ميهوبي... ابن النظام الجزائري الساعي للرئاسة

ميهوبي... ابن النظام الجزائري الساعي للرئاسة

24 نوفمبر 2019
ميهوبي لم يكن خارج النظام يوماً(بلال بن سالم/Getty)
+ الخط -


يقدّم المرشح الرئاسي في الجزائر عز الدين ميهوبي نفسه على أنه المثقف الطامح إلى الرئاسة، ويعتبر أن مثله الأول في هذا السياق الزعيم البوسني علي عزت بيغوفيتش، المثقف الذي قاد شعبه في عز الأزمة، ويرى ميهوبي أن المثقف أولى بالرئاسة والأكثر فهماً للمجتمع وحاجياته الأساسية والسياسية. تجتمع في ميهوبي، كتلة كبيرة من المسارات المتناقضة، من صحافي غارق في ملاعب كرة القدم ومؤسس لصحيفة "صدى الملاعب" في بداية التسعينيات، إلى شاعر غارق في القصائد والشعر والكلمات، مع إصداره عدداً من الدواوين الشعرية والقصائد التي تحوّل بعضها إلى أغان، فضلاً عن كونه روائياً وكاتب سيناريو لمسلسلات تاريخية. كما عمل مديراً للإذاعة والأخبار في التلفزيون ورئيس تحرير صحيفة "الشعب" الحكومية، ثم وزيراً للثقافة.

ميهوبي خريج مدرسة الإدارة وابن شيخ زاوية دينية من أسرة كان كبيرها الشيخ محمد الدراجي، وهو من معاوني شيخ "النهضة" في الجزائر عبد الحميد بن باديس، وعلى الرغم من ذلك انتمى ميهوبي إلى حزب ديمقراطي يرى في أدبياته المؤسسة الدينية معطلاً رئيساً لتطور الإنسان الجزائري. وخاض الحزب صراعات سياسية ودعم إصلاحات تربوية استبعدت القيم الدينية من المناهج التعليمية. وفي عام 1998 ترأس ميهوبي اتحاد الكتاب الجزائريين حتى عام 2005، لكن مجمل هذه المسارات وضعته عند نقطة واحدة، إذ وجد ميهوبي نفسه على مدار عقود كاملة في خدمة السلطة، التي نقلته من منصب إلى منصب، وكان يبرر ذلك في كل مرة بأنه ابن الدولة وخادم الشعب والثقافة.

كان أول بروز سياسي لميهوبي في الانتخابات النيابية التي جرت في يونيو/حزيران 1997، حين ترشح في قائمة حزب "التجمع الوطني الديمقراطي"، الذي أنشأته السلطة في فبراير/شباط من العام نفسه، رداً على تمرد قيادة "جبهة التحرير الوطني" على السلطة. وفاز الحزب الفتي بتلك الانتخابات التي توصف بانها أكبر عملية تزوير في تاريخ الانتخابات في الجزائر. وصل ميهوبي إلى البرلمان نائباً، وفتح له ذلك أبواباً عدة، بينها ترؤس اتحاد الكتاب الجزائريين، ثم أصبح مديراً للإذاعة الوطنية بين عامي 2006 و2008، قبل أن يتم تعيينه كاتب دولة مكلفا بالاتصال، وينقل بعدها بسنتين كمدير للمكتبة الوطنية ثم رئيس للمجلس الأعلى للغة العربية، ويعاد استدعاؤه عام 2015 لمنصب وزير للثقافة حتى مارس/آذار 2019.

