤلّف "محمّد النحيل"، ملحمة قاطع الطريق الشريف. في نثره، نكتشف نَفَسًا شعريًا وغنائياً. لكنني لا أكتب لا على طريقة ناظم حكمت ولا يشار كمال، لديّ طريقتي الخاصة في التطرّق للأدب والاقتراب من تخومه. لعلّي خلقتُ أسلوبي الخاص بي. إلا أني أعدّ أن هذين الوجهين لا يمكن تجاهلهما أبدًا، لمن يهتم بالأدب التركي اليوم.

اقرأ أيضاً: الشاعر"الكتالاني" أَنريك كازاسَس.. السلطة تقصي الشعر من الفضاء العام

* تُوّج الأدب التركي بحصول أورهان باموق على جائزة نوبل للآداب سنة 2006، فهل كان للجائزة تأثير على الأدب التركي؟ هذا من جهة، ونود أن نعرف، أيضًا، حال الأدب التركي اليوم من جهة أخرى.

منذ أن حصل أورهان باموق على جائزة نوبل للآداب، بدأ الأدب التركي يجذب الانتباه بشكل أكبر. وهو أمرٌ غير كافٍ في نظري. إذ إن الأدب التركي يستحق أن يُعرَف بشكل أفضل في الخارج. لكنْ، ثمّة مُؤلِّفون أتراك تترجم أعمالهم بشكل منتظم إلى لغات أجنبية. وهذا ينطبق على حالتي، حيث تُرجمت ستة من أعمالي إلى اللغة العربية لدى ناشر بيروتي؛ دار الفارابي، وناشر مصري؛ المدبولي. وتترجم أعمالي، بانتظام، إلى اللغة الفرنسية وإلى لغات أوروبية أخرى. لست الوحيد، ولكني قبل ثلاثين سنة، كنتُ إلى جانب ناظم حكمت ويشار كمال، الوحيدين الذين تُرجمت أعمالهم إلى اللغة الفرنسية. أريد أن أقول إن جائزة نوبل كان لها تأثير، هذا صحيحٌ، لكنه ليس كافياً. إلا أنه، من جهة أخرى، أثار الانتباه إلى الأدب التركي. ثم إن تركيا أصبحت، وبشكل متصاعد، أكثرَ حضورًا في محافل الدول المؤثّرة. ومدينة إسطنبول مدينة كوسموبوليتية، يعيش فيها أربعة عشر مليون شخص. لقد تحدّث يشار كمال كثيرًا عن الأناضول، وكذا فعل ناظم حكمت الذي تحدّث عن بؤس الفلاح التركي، وهذه الثيمة أو الموضوعة، حلّت محلها اليوم ثيمة المدينة. أمّا روائيو تركيا الشباب اليوم، فهم أقلّ اجتماعية وأكثر فردية من نظرائهم السابقين. بيد أنهم يتعاملون، وبشكل متزايد، مع الأدب باعتباره خلقًا وإبداعًا. ويشتغلون حول اللغة، وهي حالتي، أيضًا. صحيح أنني، للأسف، لا أنتمي للجيل الجديد، لكني كنتُ من بين الروائيين الأتراك الذين جدَّدوا النثر وجعلوه أكثر شعرية. وفي هذا الخصوص يحضرُني سعيد فائق، الذي يمكنك أن تجد كتبه بالفرنسية. لم يكتب إلا قصصًا، وكان له تأثير كبيرٌ جدًا على جيلي.

* يدفعني هذا الواقع إلى السؤال عن أرقام مبيعات الكتّاب الأتراك اليوم.

ممّا لا ريب فيه أن عالَم النشر في غَليان اليوم، مقارنةً مع حالته قبل عشر سنوات أو عشرين سنة. ثمة تطوّر، حيث تُطبَع كتبٌ أكثر من ذي قبل، فضلًا عن أن كبريات وسائل الإعلام التركية أنشأت دور نشر خاصة بها. وبما أن عدد الجامعات في ازدياد، فإن عدد القراء في ازدياد أيضًا. الأعمال التي يمكن نعتها بالأعمال الأدبية، غير مقروءة بشكل واسع. لكن يوجد أدب شعبي وأدب بوليسي بدآ يستقطبان جمهورًا عريضًا. يوجد من بين الكُتّاب من يبيع خمسين ألفاً إلى مائة ألف نسخة، مثلًا، مثل مارك ليفي في فرنسا، لكن هنا يتعلق الأمر بأدب شعبي. وفي ما يخصني، فإن أفضل كتبي مبيعًا هو رواية "بنات الله". وكان للمحاكمة التي جرت دورٌ مَا في ترويجه. كما أن الصحف التركية تحدّثت عنه بإسهاب، وبلغ عدد النسخ المباعة من الرواية ثلاثين ألف نسخة. وأمّا روايتي "الفاتح"، التي نُشرت سنة 1995، فقد بيعت منها خلال عشرين عامًا خمسون ألف نسخة. وترجمت هاتان الروايتان إلى عديد من اللغات الأجنبية، كما طُبعت "طبعات جيب" في فرنسا وألمانيا، ودول أوروبية أخرى. ولكن بالنسبة لبلد يبلغ تعداد سكانه ما يقارب الثمانين مليوناً، فقد كان الأمل أن تكون أمور انتشار الكِتَاب أفضل. نتعرّض لمشكلة التوزيع، فالكتب تباع في المدن التركية الكبرى؛ أنقرة وإسطنبول وإزمير، حيث توجد جامعات كثيرة وطلاب عديدون. على أية حال، فإن الحياة الثقافية في تركيا في تقدّم ملموس وإيجابي.

