مُلصقات الثورة

مُلصقات الثورة

20 اغسطس 2015
ملصقات "25 | ي ن ا ي ر"(مواقع التواصل)
+ الخط -
اندلاع ثوره الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني، كان بعد فتره وجيزة من تغيير أرقام لوحات السيارات في القاهرة الكبرى، تلك القضيه التي تم تقديم كل من أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق واللواء حبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق المسؤولين إبان فتره حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك للمحاكمة بتهم الفساد المالي، ثم قامت المحكمه بتبرئتهم مما نُسب إليهم.
نظراً لأن البعض يجيد استغلال الفرص، قام أحدهم بعمل مُلصقات مكتوب عليها "25 | ي ن ا ي ر" على هيئه الأرقام الجديده لتعريف السيارات، سرعان ما انتشرت تلك المُلصقات على أبواب المنازل وفى المكاتب، على زجاج السيارات وواجهات المحلات، نوعاً من إعلان الدعم والتأييد أو حتى التعاطف.


مرت السنوات وتغيرت الأوضاع وتحول ذلك المُلصق إلى ذكريات، قد يحالفك الحظ فتجد أثاراً له متواجدة في أحد الأماكن، مكشوطاً، مشوهاً، ممسوحاً بفعل الشمس أو بفعل فاعل.
منذ فتره توجهت إلى إحدى المكتبات فى منطقة شعبية لشراء شيء ما ثم وجدت ذلك المُلصق كاملاً، موجوداً في مكان بارز وواضح للجميع. أثار فى نفسي وجوده بعض الذكريات، وتحركت بداخلي الأحاسيس المتعلقة بالثورة وأيامها التى وّلت، أثارني الفضول لأسأل العجوز القابع بداخل المكتبة عما إذا كان مازال محتفظاً به عن اقتناع أو عن عدم مبالاة لوجوده في ذلك المكان وبتلك الحالة، فقد بدا لي جديداً أو موجوداً منذ فترة قصيرة.

بعدما طلبت منه ما كنت أبحث عنه سألته عن سر ذلك المُلصق فقلت له "يبدو أن هذا المُلصق حديث من أين جئت به"؟!.. رفع نظارته القديمة بسبابته، تفحصني جيداً كأنه تحول فجأة إلى جهاز كشف الكذب، أمعن في النظر ثم تركني للحظات، دلف إلى مكتبته القديمة وفتش في بعض الرفوف وخرج إلي حاملاً العديد من تلك المُلصقات، انتابتني حالة من الذهول لاحتفاظه بهذا الكم منها، تشجعت و أكملت حديثي معه "هل أنت من مُناصري يناير، أم أنك احتفظت بها كنوع من الأشياء التى تتاجر بها فى مكتبتك؟"، ابتسم ابتسامة خفيفة تُفصح أكثر مما تُخفي ثم قال: "كنت أعرف ما سيحدث لذلك احتفظت به"، وقع رده على مسامعي كالماء البارد فى نهار يوم شديد الحرارة، زاغت عيني مرة أخرى على المُلصق حديث العهد ودارت في ذهني الكثير من الأسئلة وأفصحت عيناي عما بداخلي فباغتني واستكمل حديثه، "قطعاً يدور فى رأسك العديد من الأسئلة.. فأجبته بالطبع هناك الكثير أود أن أسأل عنه، لكن كيف لك أن تعرف؟ ولماذا احتفظت بها!".

أجاب: "القراءة يا بني هي حل اللغز، مع الأسف أصبحنا لا نفتش فى الكتب كما كنا سابقاً، من يقرأ عن الماضي يرى المُستقبل واضحاً أمام عينيه فالتاريخ يعيد نفسه مرات ومرات، هذا المُلصق الذي تراه سوف يصبح جزءاً من التاريخ فقط لاحتفاظي به حتى بعد أن تبدلت الأحوال، أصابتني شيخوخة الجسد لكن شيخوخة العقل لم تقترب مني، سوف أعطي تلك المُلصقات إلى أحفادي وأحدثهم أن ثورة عظيمة قامت فة تلك البلاد فتكالب عليها الجميع، أوسعوها ضرباً وتخويناً واستغلالاً ثم اتهموها بالعمالة، لكنها كانت ثورة حقيقية نادت بالحرية للجميع على اختلاف توجهاتهم".

هكذا أنهى العجوز حديثه المُقتضب معي، أخذت الأشياء التي جئت في طلبها ورحلت، تركته خلفي، لكن حديثه ظل يتردد على مسامعي دائماً.. اقرأوا ودوّنوا حتى لا يُمحى تاريخكم الذي صنعتموه وتصنعونه بدمائكم.

(مصر)

المساهمون