مولانا مولى ملتقى الأنهار الثلاثة

مولانا مولى ملتقى الأنهار الثلاثة

11 أكتوبر 2015
(نصب لـ باسافانا في بنغالور عاصمة كارناتاكا في الهند)
+ الخط -

[باسافانا (1106 - 1168) هو أحد قدّيسي مذهب الموحّدين (فارشيفا)، ومنظّم حركتهم المسماة "الباكتية"، وهي حركة احتجاج نبذت نظام الطبقات في الهند ورأت ألاّ معنى للشعائر السائدة.

جاء في سيرة حياته، أنه قطع ما يشدّه إلى حياته الماضية، وغادر منزله متخلّياً عن ثروته وأملاكه وأهله، وقد استأثر حبُّ شيفا بقلبه، متّجهاً إلى الغرب، فوصل إلى منطقة "كابادي سانجاما"، حيث ملتقى ثلاثة أنهار. وأصبح إله ملتقى الأنهار الثلاثة معبوده المفضل.

كتب باسافانا قصائده بلغة الكانادا (وهي لغة محلية سادت، بعد أن أخلت السنسكريتية مكانها للعاميات)، وتأتي في المرتبة الثانية بين اللغات الدرافيدية الكبرى، وتسبقها لغة التاميل في الموروث الأدبي القديم، وبها كُتب هذا الشكل الشعري الحر ذو الطابع الغنائي والديني.

يُطلق على القصيدة من هذا النوع اسم "فاكانا" وتعني حرفياً "ما يُنطق به". ورغم تنوّع الأدب المكتوب بلغة الكانادا وعمره الطويل (1500 عام على أقل تقدير) إلا أنه لا توجد غنائيات لافتة للنظر وأكثر تفرّداً وتأثيراً من فاكانات قدّيسي الحركة الباكتية في العصور الوسطى.

وتمتد أكثر مراحل شعر الفاكانات أهمية على مساحة قرنين من الزمن، ما بين القرن العاشر والقرن الثاني عشر الميلاديين، ويُعتبر باسافانا ومعه داسيمايا وألاّما برابهو وماهاديفي آكا الأعظم بين شعراء تراث الفاكانا.

ومع أن الفاكانات لا تزال تُكتب حتى اليوم، إلا أن عدد شعرائها الذي يقارب 300 شاعر، لم يستطع الوصول إلى مستوى القدّيسِين الأربعة من حيث المكانة والعاطفة والقوة الشعرية.]

1
سيقيمُ الأثرياءُ
معابدَ لـ "شيفا"
ما الذي عليَّ
أنا الإنسانُ الفقير
أن أفعل؟

ساقاي عمودان،
الجسد مَقامٌ،
والرأس قبةٌ
من ذهب

اسمع يا مولى ملتقى الأنهار،
ستسقط الأشياء الثابتة،
ولكن المتحركة دائماً ستبقى.

2
انظُر..
العالم بأمواجٍ عالية
يلطمُ وجهي

قل لي
لماذا يجب أن ترتفع الأمواج إلى قلبي،
قل لي..
آه.. قل لي.. لماذا
ترتفع الآن إلى حنجرتي؟
أيها المولى
كيف يتسنّى لي أن أقول لك شيئاً
بينما هي ترتفع عالياً
فوق رأسي؟
أيها المولى.. أيها المولى
اصغِ إلى صرخاتي
يا مولى ملتقى الأنهار
اصغِ..

3
أبي.. جئتَ بي وأنا في غمرةِ جهلي
عبرَ أرحامِ الأمهات
عبر عوالمَ بغيضة

هل كان خطأً مجرّدُ أن نُولَد
أيها المولى؟
ارحمني لكوني وُلدتُ
مرةً من قبل

أعدك
يا مولى ملتقى الأنهار
أن لا أولد ثانية، أبداً.

4
مثل قردٍ على شجرة
يقفزُ من غصنٍ إلى غصن
كيفَ لي أن أثقَ أو أؤمن
بهذا الشيء الملتهب، هذا القلب؟
لن يتركني أمضي
إلى أبي
إلى مولاي.. مولى ملتقى الأنهار.

5
شيفا.. أنتَ بلا رحمة
شيفا.. أنتَ بلا قلب
لماذا، لماذا جعلتني أولد
بائساً في هذا العالم
منفياً عن العالمِ الآخر؟

قل لي أيها المولى،
أليس لديكَ شجيرة
أخرى، أو نبتةٌ
أُعدّت لي فحسب؟

6
سيدُ المنزل، هل هو في البيت، أم لا؟
عشبٌ على العتبة
ترابٌ في البيت:
سيدُ المنزل، هل هو في البيت، أم لا؟

أكاذيبُ في الجسد
شهوةٌ في القلب
لا.. سيدُ البيت ليس في البيت،
مولانا، مولى ملتقى الأنهار.