* درّست في جامعة السوربون في فرنسا، وبالإضافة إلى عملك الأكاديمي، عملت في البحث العلمي. هلا حدّثتنا عن ذلك؟

لقد درّست، خلال فترة طويلة في جامعة السوربون، الأدب التركي المعاصر، والأدب المقارن أيضًا. وحاليًا أواصل عملي في المعهد الوطني للغات والدراسات الشرقية (INALCO)، حيث أدرّس الأدب التركي المعاصر. لكنّ وظيفتي الرئيسية، اليوم، هي مدير مجموعة بحثية في المركز الوطني للبحث العلمي (CNRS). أعمل ضمن فريق يضمّ مؤرخين ومتخصصين في تركيا، وأنا الوحيد بينهم القادم من عالم الأدب. أقوم بأبحاث في الأدب التركي. وفي هذا الإطار ألَّفتُ كتابًا عن ناظم حكمت ويشار كمال، وعن كُتّاب أتراك معاصرين آخَرين.

* أنت تؤلّف بلغتك الأمّ وتكتب أيضًا بلغة موليير، فكيف توفّق بين اللسانين إن جاز التعبير؟

حين يتعلق الأمر بالسرد والتخييل، أي بالروايات والقصص وأدب الرحلة أو "محكيّات الرحلة"، التي كتبتُ فيها كثيرًا، فقد ظللتُ وفيّا للغتي الأمّ. وبما أنّي حصلتُ على جائزة أكاديمية اللغة التركية عن روايتي الأولى "صيف طويل في إسطنبول"، فقد منحني هذا التشريف، ربّما، مسؤولية كبيرة، إذ كنتُ حينها شابًّا لا يتجاوز عمري خمساً وعشرين سنة، وكانت جائزة، جائزةً مهمة. رغم أني أقيم في باريس، منذ فترة طويلة جدًا، فأنا أواصل الكتابة باللغة التركية، وتترجم نصوصي إلى اللغة الفرنسية، حيث أعمل بشكل وثيق مع مترجميها. لكن في ما يتعلّق بمقالاتي ودراساتي الأدبية، وقد ألَّفتُ العديد منها، فأنا أكتُبُ باللغتين الفرنسية والتركية، وبشكل خاصّ باللغة الفرنسية، لأنها كتبٌ تندرج ضمن عملي كباحث. فالكتب التي تحدّثت عنها سالفًا، عن يشار كمال وناظم حكمت كانت بالفرنسية. كما ألّفت كتابًا بالفرنسية أدافع فيه عن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وأنشر من حين إلى آخر مقالاتٍ بلغة موليير في الصحف الفرنسية حين أجد الأمر ضروريًا.

* أنت أيضًا كاتب المدن بامتياز، وقد كتبتَ، مرّات عديدة، عن مدينة البندقية الإيطالية مثلًا. كتبت عن المدن روائيًّا وأيضًا في أدب الرحلة، فهل ثمة ما يميّز بين الكتابتَيْن والشكلَيْن؟

لا توجد بالنسبة لي حدود حقيقية بين الأشكال الأدبية، ولديّ حساسية تجاه شعرية المدن الكبرى. المدينة ثيمة تعج بها رواياتي؛ إسطنبول وفينيسيا. وفي كتابي الأخير المنتمي إلى أدب الرحلة: "الكُتّاب ومُدُنُهُم"، تحدثت بإسهاب عن العلاقة بين السارد والجغرافيا، إذ إنها تكون أحيانًا جغرافية عاطفية. إلا أن العلاقة بين السارد والمدينة، سواءٌ أتعلّق الأمر برواية أم بأدب الرحلة، لا تتغيّر كثيرًا، خلا أنه في الرواية يتمّ اختراع قصة وشخصيات، بينما لا نخلق شيئًا في أدب الرحلة، وإنما نتحدث عن انفعالات ومشاعر حيال مدينة ما، أو عن مَشاهد أو سُكّان هذه المدينة، وعمّا نقوم به أثناء الرحلة. بالنسبة لي، فإن المسار يظلّ دائمًا مسارًا أدبيًّا، إذ إنني لا أكتب دليل سفر. في "محكيّات سفري"، وعددها بحدود العشر، كتبت عن الأندلس وعن الموانئ الأوروبية وعن مدن البلقان. يتعلّق الأمر، دائمًا، بمسعى أدبي.

