نحو تعميق الإصلاح الاقتصادي

نحو تعميق الإصلاح الاقتصادي

16 مايو 2016
هبوط أسعار النفط عالمياً (ياسر الزيات/ فرانس برس)
+ الخط -

لم يكن مستغرباً في أن يتسبب انهيار النفط بإحداث صدمة هائلة للسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، نتيجة اعتمادها المفرط على النفط، بنسبة لا تقل عن 87% من عائداتها. فبعد أن كان سعر برميل خام برنت يعادل 115 دولاراً في يونيو / حزيران من العام 2014، هبط سعره إلى نحو 45 دولاراً بعد أقل من عامين، ما جعل هذه الدول تدرك أن هذا التراجع، على عكس التراجعات الماضية، لن يكون انتقالياً.

يعكس الوضع الجديد لأسواق النفط العالمية الكثير من الوقائع الجديدة، من بينها تراجع النمو الاقتصادي في الصين، وبالتالي، تراجع طلبها على النفط، وازدياد كفاءة استخدام الطاقة في العالم لأسباب ليس أقلها الالتزامات المعلنة خلال مؤتمر باريس الماضي بشأن تغير المناخ، والتأثير التدميري لاضطرابات أسواق الطاقة على صناعة الصخر الزيتي ومصادر الطاقة المتجددة التي تجعلها أقل قدرة على المنافسة. ومع عودة إيران وليبيا والعراق كمصدرين رئيسيين للنفط فإن انخفاض أسعار النفط يبدو لا مفر منه.
لا ينبغي على دول الخليج أن تدع هذه الأزمة تذهب هباء دون الاستفادة منها، حيث تشكل هذه الأزمة فرصة مثالية من أجل البدء بإصلاحات اقتصادية شاملة وبناء نموذج جديد للتنمية يكون قادراً على تحريرهم من الاعتماد على النفط والغاز. على المدى القصير، قد تُسهم الاحتياطات المالية للدول الخليجية الست، التي جمعتها من عائدات النفط الماضية، في تجنيبها تدهورا محتملا لاقتصاداتها. لكن على المدى الطويل، فإن إطلاق الإصلاحات الهيكلية، يجب أن يبقى محور اهتمام هذه الدول من أجل استقرار اقتصاداتها، وتحقيق نمو مستدام، واستغلال عادل لاحتياطاتها من النفط والغاز.
ولا يمكن تحقيق التنويع الاقتصادي إلا من خلال القيام بإجراءات فورية أهمها خفض تكاليف الحكومة، وإزالة العقبات التي تعيق القطاع الخاص، وإصلاح جذري لنظام الكفالة، الذي يراقب وينظم العمالة المهاجرة. ويتعين على الحكومات، أيضاً، تشريع الأطر القانونية والتنظيمية اللازمة للخصخصة وإقامة شراكات واسعة بين القطاعين العام والخاص في مجالات حيوية، مثل البنية التحتية والطاقة والصحة والتعليم والنقل والخدمات اللوجستية، على غرار ما فعلته الكويت ودبي، أخيراً، إضافة إلى تبنّي السعودية خططاً طموحة من أجل خصخصة مطاراتها في مدينتي جدة والدمام.

وفي حين تلعب الخصخصة والشراكة بين القطاعين العام والخاص دوراً محورياً في جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية الضخمة، فإن تشريع قوانين تسمح بالملكية الكاملة للشركات من قبل الأجانب وتقديم الحماية الملائمة لحقوقهم الملكية الخاصة سيكون له فائدة إضافية تتمثل في تشجيع المغتربين على الادخار والاستثمار محلياً.
كما يجب إيلاء الإصلاح المالي، أيضاً، أولوية كبيرة في دول يمثل الإنفاق الحكومي والإعانات غير المجدية نحو 9% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي (6% من الناتج المحلي الإجمالي). على سبيل المثال، أسهم دعم الطاقة، المنغرس في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي منذ عقود، على تشويه أنماط الاستهلاك والإنتاج لديها، وعمل على إجهاض جميع المحاولات الحكومية في التنويع الاقتصادي، ما زاد من قابلية تأثرها بأسعار الطاقة الدولية المتقلبة. لذلك، من شأن إلغاء دعم الطاقة تحفيز الاستثمار في كفاءة الطاقة والطاقة الشمسية وإحداث منافع بيئية وصحية كبيرة.
وبالمثل، إن سعي حكومات المنطقة لتطوير الخدمات التي تقدمها، بما في ذلك خدمات المياه والكهرباء والنقل، من حيث الكفاءة وعدالة تسعيرها سيساعدها على خلق وظائف جديدة من خلال ربط مخرجات التعليم باحتياجات سوق العمل. فبدلاً من أن يكون الإنفاق الحكومي مزاحماً للقطاع الخاص وطارداً له، فإن إنفاق الحكومة على تنمية البلاد من شأنه "حشد" القطاع الخاص لتحقيق ذات الهدف.

أخيراً، لا تُستكمل عملية الإصلاح الاقتصادي من دون السعي الجاد إلى تنويع الإيرادات الحكومية، فالنظام الضريبي السائد في منطقة الخليج لا يصلح لهذا الغرض، إذ لم يتجاوز متوسط الإيرادات الضريبية غير النفطية في المنطقة 2% فقط من الناتج المحلي الإجمالي في الفترة بين عام 2012 إلى عام 2014.
في هذا الصدد، تعتزم دول المجلس تشييد أنظمة ضريبية جديدة مطلع عام 2018، بما في ذلك إقرار ضريبة القيمة المضافة، وضريبة الشركات، والضرائب العقارية، والضرائب على الوقود والتبغ والكحول. ورغم أن استحداث ضريبة القيمة المضافة، بواقع 5%، سيسهم في رفع متواضع للإيرادات الضريبية غير النفطية من 1.6% إلى 2.1%، فقط من الناتج المحلي الإجمالي، فإن فرض ضريبة الكربون لكل ليتر بنزين قادر على توليد أكثر من 45 مليار دولار سنوياً كإيرادات إضافية للسعودية، ما يسهم في خفض العجز في ميزانيتها الذي سيبلغ هذا العام نحو 90 مليار دولار.
(خبير اقتصادي أردني)

المساهمون