خلال فترة حكم الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، ظل ميهوبي أكثر المثقفين دفاعاً عن سياساته وخياراته، وكان يترجم هذا الدفاع عبر إنتاجات ثقافية وأدبية تتكيف وتتزامن مع كل مرحلة. وإضافة إلى الانتقادات السياسية التي توجه إلى ميهوبي وحزبه "التجمع الديمقراطي"، يتعرض ميهوبي لانتقادات بوصفه مثقف السلطة، ولأنه لم يكن في أي وقت مثقفاً عضوياً ملتزماً أو نقدياً للسياسات الرسمية الثقافية والاجتماعية، لكن ميهوبي قال في كثير من حواراته وتصريحاته إنه قدّم خدمات للثقافة والمثقفين ومكّن شعراء وكتاباً من مناصب وخدمات وامتيازات ورعاية من موقعه الحكومي ومناصبه المتعددة، أفضل بكثير من الخيار النقدي الذي تجنبه في مساره الثقافي والسياسي.



خلال الفترة الأخيرة، حاول ميهوبي أن يستبعد نفسه عن كل الأخطاء التي ارتكبها حزبه "التجمع الديمقراطي" الذي ظل لأكثر من عقدين أحد أضلاع الواجهة السياسية للسلطة، ناهيك عن ما ينسب لميهوبي من دون وجود قرائن، من عدم تمكنه من التدبير الرشيد في قطاع الثقافة، على خلفية ما شهدته الجزائر من تلاعب كبير بملايين الدينارات في القطاع، وعجزه خلال فترة إدارته لكتابة الدولة للاتصال من تقديم أي إضافة لقطاع الإعلام، وعدم إنجازه قاعة سينما واحدة خلال إدارته لوزارة الثقافة، إضافة إلى اتهامات له بممارسة الرقابة على السينما، في علاقة بفيلم المناضل الثوري "العربي بن مهيدي"، والذي ما زال محتجزاً حتى الآن بسبب لقطات أصرت وزارة الثقافة على إلغائها.

تبدو الحملة الانتخابية لعز الدين ميهوبي الأضعف لجهة الحضور والقوة مقارنة مع باقي المرشحين الأربعة، إذ عقد أقل عدد من التجمّعات الشعبية مركزاً في حملته على مناطق الجنوب كتمنراست وأدرار، تلافياً للتصادم مع الرافضين للانتخابات في مدن الشمال ذات الحيوية السياسية. ويعزو المراقبون ذلك لسببين. الأول أن ميهوبي ظل ملتصقاً بنظام بوتفليقة حتى 11 مارس/آذار الماضي، كوزير للثقافة، ويبقى ضمن لائحة رموز نظام بوتفليقة وموظفيه السياسيين، بخلاف المرشحين الأربعة الذين يتوفر لكل منهم فاصل زمني عن نظام بوتفليقة، أقلهم المرشح عبد المجيد تبون بسنتين. الأمر الثاني هو انتساب ميهوبي لحزب سياسي يتهمه الجزائريون بأنه جزء من منظومة الفساد والتزوير ومن مخلفات الأزمة الأمنية، إذ تشكّل من كوادر المليشيات المسلحة التي أنشأتها السلطة لمقاومة الإرهاب في منتصف التسعينيات، ويتواجد أمينه العام ورئيس الحكومة السابق أحمد أويحيى في السجن.

في يوليو/تموز الماضي، استولى ميهوبي على حزب "التجمع الوطني الديمقراطي"، وعلى الرغم من مواجهته مقاومة داخل الحزب لمنعه من ترؤسه، إلا أنه تمكن من ذلك، وسط اتهامات بتلقيه دعماً خفياً من السلطة القائمة، والتي بدت بحاجة إلى خطاب سياسي لمثقف يساعد على استقطاب جزء من النخبة باتجاه المسار الذي تتبناه السلطة. المؤشرات كثيرة تلك التي تدعم هذا الاعتقاد، وهو أمر يعزز أن دخول ميهوبي إلى السباق الانتخابي لا يتعلق بطموح مركزي للوصول فعلياً إلى الرئاسة، إذ لا يملك الرجل أي عوامل ذاتية وسياسية أو دعم شعبي يتيح له الفوز بانتخابات الرئاسة، بقدر ما يتعلق الأمر بخدمة سياسية يساعد فيها السلطة الحالية لإنجاز الاستحقاق الانتخابي.


المساهمون