* استمتعتُ في كتابك الأخير: "الكُتّاب ومُدنُهُم"، بقراءة النص الذي خصصته للشاعر الراحل محمود درويش. لو تحدثنا عن علاقاتك مع الأدب العربي.

للأسف ليس لي اطلاع كبير على الأدب العربي الكلاسيكي. لكنني في باريس، بدأت الاهتمام بالأدب العربي المعاصر، والسبب أن كبار الكُتّاب العرب اليوم، لم يكونوا مترجمين إلى اللغة التركية، حين كنتُ في تركيا، كاتبًا شابًا. ثم تغيّرت الأمور بعد ذلك. وإذا كنتَ تعتبر أن الأدب العربي المكتوب باللغة الفرنسية أدبًا عربيًا، فأنا تعرّفت إلى طاهر بن جلون الإنسان وأعماله الأدبية، واكتشفت الأدب الجزائري الفرنكوفوني، ابتداءً من كاتب ياسين ورشيد بوجدرة وآسيا جبار، التي كانت صديقة لي. لم أقرأ إلا القليل من نجيب محفوظ، للأسف. لعلّ لدي بالأحرى اطّلاع على الأدب المغاربي الفرنكوفوني. ثم تعرفت إلى الشاعر محمود درويش في لقاء كُتّاب في إسبانيا، قبل فترة طويلة، والتقينا مرات عديدة في بيروت وباريس. وفي باريس أجريتُ معه، وكان معنا الشاعر والأكاديمي كاظم جهاد، حوارًا طويلًا نُشر في صحيفة تركية كبرى، ولم يُتَرْجَم بعدُ إلى اللغة الفرنسية. وتضم إحدى كتبي حوارًا طويلا معه ولم يُترجم إلى الفرنسية. لقد اكتشفتُ شعره، لكن للأسف، ليس في اللغة العربية، لذا أحببت أن أضمّنه في كتابي الأخير، إذ كنتُ مدعوّاً في مدينة أصيلة المغربية للمشاركة في لقاء خاصّ حول منجزه. وقد بدأتُ، الآن، ومنذ أن كتبتُ روايتي "بنات الله"، أهتم بالشعر الجاهلي، وفي روايتي فصل عن الشاعر الجاهلي امرئ القيس. تعرفت أيضًا إلى أدونيس، وكذلك الروائي الجزائري عبد القادر الجميعي. باختصار، قرأتُ لكثير من المؤلفين المغاربيين الفرنكوفونيين، وأعترف أن لديّ نقص في قراءة الأدب العربي وسأحاول أن أسُدَّهُ.

* بما أنك تكتب بالفرنسية وكذا بعض الذين ذكرتهم، فهل توجد قرابةٌ ما أو تشابهٌ بين نصوص هؤلاء الكتّاب العرب الفرنكوفونيين وبين نصوصك؟

نعم، توحّدنا مواقفنا الرافضة لأشكال المُحافَظَة والمُكسِّرة للأيقونات والتي تسائل الدين. وكذلك العلاقات مع الأم ومع الجنس، أي الجنس المقموع. المرأة والجنس حاضران في نصوصي، لكنهما ليسا الوحيدين طبعًا. صحيح أن الإيروسية تهمني، وهي حاضرة في نصوصي، لكنها لا تحتلّ الحيّز كلّه. لقد قرأت ألف ليلة وليلة، وهو كتاب شرقي عظيم، ويندُرُ أن تجد كاتبًا شرقيًا لم يطلع عليه أو يتصفّح بعض صفحاته.

* مما لا ريب فيه أن لديك كتبًا جديدة وانشغالات فكرية وإبداعية.

