"يمكن أن أموت من الجوع، لكن لن أدرب الميلان. لو حدث هذا الاحتمال مستقبلاً، فلن أفعل لأنني أنتريستا"، ودارت الأيام وقام سينيسا ميهايلوفيتش باتخاذ قراره الصعب الذي يختلف تماماً مع مقولته الشهيرة عام 2010، بعد الاتفاق الحاسم بين المدير الفني السابق لسامبدوريا والسيد بيرلسكوني، الحاكم بأمره في ميلان، ليصبح النجم السابق لإنتر ميلان وعدة أندية أخرى، مختصاً بأهم مقعد فني داخل الخصم اللدود ميلان، ويتولى منصب المدير الفني للنادي اللومباردي.
الواقعية
إذا فزنا، فنحن الأفضل، وإذا خسرنا، فنحن الأسوأ. هم يكونون هم، ونحن نكون نحن، أو بالإيطالية: "loro sono loro, noi siamo noi"، هي كلمات خاصة بالراحل الخبير، أحد العباقرة المنسيين في كرة القدم، إنه فويادين بوشكوف، صانع أمجاد سامبدوريا، والمدرب الذي وصل بالفريق الإيطالي إلى قمة المجد بداية تسعينات القرن الماضي، ليضع نفسه كأفضل مدير فني في تاريخ النادي العريق.
وفي إيطاليا كل شيء يدور في فلك الواقعية، وكما تبرر الغاية أي وسيلة بالنسبة لمختلف فرق الكالتشو، فإن المدربين أيضاً يسيرون في الاتجاه نفسه، وهذا ما فعله ميهايلوفيتش وميلان. فالروسونيري طارد كارلو أنشيلوتي مرات عديدة أخيراً، وطلبه جالياني بالإسم في أكثر من مناسبة، لكن قرار المدير الفني السابق للريال بالراحة لمدة عام، جعل رجال ميلان يفكرون في اسم بديل.
وميهايلوفيتش أيضاً لا يمانع أبداً في أن يكون الخيار الثاني وربما الثالث، لأنه في النهاية رجل محترف في كل شيء. لعب الكرة سابقاً بعقله قبل قدمه، واختار قراره التدريبي ببراغماتية يُحسد عليها بعيداً عن القلب وما يريد، وكأن شخصية سينيسا القوية خلقت لكي تناسب الوضع الإداري الحالي داخل قلعة ميلان.
أخطاء الماضي
رحل بيبو إنزاغي دون أي بصمة تُذكر، وبعيداً عن المذنب طوال التجربة الممتدة لعام، فإن المدرب الشاب اصطدم كثيراً بأباطرة الفريق، ولم يستطع أبداً تكوين شخصية خاصة لميلان، لأن فاقد الشيء في النهاية لا يعطيه، لذلك رضي المهاجم التاريخي بدور صديق الرئيس، وخرجت الأمور بعيداً عن إرادته، والدليل اعتراضات اللاعبين غير الرياضية على بعض قراراته وتغييراته أثناء المباريات.
ميهايلوفيتش مختلف في هذه الجزئية، لأنه مدرب صعب المراس والمزاج، وكثير الصدامات مع الكبار سواء داخل الملعب أو خارجه، وبالتالي يستطيع الوافد الجديد فرض آرائه ووجهة نظره على بيرلسكوني وجالياني، بالإضافة إلى كبح جماح اللاعبين، ومحاولة لمّ الشمل من جديد في رحلة العودة إلى أضواء الكبار.
الدوري الإيطالي ليس بالصعب إذا قرر ميلان العودة فقط إلى مصاف العمالقة، خصوصاً أن منافسة يوفنتوس على اللقب في الفترة القادمة أمر غير وارد، لكن الفريق قادر على مزاحمة البقية على مقاعد دوري الأبطال. روما بكل مشاكل رودي غارسيا حصل على الوصافة، ولاتسيو رغم النهايات الدراماتيكية خطف المركز الثالث، وبمقدور ميهايلوفيتش لعب هذه الأدوار بالموسم المقبل، شريطة تعاقدات مثمرة وبدايات موفقة.
ماذا عن التكتيك؟
يلعب المدرب الصربي بطريقة لعب تمزج بين 4-3-3، و4-3-1-2 من البداية حتى النهاية، وبسبب ميوله الدفاعية القديمة كلاعب، فإن سينسيا يضع تركيزاً مضاعفاً على تأمين الخط الخلفي لفريقه، بوجود ثلاثي دفاعي لا يتقدم كثيراً، ثنائي القلب والظهير الأيمن، مع السماح لظهير واحد فقط بالتقدم كثيراً إلى الأمام في ما يُعرف تكتيكياً بالـ3-7.
