نحن الذين تحبهم الشعوب وتحاربهم الحكومات

نحن الذين تحبهم الشعوب وتحاربهم الحكومات

20 مارس 2017
+ الخط -

من أبرز الأمور التي اخترت لأجلها الاستقرار في إسبانيا، أنها كانت تمثل لي في حينه "بلد الحريات"، فحلم كل مهاجرة أن تعيش في بلد تحترم مواطنيها وحقوقهم كافة، فنحن لا نهاجر إلا بحثاً عن الحرية وهرباً من انتهاك أبسط حقوقنا الإنسانية في بلادنا.

حقيقة أنني أحمل الجنسية الفلسطينية أيضاً، جعلتني ومنذ اليوم الأول لي في البلد الجديد، أشعر باحتضان هذا الشعب المتوسطي الجميل لقضيتنا وإيمانه بعدالتها. فتحت لي المدن الإسبانية أبوابها وكرّس المئات من الإسبان أوقاتهم للاستماع لما في جعبتي من قصص وأحاديث عن المرأة الفلسطينية، ولم يحدث ذلك لي وحدي، بل أيضاً للعديد من الفلسطينيين والفلسطينيات اللاتي اخترن الهجرة أو اللجوء في إسبانيا. لقاءات ونشاطات ومؤتمرات عديدة على مدار السنوات الست الماضية، كلها تهدف إلى مناصرة الشعب الفلسطيني وتمكين الحركات المدافعة عن حقوقه. 

خلال الشهر الماضي فقط وفي مختلف المدن الإسبانية، أقيم العديد من النشاطات الخاصة بدعم حركة المقاومة السلمية في فلسطين والحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل. كانت باكورتها "المنتدى الباسكي لتعزيز المبادرات المؤسسية في الدفاع عن حقوق الإنسان في فلسطين"، في إقليم الباسك المشهور تاريخياً بدعمه للقضية الفلسطينية وتحديداً في مدينة سان سيباستيان.

حضر هذا المنتدى، ما يزيد على 150 من الناشطين الإسبان من كافة المقاطعات والمدن الإسبانية، الرافضين للاحتلال الإسرائيلي في فلسطين والداعمين للحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل، وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها.

قدموا من الأندلس وأستورياس، ومدريد، وفالنسيا ، وكاتالونيا، وأراغون، وجزر الكناري، وكاستيون، وكانتابريا وغيرها، ومن خلفيات متنوعة وألوان سياسية عدة، كلهم اجتمعوا تحت هدف واحد: مناصرة القضية الفلسطينية.

هؤلاء الناشطون والناشطات الإسبان، هم السبب الرئيسي للنجاحات المختلفة لحركة المقاطعة في إسبانيا، إذ يوجد حالياً أكثر من 60 مقاطعة وبلدية في إسبانيا، تعلن وبشكل رسمي عن تبنيها لمقاطعة إسرائيل. لكن نجاحات حركة المقاطعة الـ BDS في إسبانيا، باتت تخيف اللوبي الصهيوني ذا التأثير القوي على اقتصاد البلد وسياساته. 

مؤخراً في مدريد، كان الحدث الأبرز هو اعتذار "البيت العربي"، وهي المؤسسة الثقافية العربية الأهم في المدينة، عن استضافة المؤتمر الذي أعدته اللجنة العالمية للدفاع عن حقوق الإنسان الفلسطيني، حيث قرر "البيت العربي" إلغاء المؤتمر قبل خمسة أيام فقط من موعده المعلن، إثر الضغوطات السياسية التي تعرضت لها إدارته.

أسباب إلغاء النشاط الخاص بدعم الشعب الفلسطيني لم تعلن بشكل واضح، لكن الهجوم الذي تعرض له الناشط الفلسطيني منذر عمايرة وهو أحد المشاركين في المؤتمر، من قبل منظمات صهيونية في إسبانيا بسبب نشاطه السياسي ودفاعه عن حقوق الشعب الفلسطيني، قد مكننا من استشفاف سبب المنع، والتأكد بأن هذه المنظمات الصهيونية قد تمكنت فعلاً من نقل هذا الخوف إلى "البيت العربي" وإدارته.

مؤخراً أيضاً، انتشرت في الصحف الإسبانية أخبار تتحدث عن أن بعض الناشطين في إسبانيا سيواجهون تهماً جنائية قد تصل حتى السجن الفعلي لأربع سنوات، بسبب دعوتهم قبل عامين مهرجان موسيقى الريغي المشهور"روتوتوم"، لإلغاء حفل المغني الأميركي – اليهودي "متسياهو"، المعروف باستخدام شهرته لجمع التبرعات للجيش الإسرائيلي، ودعم القضايا المعادية للفلسطينيين. 

لقد شاركت في هذا المهرجان شخصياً، كمترجمة لناشط حقوقي وصحافي عربي مشارك في المنتدى المقام على هامش المهرجان، وعند سؤالنا في حينه عن ماهية قرار إدارة المهرجان اتجاه مشاركة "متسياهو"، أُخبرنا بأن المشاركة قد ألغيت وأن المهرجان يتبنى المقاطعة الثقافية لكل من يروج لأفكار العنف والحرب كما يفعل وبشكل علني المغني الصهيوني.

ولكننا فوجئنا جميعاً، في اليوم التالي بإلغاء المهرجان لقراره الأول، وباستمرار مشاركة متسياهو بحفله الغنائي، تحت تعرض إدارة المهرجان لضغوطات شتى من اللوبي الصهيوني في إسبانيا. 

لا يوجد أدنى شك في مناصرة الشعب الإسباني لقضيتنا الفلسطينية، لكنهم وبجملة ما يحدث في هذا العالم من تخبط وانهيار في الأخلاق ومعايير الإنسانية، أصبحوا مثلنا، عرضة لانتهاك حقوقهم الأساسية كحقهم في التعبيرعن رأيهم وتضامنهم مع شعوب العالم المضطهدة.

تتجه إسبانيا اليوم نحو تكوين موقف ذي طابع سياسي جديد، ضد حرية التعبير الشرعية والقانونية التي تحاول إظهار الانتهاك المنهجي لحقوق الإنسان الفلسطيني، فإلى متى ستبقى تحاربنا الحكومات، نحن الفلسطينيون المنتشرون رغماً عنا في شتى بقاع المعمورة! 

AA30BD53-ED7B-4049-891A-C1957638BDF0
ميساء حجاج

باحثة وناشطة نسوية ولدت ونشأت في فلسطين، وتقيم حالياً في إسبانيا. ومرشحة لنيل لقب الدكتوارة في الدراسات النسوية والجندرية من جامعة مدريد.

مدونات أخرى