نعم صدرت لي، قبل أيام، مجموعة قصصية جديدة "ملاعبات خطرة" (ébats dangereux)، وتباع بشكل لافت. أتطرّق فيها لتركيا الحديثة في ظل حكم حزب العدالة والتنمية، التي أصبحت، أكثر فأكثر، مُحافِظة. كما أنني، وفي إطار عملي في المركز الوطني للبحث العلمي، أشتغل على "صورة نبي الإسلام في الغرب"، انطلاقًا من القرون الوسطى. أي عن هذه الصورة السلبية التي استمرّت حتّى عصر الأنوار، ثم محاولة فهمه واعتباره وجهًا تاريخيًا كبيرًا. يتضمن هذا الكتاب، وهو باللغة الفرنسية، فصلًا بعنوان "مأساة فولتير"، وفصلًا آخر عن لامارتين، الذي كان أكثر عدلًا في مقاربته للأمر من مواطنه فولتير. ما يهمني هو مختلف المقاربات لنبي الإسلام. ثم أتناول الروايات، وهي نادرة في العالَم الإسلامي، لأنه لم تتمّ مقاربة النبي كشخصية روائية إلا قليلًا، مثلما فعل سليم باشي وإدريس شرايبي وسلمان رشدي. وبما أن مجموعتي الجديدة صدرت قبل أيام، فقد جئت إلى باريس لحضور حفل ليمانيتيه (La Fête de l'Humanité)، ثم أعود إلى إسطنبول. وبما أن كتابي الجديد يباع بشكل جيد في بلدي، قرّرت دار النشر وضع إعلانات عنه في الواجهات، إلا أن بلدية العاصمة، التابعة للحزب الحاكم، التي تؤجّر هذه الواجهات، رفضت السماح بنشر إعلانات عن كتابي الجديد. إنها رقابة. لقد أصبحت تركيا تتجه نحو المحافظة، وأنا أرى أن لا إبداع من دون حرية.


* أحد مؤلفاتك الذي يباع جيدًا في هذا المعرض، يتمحور حول التصوّف. أيمكن للتصوّف أن يَحُلّ قضايانا؟

التصوّف هو تيار في الإسلام متسامح، وقد كتبتُ عن الدراويش السبعة في تركيا. في الكتاب "سبعة دراويش؛ جغرافية الصوفية الأناضولية"، أتطرق لوُجوهٍ سامية من متصوفي الأناضول، كجلال الدين الرومي وفريد الدين العطار ومريديهما. ولا تنس أنه بفضل هؤلاء عرف الإسلامُ الموسيقى والشعر. ثم إن كتابي هذا عن التصوف، تُرجم إلى كثير من اللغات الأوروبية، وعرف نجاحًا في أوروبا، وهو ما يعني وجود نوع من الفضول المعرفي لدى هؤلاء الناس لمعرفة هذا الشكل المتسامح من الإسلام.

* ما الذي تعرفه عن العالم العربي؟ أزرت بلادنا؟

زرتُ كثيرا من الدول العربية، وخاصة دول المغرب العربي. وتحدثتُ عن تونس في كتاب رحلة، بعنوان "سراب الجنوب"، ثم لبنان، لأن فيه ناشري العربي وأحضُرُ معارض الكتاب فيه. وقد كتبت عن لبنان، وللأسف فما كتبته عن لبنان لم يترجم بعدُ إلى اللغة الفرنسية.

* نريد سؤالك عن التغيير الكبير الحاصل في منطقتنا العربية، فما رأيك في الربيع العربي؟

فشل الربيع العربي. لعلّه نجح فقط في تونس. انظر إلى حال ليبيا، أما سورية فَدَعْ عنك الحديث. لقد استقبلت تركيا ما يقارب مليوني لاجئ سوري، على هذا الصعيد فعلت تركيا ما يتوجب عليها أن تفعل، بينما تتبجح فرنسا باستقبال أربعة وعشرين ألف لاجئ.
مأساة سورية، وقد كنت في تركيا حين ظهرت صورة الطفل السوري عيلان، وقلت في التلفزيون التركي إن هذه الصورة ستغيّر المعادلة. في ما يخص السياسة التركية تجاه سورية، فقد كانت فشَلًا ذريعًا. إذ إن تركيا كانت تراهن، في البدء، على مغادرة فورية للأسد للحكم، الأمر الذي لم يحدث. وخلال فترة لاحقة ساعدت المتشدّدين بصورة غير مباشرة، وأخيرًا فتحت مطاراتها العسكرية أمام الطيران الأميركي. لم تكن سياسة تركيا فاشلة، فحسب، بل وكانت غامضة، وهو ما انتقدتُهُ مع كثير من الكُتّاب والمثقفين الأتراك. لكن ندمي الكبير أنني لم أزر سورية، كنت على وشك زيارة حلب، وعلى بعد بضع كيلومترات فحسب، إلا أن مانعًا حال دون ذلك، ما تسبب في عودتي إلى إسطنبول. أتمنى أن يعود السلام إلى سورية ويتسنى لي أن أزورها. فكما تعلم تذهب الصراعات.. تمرّ، والجيران يبقون.

المساهمون