نادي الأسير: المحطة الأخيرة لتحلل السلطة من مخصصات الأسرى

نادي الأسير: المحطة الأخيرة لتحلل السلطة الفلسطينية من مخصصات الأسرى

03 ديسمبر 2018
الصراع على ملف الأسرى وصل مرحلة متقدمة(جعفر إشتيه/فرانس برس)
+ الخط -

وصل الصراع على احتواء نادي الأسير الفلسطيني، ضمن التنافس المحموم للسيطرة على ملف الأسرى بشكل كامل، إلى مرحلة متقدمة، عبر العمل على تغيير مهام النادي الأصلية، وإعادة تشكيل مجلس إدارته بقرار سياسي. وتأتي هذه الخطوات ضمن صراع متواصل داخل حركة "فتح" منذ إضراب الأسرى عن الطعام العام الماضي، إذ بدأ التضييق على النادي منذ ذلك الحين، وتواصلت خطوات التضييق عليه عبر سياسة خنق مالي مُحكمة بتجميد موازنته، وقرار بإعادة هيكلة للنادي، هدفها تغيير موازين القوى الحالية وإبعاد قيادات من أسرى فتحاويين محررين، مقربين من القيادي الفتحاوي الأسير مروان البرغوثي عن واجهة العمل مع الأسرى، لدواعي ترتيب المرحلة المقبلة والسيطرة على قرارات الأسرى داخل المعتقلات الإسرائيلية.

ويبدو الأخطر مما سبق أن الإجراءات المخطط تنفيذها تهدف إلى التحلل من الالتزامات المالية من قبل السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، ووضع هذه الأعباء المالية ضمن المهام الجديدة لنادي الأسير، ما يرفع منسوب الخوف من قيام الاحتلال بإغلاقه، وقطع مخصصات الأسرى، مستقبلاً أمر وارد، ما يعني التخلص من النادي ومخصصات الأسرى بضربة واحدة. وأكدت مصادر، لـ"العربي الجديد"، أن هناك عملاً دؤوباً من قبل أمين سر اللجنة التنفيذية لحركة "فتح"، جبريل الرجوب، بهدف استبعاد رئيس النادي، قدورة فارس، المعروف بقربه من مروان البرغوثي، وإعادة هيكلة النادي من دون انتخابات، رغم أنه مسجل كجمعية منذ العام 1993 تخضع لانتخابات هيئتها العامة كل عامين، وليس مؤسسة حكومية. وأضافت المصادر أن "سياسة الخنق المالي تتواصل، عبر تجميد ميزانية نادي الأسير، وعدم صرف المكافآت المالية لنحو 27 محامياً وأكثر من 22 إدارياً يعملون في عشرة فروع للنادي، منتشرة في جميع مدن الضفة الغربية والقدس" المحتلة.

ورغم أن نادي الأسير مرخص كجمعية، إلا أنه يحصل على مخصصاته المالية من وزارة الأسرى بقيمة تشغيلية تصل إلى 20 ألف دولار شهرياً، ولديه وحدة قانونية، يقوم المحامون فيها بزيارة الأسرى والتواصل معهم وتمثيلهم أمام محاكم الاحتلال، وتنفيذ فعاليات ميدانية وإعلامية للأسرى وذويهم. وقالت المصادر إن الصراع على إحكام القبضة على ملف الأسرى وصل إلى مرحلة متقدمة عبر إعادة توزيع المهام بين هيئة الأسرى والمحررين ونادي الأسير بشكل قسري، كما يظهر ذلك في كتاب رسمي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، موجه من الرجوب إلى رئيس الوزراء، رامي الحمد الله، في 20 نوفمبر/تشرين الثاني، وتم التأشير بالموافقة عليه من قبل الحمد الله.

وجاء في الكتاب أن الإجراءات المقبلة ستكون كالتالي:
1 - تحديد مسؤولة هيئة شؤون الأسرى والمحررين في رعاية ومتابعة أوضاع الأسرى وأسرهم في كافة النواحي فور اعتقالهم وحتى تحريرهم، ومسؤولية نادي الأسير تبدأ فور تحرير الأسير، لمواجهة التحديات وفتح الآفاق للانخراط في الحياة العامة وفق الأنظمة والقوانين وتقاليدنا التي ترى في الأسرى حالة نضالية وطنية تحظى بأولوية الرعاية والاهتمام كاستحقاق وطني، وذلك من خلال مؤسسات الدولة والمنظمة ويتم تحديد المسؤوليات بقانون.
2 - يكلف عبد الله زغاري برئاسة مجلس إدارة نادي الأسير لمدة أقصاها عام، ويتم تشكيل مجلس إدارة من الوطن، والمحافظات الشمالية والجنوبية والقدس والشتات، على ألا يتجاوز عدد الأعضاء فيه 11 عضواً.
3 ـ يتم تثبيت نادي الأسير كأحد أذرع هيئة الأسرى في حدود المسؤوليات المحددة أعلاه.
4 - تتحمل هيئة الأسرى كافة الالتزامات المالية والإدارية إلى تاريخ 31 ديسمبر/كانون الأول الحالي، على أن يتم إغلاق هذا الملف وتفعيله من 1 يناير/كانون الثاني وفق الرؤية المذكورة في البند رقم 1، أي تحديد المسؤوليات وفصلها، وإنهاء كافة مظاهر الازدواجية والتعارضات في أداء المهام.
5 - تقوم هيئة الأسرى والمحررين بالعمل على استيعاب كافة الأطر الرسمية المتطوعة في العمل لصالح قطاع الأسرى والمحررين.
ورأت المصادر أن الخطورة في الإجراءات الجديدة تكمن في نقل جزء كبير من حقوق الأسرى المالية إلى نادي الأسير، مثل منحة الإفراج، والراتب المقطوع لمن اعتقل أكثر من 5 سنوات، والراتب المقطوع لمن اعتقل أكثر من 10 سنوات، والتأمين الصحي والتأهيل والاتفاقيات مع الجامعات، أي أن الأعباء المالية ستكون من نصيب نادي الأسير، فيما تبقى مهام "الكانتين"، أي مخصصات الأسير من المواد الغذائية داخل المعتقل، والمهام القانونية فقط لدى الهيئة، أي بعبارة أخرى أن "يستلم نادي الأسير الأسرى منذ لحظة حصولهم على حريتهم، والهيئة تستلم الأسير منذ لحظة دخوله إلى السجن".

