نجيب محفوظ.. أوبرا الحكايات ومقهى الحكي

نجيب محفوظ.. أوبرا الحكايات ومقهى الحكي

09 ديسمبر 2014
+ الخط -

دخل الأستاذ الجامعي قاعة المحاضرات منتشياً، ومستشعراً بالفخر الشديد، وهو يتأبط تحت ذراعه الأيمن رواية بداية ونهاية للأديب العالمي نجيب محفوظ، وبمجرد جلوسه على مقعده الساكن والساكت كقلبه، بدأ يعلن عن أدب نجيب محفوظ، بوصفه نموذجاً للرواية الواقعية وفي الولايات المتحدة الأميركية، يسمون هذا النوع من الأدب بالأدب النقدي الاجتماعي، ويبدو أن طالباً نابهاً، تنبه لخطأ الأستاذ المعتاد، نتيجة ما تعانيه المؤسسات الجامعية، من ترهل أكاديمي، وتورم في الدراسات المكتبية والمتحفية، إن جاز لنا التعبير، وأشار رافعاً يده طلباً للمداخلة، وكعادة الأستاذ الجامعي في مصر، والذي نادراً ما يتسم بالتسامح واتساع الأفق، نتيجة التربية الأكاديمية التي ترعرع في كنفها، أذن له بالمداخلة على امتعاض واحتقان لم يبنه للطلاب.

ولم يزد الطالب حديثاً سوى أنه قال إن نجيب محفوظ هو رائد الرواية التاريخية، بدليل رواياته الثلاث: عبث الأقدار، ورادوبيس، وكفاح طيبة، وليست روايات بداية ونهاية والقاهرة الجديدة والسراب والثلاثية الشهيرة، هي دليل كونه أنموذجاً للرواية الواقعية. ويبدو أن طالباً آخر قد استدرك ما فات الأستاذ والطالب في قصرهما الواقعية والتاريخية كنمطين روائيين لنجيب محفوظ، ولربما أنه لم يدرك المكان المتحفي الذي يجلس فيه، وهو قاعة المحاضرات الصامتة فتكلم بغير إذن أو إيذان، فقال: يا أستاذ إن نجيب محفوظ هو رائد الأدب الرمزي والرواية الرمزية القائمة على التأمل، وخير دليل على ذلك رواياته الطريق، والسمان والخريف، وميرامار، والحرافيش. وقام طالب آخر، وقال أظن أن نجيب محفوظ هو رائد رواية البوح الصوفي بدليل أصداء السيرة الذاتية، وأحلام فترة النقاهة.

لكن، الحقيقة أن أدب نجيب محفوظ الروائي يمثل أوبرا الحكايات ومقهى الشعب ومن الصعب محاولة تصنيفه وفق هوس وهوى النقاد بحمّى التصنيف وقولبة الإبداع، فأنت أمام عالم مزدحم بغير ملل، أو صخب حكائي بالأحداث والوقائع الجدلية، هذه الأحداث، وإن بدت بسيطة في بعض الأحايين، إلا أن كل حدث منها يفجر طاقات من الأسئلة المثيرة التي تستدعي التفكير، ولا تجعل العقل بمأمن عن التأويل والتفسير. حقاً مجموعة ضخمة من الأعمال الروائية تمثل مغارة من الأسئلة التي يصعب تصنيف كاتبها تحت مظلة قاصرة مانعة، لذا فنجيب محفوظ هو بحق مزار سياحي يستقطب المعارضين قبل المؤيدين، وهو مؤسسة شعبية أدبية، تنصر بداخلها التيارات الأدبية بغير انحناء أو محاولة انهزام داخلية. وإذا كانت روايات نجيب محفوظ قد حققت، ولا تزال، الشهرة والصيت وبلوغ المأرب، من حيث جودتها، ورصانتها وإثارتها لأسئلة سابرة تغوص في المجتمع، فإن عميد الرواية العربية، نجيب محفوظ، يشبه الحكاية، بل قلما نجد أديباً صار الاهتمام بشخصه مثل الوعي بأعماله وهذا تحقق بالفعل لنجيب محفوظ كما تحقق لكتاب آخرين مثل ماركيز، وسارتر، وإليوت، وصامويل بيكيت.

avata
avata
بليغ حمدي إسماعيل (مصر)
بليغ حمدي إسماعيل (مصر)