7
هل يهمُّ كم من الوقت
يمرّ على صخرةٍ تبتلُّ في الماء؛
أيحدث أن تصبح ناعمةً؟

هل يهمّ كم من الوقتِ
أقضيه في العبادة
مادام القلبُ متقلّباً؟

عبثاً، مثل شبحٍ،
أقفُ حارساً للذهبِ المكنوز

يا مولى ملتقى الأنهار

8
نوّاساتُ الطواحين المائية تحني رؤوسها
ما الذي يعنيه هذا؟
هل ستصبح مؤمنة
بالمولى؟

الببغاواتُ ترتلُ
ما الذي يعنيه هذا؟
هل تستطيع قراءة المولى؟

الملاقطُ تُطبق أيديها
ما الذي يعنيه هذا؟
هل تستطيع التواضع في عبادة
المولى؟

كيف لعبيدِ الإلهِ المجرّدِ من الجسدِ
أن يرغبوا،
أن يعرفوا طريقَ
رجال مولانا
أو الموضع الذي يقفون فيه؟

9
التواءاتُ الأفعى
مستقيمةٌ بما يكفي لتلائم جحر الحيةْ
تعرّجاتُ النهر
مستقيمة بما يكفي لتلائم البحر
والتواءاتُ رجال مولانا
مستقيمة بما يكفي لتلائم مولانا

10
قبلَ
أن يصل الشيبُ إلى الخدين
والتجاعيد والذقن المقوّس
ويصبح الجسدُ قفصَ عظام؛

قبلَ
أن تصبح شخصاً آخر يسعى
بأسنان ساقطة
وظهرٍ محدودب؛

قبلَ
أن تهوي يداكَ على ركبتيكَ
وتمسك بعصا؛

قبلَ
أن يأكل الهرم
هيأتكَ

قبلَ
أن يلمسك الموت؛

اعبد
مولانا
مولى ملتقى الأنهار!

11
أنظرْ إليهم
مشغولون يقيمون إطاراً حديدياً
لفقاعةٍ على الماء
لتكون آمنة!

اعبُد المولى واهب كل شيء
وعش
من دون أن تثق
بثبات الجسد

12
بالقدم معلّقٌ حجرُ طاحونٍ
وبالرقبةِ جذعُ شجرة يابس

الأول لن يدعني أطفو
والثاني لن يدعني أغرق

أيها العدو الأمين للزمن
يا مولى ملتقى الأنهار
ارفعني فوق هذه الحياة في البحر
خذني إليك.

13
اجعل من جسدي عارضة عود،
من رأسي يقطينة صوت،
ومن أعصابي الأوتار
ومن أصابعي مفاتيح النغم

شُدّني إليك
واعزف أغانيكَ الاثنتين والثلاثين
يا مولى ملتقى الأنهار!

14
لا أعرف شيئاً مثل الوزن والإيقاعات
ولا قياسات الأوتار والطبول
لا أعرف احتساب مقاطع هذا البحر أو ذاك
مولاي، مولى ملتقى الأنهار،
مادام لن يؤذيكَ شيء
سأغنِّي كما اشتهي.

15
القِدرُ إلهٌ. مذراةُ القمحِ
إلهٌ. الحجرُ
في الشارع إلهٌ. المشطُ
إلهٌ. وترُ القوسِ
إلهٌ أيضاً. مكيالُ القمح إلهٌ.
والميزابُ إلهٌ.

آلهةٌ.. آلهةٌ.. والعديد منها
لم يُترك مكانٌ لموطئ قدم..

ليس هناك سوى
إلهٍ واحد. مولانا
مولى ملتقى الأنهار.

16
يغطسون
أينما شاهدوا ماءً

يطوفون حولَ
أي شجرة يشاهدون

كيف يستطيعون معرفتكَ
أيها المولى
هؤلاء الذين يعبدونَ
المياهَ التي تنضب
والشجرَ الذي يذبلْ؟

17
كيف أخبركَ
حين
يذوبُ اللحمُ لذّةً
مثل حبة بردٍ بلّورية،
مثل صورةٍ من الشمع؟

مياهُ المتعةِ
تغمرُ الضفافَ
وتتدفّقُ من عينيّ

إنني ألمسُ مولاي، مولى
ملتقى الأنهار، وأنضمُ إليه
كيف يمكن أن أحدّث أياً كان
عن هذا؟

18
سيدي، أليست شهادةُ الفكرِ كافية
على الطعمِ فوق اللسان؟
هل تنتظر البراعمُ كلمة صانع الإكليل
لتتفجر زهوراً؟
هل من الصواب، سيدي، التصريح بالكلمات
من أجل أي شيء؟
وهل من الصواب حقاً، سيدي، إظهار
العلامة التي تركتها محبّةُ مولانا
على أعضائنا؟

** ترجمة وتقديم: محمد الأسعد


اقرأ أيضاً: طيور طاغور التائهة