تمتاز حركة ثلاثي الوسط بالتناسق بين لاعب ارتكاز دفاعي صريح أمام الخط الخلفي، يعاونه ثنائي على كل جانب على طريقة الريشة، لاعب وسط أيمن يقوم بدور الجناح والارتكاز، ولاعب وسط أيسر يصنع المهام نفسها، الارتكاز، دور الريشة في التغطية على تقدم الظهيرين.
بينما يصنع العمل الهجومي لاعب وسط متقدم أمام الثلاثي السابق ذكره، يقوم هذا اللاعب بدور صناعة الأهداف والتحرك بحرية في الثلث الأخير، مع وجود لاعب قوي داخل منطقة الجزاء، كمهاجم يحجز المدافعين ويعطي الفرصة لرفاقه في القطع الأمامي، ومهاجم آخر خفيف وسريع يرافقه، على طريقة موراتا وتيفيز في يوفنتوس.
ميلان الجديد
يحتاج النجاح إلى عوامل عديدة، المدرب جزء منها وليس كلها في المطلق، وهذا ما افتقده بشدة إنزاغي بالموسم الأخير، لأنه لم يجد عوناً حقيقياً من الإدارة، ولم يقدم ما يشفع له ثقة المدراء في ميلان. ويحتاج ميهايلوفيتش إلى هذه الحلقة المفقودة، الخاصة بتقديم نفسه كرجل يستطيع قيادة الدفة، وفي حالة حصوله على هذه الدفعة النفسية، ستبدأ مرحلة البحث عن تعاقدات جديدة.
مهمة الصربي لن تكون سهلة على الإطلاق، ومن أجل تنفيذ التكتيك المفضّل له، ستكون هناك أولوية واضحة للتعاقد مع لاعبين في مركزي صانع الألعاب المتقدم والمهاجم الصريح، لأن سينيسا يحتاج إلى لاعب وسط يقوم بدور الكل في الكل، يهاجم ويسجل ويصنع في لعبة واحدة، ومن الممكن سحب سوريانو نجم سامبدوريا معه إلى ميلانو، لكن هذا التعاقد يجب أن تتم مقابلته بإيجاد مهاجم 9 حقيقي، يسيطر على منطقة الجزاء بمفرده، بروفايل قريب من جاكسون مارتينيز نجم بورتو.
وبالطبع حينما تواجهك مشاكل بالهجوم يجب أن تنظر إلى دفاعك، ويعاني الميلان من غياب لمسة الابتكار في لاعبي الارتكاز بالخلف، لذلك تعويض هذه المنطقة بلاعب وسط يجيد التمرير وبناء الهجمة من الخلف سيفيد الفريق كثيراً، بالإضافة إلى ضبط الدفاع ككل سواء بتعاقد جديد أو بإعادة هيكلة هذه المنطقة بالكامل تكتيكياً، من خلال التعامل مع أبجديات الأمور، سواء التمركز أو التحرك أو الرقابة.
سقف الأحلام
بطريقة أو بأخرى، التزم ميهايلوفيتش وتعلّم كثيراً من أخطائه. قبل وبعد الهبوط من خلال تولي وظيفة المدير الفني لمنتخب صربيا، عدّل سينيسا كثيراً من أوضاعه الفنية، وبدأ في الاتصال بمعظم المدربين الكبار في أوروبا، من بيب جوارديولا وجوزيه مورينيو إلى أرسين فينغر والسير أليكس فيرغسون، ليستفيد من أساليبهم التدريبية، ولكن الأهم من ذلك كله، الطريقة التي يتواصل بها مع لاعبيه.
فرغم صغر سنه، إلا أنه يمتاز بشخصية فولاذية، ولا ينصاع أبداً لأي لاعب مهما كان اسمه، ويتشابه في هذا الجانب مع الأرجنتيني دييغو سيميوني، حيث إن الثنائي يشتهر بطبيعة خاصة، مع الاعتماد على التحفيز والصراخ على طريقة مشجعي المدرجات في أميركا اللاتينية. ومنذ عمله مع سامبدوريا، يعوّل ميهايلوفيتش على الجانب النفسي من العمل، حول الحاجة إلى إيجاد تفاصيل كل لاعب والعمل على كيفية دفعهم إلى الأمام، سواء بالصلابة في التعامل أحياناً، أو الحديث على انفراد مع البعض، أو معاملة المجموعة كأنها أسرة واحدة.
وتعتبر هذه الأمور الفرعية مهمة جداً في حالة ميلان، لأن الفريق يمر بأزمة حقيقية، ويحتاج إلى صعود السلّم خطوة فخطوة، لذلك ستكون مهمة سينيسا الأولى هي إعادة بث الروح في الجسد الميت، ومن ثم الدخول في رادار الكبار، قبل التفكير في التالي الخاص بحصد البطولات. المهمة ليست سهلة لكن لا مستحيل مع كرة القدم.