وحسب ما رشح من مخاوف فإن الخطورة تكمن في إمكانية إغلاق الاحتلال لنادي الأسير في أية لحظة، بحجة دعم الأسرى، خصوصاً أنه لا يملك أي حصانة سياسية عبر اتفاقيات مثل أوسلو، كما هو الأمر مع منظمة التحرير أو السلطة الفلسطينية المنبثقة عنها. وقالت المصادر إن "هذه خطوة أولى نحو تحلل منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية من الأعباء المالية للأسرى، وإلقائها على كاهل نادي الأسير، وهو جمعية وليس وزارة أو دائرة في منظمة التحرير، ولا يحظى بحصانة من الاتفاقيات الموقعة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي". وأبرز ما قد ينتج عن الاجراءات الجديدة هو استلام نادي الأسير الأسرى منذ لحظة حصولهم على حريتهم، فيما الهيئة تستلم الأسير منذ لحظة دخوله إلى السجن، وقد يترتب على ذلك عدم تواصل بين نادي الأسير وقيادات الأسرى داخل المعتقلات، أي إبعاد النادي عن التواصل مع قيادات الأسرى من جهة، وتغييبه عن أي فعاليات شعبية تُنظم على الأرض، وتتطلب تحشيداً جماهيرياً كما كان الأمر مع إضراب الأسرى العام الماضي، ما يؤدي إلى تهميشه وخلق قناة تواصل واحدة مع الأسرى، هي هيئة الأسرى، والتي تتم التعيينات فيها حسب قرار رسمي.

يذكر أن الترتيب الجديد للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ألغى دائرة الشهداء والجرحى والأسرى، وأصبح هذا الملف ملحقاً بأمين سر اللجنة التنفيذية دون دائرة مختصة كما جرت العادة طيلة العقود الماضية، وذلك حسب بيان أمين سر اللجنة التنفيذية، صائب عريقات، في الأول من أغسطس/آب الماضي. وهناك سعي لترتيب ملف الأسرى، بعد إضراب الأسرى الذي قادته قيادات فتحاوية في سجون الاحتلال، أبرزها مروان البرغوثي وناصر عويص، إذ تم تعليق الإضراب في 27 مايو/أيار العام الماضي بعد 41 يوماً من الإضراب المفتوح عن الطعام. وكان الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، اتهم، في ذلك الحين، الأسرى ونادي الأسير بتدبير مؤامرة للانقلاب عليه. وبعد أشهر طويلة من إجراءات التضييق على نادي الأسير لاستبدال قيادته وتغيير مهامه، تمت إقالة وزير الأسرى عيسى قراقع في 3 أغسطس/آب الماضي، واستبداله بقدري أبو بكر، اللواء السابق في جهاز الأمن الوقائي الذي كان يترأسه الرجوب، وتم استكمال هذه الخطوات حالياً بكتاب رسمي لتغيير جوهري في مهام وبنية نادي الأسير. وكانت المحامية وعضو المجلس الثوري لحركة "فتح"، فدوى البرغوثي، اتهمت جبريل الرجوب، خلال اجتماع المجلس الثوري لـ"فتح"، في 7 أغسطس، بأنه" تآمر على إضراب الأسرى".

وفي الوقت الذي رفض فيه رئيس نادي الأسير القيادي الفتحاوي قدورة فارس التعليق على ما يجري، أكد رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين، اللواء قدري أبو بكر، أنه تم حل مشكلة عدم دفع المكافآت المالية لنحو 27 محامياً في نادي الأسير منذ يوليو/تموز الماضي فضلاً عن حل موضوع عدم دفع رواتب الإداريين في النادي منذ ثلاثة شهور. وقال أبو بكر، لـ"العربي الجديد"، "كان هناك مشكلة وقد تم حلها منذ يومين، ومع بداية السنة الجديدة سيحصل المحامون وموظفو العقود على مستحقاتهم بأثر رجعي". وحول ما جاء في الكتاب من نقل للمهام من هيئة شؤون الأسرى والمحررين إلى نادي الأسير، قال أبو بكر "هذه ترتيبات داخلية. هيئة الأسرى ونادي الأسير يكملان بعضهما. يوجد موظفون في الهيئة والنادي، ونريد وضع ترتيبات لهم من أجل الهيكلية، وهذا الأمر لصالح الموظفين". وأضاف "لا يوجد تغيير مهام، بل توضيح مهام، وجرى تشكيل لجنة بعنوان لجنة تقييم وتصويب الوضع وتحديد الصلاحيات ما بين الهيئة والنادي، من أجل مناقشة هذا الأمر، وسقفها الزمني لإنهاء عملها وتقديم توصياتها نهاية العام الحالي". ورفض أبو بكر الكشف عن أعضاء هذه اللجنة باعتبار أنه "أمر داخلي".

المساهمون