مولد المونديال بلا حمص

مولد المونديال بلا حمص

28 يونيو 2018
+ الخط -
وهكذا.. وبعد عشرة أيام تقريبا على بدء نهائيات كأس العالم لكرة القدم في روسيا، خرجت الفرق الكروية العربية الأربعة من المولد العالمي بلا حمص، كالعادة التي نعيشها كل أربع سنوات.
وعلى الرغم من أن هذا الخروج السريع متوقع لدى الجماهير العربية، إلا أنه لم يمنع الشعور بالحسرة التي تخلفت لدى الجميع ممن كانوا يأملون انتصارا ما، يصعد بواحد من هذه الفرق الأربعة على الأقل إلى الدور التالي فقط. لا نريد أكثر من الدور الثاني حالياً. لكن هذا لم يحدث، فعلى الرغم من الاجتهادات الفردية هنا وهناك. خسر الجميع منذ البداية، وكانت تلك الفرق أول الفرق توجها إلى المطار، بخيبتها وحسرتها ومناكفاتها الذاتية أو الثنائية.
باختصار.. لم يكن ما حدث فضيحةً، لأنه المعتاد من فرقنا العربية كلها، وتؤكد الاستثناءات القليلة التي حدثت في بعض التواريخ الماضية قاعدة الفشل العام في اللعبة الرياضية التي تعتبر الأشهر في كل البلاد العربية.
وأيضا كالعادة، واجهت الجماهير العربية تلك الفرق العائدة، حتى من غير خفي حنين، بغضب ممزوج بالأسى، بعد أن تحول الفرح بوصول أربع فرق عربية إلى نهائيات كأس العالم لأول مرة في تاريخ الكرة إلى حزن بعدم نجاح أيٍّ من هذه الفرق بعبور الدور الأول من تلك النهائيات، على الرغم من أن ما توفر لها من إمكانات مادية لا يقل عما توفر لغيرها من الفرق العالمية الأخرى، إن لم يكن أكثر، وعلى الرغم من أن المهارات الفردية للاعبين، يفترض أنها لا تختص ببلد دون الآخر.
لماذا يخسر العرب دائما، وفي معظم المحافل الكروية؟ ما الذي ينقصهم ليخوضوا غمار المنافسات حتى نهاياتها، ولو لمرة واحدة؟ ماذا فعل العربي العاشق لهذه اللعبة الساحرة، لكي يعيش الحسرة تلو الحسرة في الملاعب والمدرجات؟ من الذي يغافلنا في كل مرة ليسرق فرحنا الموعود حتى على سبيل الأمل؟ لماذا يحيطنا الموات في كل شيء حولنا، حتى في اللعب والرياضة؟
أسئلة نواجهها، كجماهير عربية متعطشّة لأي فرح في أي مضمار، كلما صفّر الحكم، معلنا نهاية خيبةٍ جديدة من خيباتنا الكثيرة في الملعب وخارجه. لكننا لا نجد إجابات تشفي ما في الصدور من حرقة. وربما لهذا يقع كثيرون منا في محظور الصراعات الداخلية بين بعضنا بعضا، وبدلا من مقارنة أنفسنا بالآخرين خارج الخريطة العربية، نقارن خسائرنا ببعضها، فيتباهى أحدنا، على سبيل المثال، بقلة عدد الأصفار في جعبته مقارنةً بعددها في جعبة شقيقه. وإن حدث اختلافٌ حولها، سرعان ما يتحول إلى خلافٍ يشارك فيه الجميع، بعد أن يغذّيه المسؤولون عن الرياضة هنا أو هناك، لينشغل الجمهور عنهم وعن حماقاتهم ويتلهون ببعضهم بعضا فقط ليعوض الهزيمة الحقيقية بانتصار افتراضي في تلك المناكفات الكبيرة حول القضايا الصغيرة.
لم أكن أتوقع، ككثيرين غيري، أن يصل أي فريق عربي إلى الأدوار الأخيرة في نهائيات كأس العالم الحالية في روسيا! فعلى الرغم من أنني لم أكن متابعة دقيقة لأحوال تلك الفرق، مع حبي الكبير كرة القدم عموما، إلا أن ما رشح من أخبار ومتابعات للتصفيات والتدريبات والمباريات الودية التي جرت في إطار الاستعداد للمشاركة في النهائيات جعلتني متيقنةً تماما من خروج تلك الفرق من الدور الأول، لكن هذا اليقين لم يمنعني بممارسة بعض الأحلام المشروعة، والتي علقتها على سبيل الأمنيات شبه المستحيلة، لعلها تتحقق في غفلةٍ من التوقعات والاستنتاجات، متناسية أن هزائمنا في كرة القدم ليست سوى تعبير عن هزائمنا أمام أنفسنا أولاً، وأمام الآخرين في لعبة الحياة الراهنة كلها، فمن أين نأتي بالحمّص، ما دمنا لا نعرف كيف نعيش في مولد الحياة؟
CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.