ناجي العلي كصانع للشخصيات المفهومية

ناجي العلي كصانع للشخصيات المفهومية

29 اغسطس 2020
من معرض لناجي العلي في مركز "والوني بروكسل" بباريس عام 2008
+ الخط -

وضع الثنائي الفرنسي جيل دولوز وفيليكس غاتاري مصطلح الشخصية المفهومية للتعبير عن وضعية يقوم فيها المفكّر بنقل تصوّر ذهنيّ ما عبر شخصية متخيّلة أو شبه متخيّلة، من ذلك زارادشت لدى نيتشه، وسقراط لدى أفلاطون. وخارج المدوّنة الفلسفية، سرعان ما جرى الانتباه إلى أن دونكيشوت أو أيّ فرد من أسرة كارامازوف هي شخصيات مفهومية بامتياز.

لو بحثنا في ثقافتنا العربية عمّن يمكن تحويله إلى شخصية مفهومية سنجد من بينها بلا شكّ شخصية حنظلة لـ ناجي العلي، على الرغم من أننا لا نرى إلا قفا هذه الشخصية - لا وجهها - ولم تنطق إلا نادراً. وها أنها حملت وتحمل معاني المقاومة والبراءة وعدم الرضا، وتنتقل إلى خارج رسومات العلي إلى أعمال كثير من الكاريكاتوريين بعده وتظهر في جداريات وتتحوّل إلى قلائد، وقبل ذلك تتنقل بحرية وخفّة بين العقول والضمائر.

ليس حنظلة الشخصيةَ المفاهيمية الوحيدة في أعمال ناجي، إذ حضرت في رسوماته شخصيات أخرى متنوّعة المدلولات تعيد محاكاة الواقع العربي بعناصر بصرية شبه ثابتة وكأنها أبجدية لها ترتيب معروف. 

لو بحثنا في ثقافتنا العربية عمّن يمكن تحويله إلى شخصية مفهومية سنجد من بينها بلا شكّ شخصية حنظلة

من زاوية القدرة على خلق الشخصيات المفهومية، يُمكن اعتبار "مدوّنة" العلي من أثرى ما نعرف في ثقافتنا العربية، أدرج في ذلك الكتابات الفكرية التي يفترض أن تكون الفضاء الأساسي صناعة الشخصيات المفهومية. فمع حنظلة، اقترح الفنان الفلسطيني منظومة علاقات يمكن قراءتها ضمن ما يُعرف في الدراسات السردية الحديثة بـ"الأنموذج الفاعلي" Schéma actantiel، حيث يقف حنظلة في مواجهة شخصيات نقيضة أشهرها تلك الكائنات الرخوة التي ترمز إلى أبناء أمّته الذاهبين مذهباً آخر في تعاملهم مع العدوّ المشترك الذي يظهر في رسومات العلي في شكل جندي يغطس رأسه في خوذته وأنفه أقرب إلى شكل سكّين في حدّة هي النقيض الموضوعي لتلك الرخاوة لدى الشخصيات السابقة.

تظهر أيضاً في الرسوم الكاريكاتورية شخصيات مساندة - والعبارة من الجهاز المفاهيمي لنظرية "الأنموذج الفاعلي" - منها الكهل الفلسطيني بملامحه الحزينة وفقره الظاهر، وامرأة - أيقونة تجسّد غالباً دور أرملة أو أم شهيد، وبنت صغيرة تُحضر معها الحجارة بشكل شبه ثابت. 

هناك سؤال ضمنيّ تطرحه كل أعمال العلي، وتفرضه الوضعية الجسدية التي يتّخذها حنظلة: أي موقع للمتلقّي في ذلك المشهد وهو يشارك الطفل الفلسطيني نفس مجال نظره بحكم الوضعية التي اقترحها العلي؟ وبشكل أوسع، أي موقع لهذا المتلقّي ضمن "الأنموذج الفاعلي" أي ضمن شبكة الشخصيات المفهومية؛ المساندة والمعطّلة؟ سؤال يُطرَح اليوم بقوّة مع المنعطفات التي تُقاد إليها القضية الفلسطينية.

المساهمون