مَن يَصُد تسونامي العنصرية؟

مَن يَصُد تسونامي العنصرية؟

19 يوليو 2019
+ الخط -
كأنه تسونامي من العنصرية يجتاح العالم، من واشنطن في طرف العالم البعيد، إلى لندن، وصولاً إلى بيروت. أمواج عاتية وعالية من العنصرية تطيح أعلى قيم التسامح والتعايش التي مات لأجلها مارتن لوثر كينغ، صاحب مقولة "علينا أن نتعلم العيش معاً كإخوة، أو الفناء معاً كأغبياء".
الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يهاجم، بعنصرية وقحة، سيدات عضوات في كونغرس بلدهن، مُنتخبات من ملايين الأميركيين، قائلاً إن عليهن "العودة والمساعدة في إصلاح الخراب في بلادهن التي أتين منها". وعندما تعلو الأصوات داخل المؤسسات الأميركية، مستنكرة عنصريته، يكابر، ويدافع ويناطح، رافضاً الاعتذار عن خطيئة اقترفها بحق أربع مواطنات، نائبات، منتخبات، ثلاث منهن ولدن في الولايات المتحدة، والرابعة (إلهان عمر) ابنة مهاجر صومالي، ترك وطنه مُكرهاً، بخلاف جد ترامب الذي ترك وطنه ألمانيا وهاجر إلى الولايات المتحدة لاهثًا وراء الحلم الأميركي.
ليست عنصرية ترامب زلّة لسان، بل مُستفحلة في جينات الرجل، وموروثة أباً عن جد. ظهرت بدايةً خلال الحملات الانتخابية، عندما هاجم الرئيس السابق باراك أوباما ذا الأصول الأفريقية، وشكك في أميركية الرجل، وطالبه بعرض شهادة ميلاده. وطاولت عنصرية ترامب المهاجرين من أصول مكسيكية، وغيرهم، زاعماً أنهم "يأتون بالمخدرات، يأتون بالجريمة، وأنهم مغتصبون"، وذهب إلى حد القول: "لن تصدّقوا كم أنّ هؤلاء الناس أشرار، ليسوا بشراً، إنهم حيوانات.. لماذا يأتينا كل هؤلاء الأشخاص من دول حثالة". ناهيك عن تطاوله المستمر على دول عربية وإسلامية، وإهانة زعماء عرب ومسلمين. حتى حاضرة الفاتيكان لم تسلم من لسانه السليط.
على الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي، يترقب الناس، بقلق بالغ، احتمال فوز وزير الخارجية البريطاني الأسبق، بوريس جونسون، بزعامة حزب المحافظين وتولي رئاسة الحكومة في لندن، خلفاً لتيريزا ماي. في الرجلين، ترامب وجونسون، خصال شخصية كثيرة مشتركة. بعيداً عن التشابه في مظهر الشعر الأصفر "المنكوش"، والبشرة الحمراء، يتقاسمان فقر الكياسة ووفرة العنصرية مع طول اللسان الذي لا يعرف حُرمةً ولا حدوداً. ويشبه جونسون الذي سبق له التمتع بالجنسية الأميركية، الرئيس ترامب بشخصيته الشعبوية، وميله إلى الاستعراض التلقائي، مع نزوعٍ إلى المشاكسة مع حلفائه قبل خصومه. ناهيك عن إعجاب الرجلين بالصهيونية، أبشع الحركات العنصرية في التاريخ المعاصر.
بالتزامن والتناغم مع تصريحات ترامب العنصرية ضد النائبات الأربع، كتب جونسون مقالاً لا يقل عنصرية عن نعيق (لا تغريد) ترامب، زاعماً إن الإسلام أرجع العالم قروناً إلى الوراء. وقد سبق لجونسون أن هاجم كذلك موقف الرئيس الأميركي، باراك أوباما، من مسألة استفتاء "بريكست"، فقد كتب، بعنصرية فصيحةٍ، أن "التراث الكيني في شخصية أوباما عزّز مشاعره المعادية لبريطانيا"، مضيفاً أن "الرئيس نصف الكيني يكن كراهية للإمبراطورية البريطانية". وخلال معركة "بريكست"، هاجم جونسون قادة الاتحاد الأوروبي، وقال إن مساعيهم لبناء "دولة أوروبا الكبرى" لا تختلف عن مساعي الزعيم النازي أدولف هتلر والزعيم الفرنسي نابوليون بونابرت في توحيد أوروبا بالقوة. وكتب جونسون، المتحدر من أصول تركية، قصيدة هجاء في الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان. وذمَّ في أخرى هيلاري كلينتون، التي "تملك شعراً أشقر، وشفاها منتفخة، وعيوناً زرقاء، كأنها ممرضة سادية في مشفى للأمراض العقلية"، على حد وصفه. وشبّه جونسون الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بشخصية "دوبى قزم المنزل" في مسلسل هاري بوتر، وقال "مع أنه يبدو صغيراً مثل دوبى، إلا أنه طاغية لا يرحم". حتى تيريزا ماي لم تسلم من فظاظة جونسون، عندما قال لسفراء أجانب إنها مُنفتحة على الثقافات العالمية، بدليل أنها ترتدي سروالاً ألمانياً.
يقطع تسونامي العنصرية المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، ليصل إلى بيروت، حيث تتعالى أمواج الكراهية ضد اللاجئين السوريين والفلسطينيين، وتقام محاكم التفتيش للتدقيق في جينات البشر، وقياس منسوب "اللبنانية" في عروق الناس وأعراقها، مع إسقاطٍ مُجحف لإنسانية لبنان وعراقته.
AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.