نحو انتفاضة أكثر ذكاءً

نحو انتفاضة أكثر ذكاءً

12 ديسمبر 2017
+ الخط -
الانتفاضة التي دعت إليها حركة المقاومة الإسلامية، حماس، كانت المبادرة الحقيقية الوحيدة الأكثر أهميةً التي اتخذت على كل المستويات، الفلسطينية والعربية والإسلامية، تبعتها بدرجة أقل أهمية مبادرة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بقطع العلاقات الدبلوماسية مع "إسرائيل"، ثم توالت المبادرات الأقل شأناً على أهميتها، والتي توضع في خانة ردات الفعل التي عودتنا عليها شعوب الأمة بنزولها في تظاهراتٍ احتجاجيةٍ في الشوارع عدّة أيام، من دون أن تتخذ الحكومات أي مبادرةٍ لرد فعل حقيقي، يمكن أن يلفت نظر الإدارة الأميركية التي تتميز بكثير من الصلف والاستكبار لخطورة القرار المتهور الذي اتخذه ترامب بالاعتراف بالقدس كعاصمة أبدية "لإسرائيل".
قرأت المقاومة الفلسطينية التي تقودها حركة حماس المشهد مبكراً، وأدركت أهمية التقاط اللحظة لجهة إعادة بوصلة الأمة التائهة بين البنادق المتحاربة باتجاه القضية المركزية الأولى للمسلمين والعرب، وحتى للمسيحيين.
ليس غريباً أن يتحرك هؤلاء جميعاً في وقت متزامن، وبكلمة واحدة، ترفض قرار الاعتراف بالقدس عاصمة للعدو الصهيوني، كما ليس مستغرباً أن تساند بندقية المقاوم المتحفز في الثكنات انتفاضة الشعب الأعزل الذي يقاوم المحتل بالصدر العاري. الغريب هو أن يظهر الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، بخطاب باهت، من دون أي قرار بالتبرؤ من عار أوسلو ومن كل تبعاته، وأن يواصل رئيس المخابرات الفلسطينية، ماجد فرج، التعاون مع الاحتلال لإحباط الانتفاضة وقمع حتى حركات الاحتجاج السلمي بمزيد من الاعتقالات التعسفية التي لا تستثني أحداً.
وكي لا تصبح هذه الدعوة إلى إشعال الانتفاضة محصورة في الداخل الفلسطيني، وكي لا تبقى التظاهرات التي تعم الشارع العربي والإسلامي مجرد ثورة مؤقتة لتفريغ الغضب الذي يعتمل في الصدور، ثم يعود الجميع إلى حالة الاستكانة والعجز السابقة، حسبما تتوقع دوائر الاستخبارات الصهيوأميركية، فإن على دوائر التخطيط في قوى المقاومة العمل على استخلاص العبر من كل الانتفاضات والهبات الجماهيرية السابقة، بدءاً من انتفاضة 1929 مروراً بانتفاضة 1936 وانتفاضة البلديات 1976 وهبة 1982 وانتفاضة 1987 وهبة 1996 وليس انتهاءً بانتفاضة 2000 وهبة 2015، ووضع خطة متكاملة لتوظيف طاقات أبناء الأمة، وحتى طاقات الأحرار المناصرين للحق الفلسطيني حول العالم، خطة ذات جدول زمني محدد وأهداف وغايات محددة واقعية وقابلة للتحقيق، تأخذ بالاعتبار الوقائع على الأرض، وتمتاز بالجرأة والتوازن.
السلاح الذي يقتل به العرب والمسلمون بعضهم على مرمى حجر من فلسطين المحتلة، والصواريخ والطائرات التي يتقاذفونها في اليمن وسورية والعراق وليبيا، الأَوْلى أن تعمل المقاومة على تصحيح بوصلتها لكي تشير فقط إلى الكيان الصهيوني الغاصب، وكي لا يكتفي أبناء الأمة بالهاشتاغات والمنشورات والتغريدات عبر مواقع التواصل الاجتماعي فقط.
ليس عبثاً أن يعتبر بعضهم قرار ترامب فرصة من ذهب أمام كل من يحمل هم القضية الفلسطينية ليس لإجبار ترامب التراجع عن قراره فحسب، بل لتكف أميركا يدها عن مساعدة العدو الصهيوني في وجه المقاومة التي عليها الزحف لاقتلاعه من أرض الإسراء.
الشرق الأوسط من فلسطين حتى اليمن قابل للانفجار، وبات على المقاومة التقاط اللحظة وتوجيه هذا اللهب في وجه العدو الصهيوني وكل من يسانده.
لا يكفي أن تخرج كل الشعوب العربية والإسلامية في الشوارع رفضاً لقرار ترامب ما لم تنجح هذه الشعوب في طرد سفراء أميركا وقناصلها من بلاد العرب والمسلمين، وما لم تنجح هذه الشعوب في إغلاق المصالح والشركات والمؤسسات الأميركية من بلاد المسلمين، وما لم تنجح هذه الشعوب في مقاطعة أميركا سياسياً واقتصادياً وثقافياً، ومقاطعة كافة منتجاتها وإلغاء صفقات السلاح معها.
فلسطين ليست ملكاً لأي نظام عربي أو إسلامي ليمنحها على موائد البيت الأبيض في صفقات مشبوهة، كما لا يجب أن يكون الرئيس الكوري كيم جونغ أون الذي لا يعترف "بإسرائيل" أكثر وطنية وانتماء لقضايا الأمة من أبنائها.
9197D8CA-12AD-4FAB-B5E0-F801DF74A0B9
9197D8CA-12AD-4FAB-B5E0-F801DF74A0B9
عماد عفانة (فلسطين)
عماد عفانة (فلسطين)