موظف.. هذا السؤال بالضبط يُثير مخاوفه

موظف.. هذا السؤال بالضبط يُثير مخاوفه

06 ابريل 2017
(بول كلي)
+ الخط -

الرجل بوظيفة ساع داخل شركة متوسّطة، يفكّر منذ ثلاثة أيّام متتالية بتقديم رسالة لمالك الشركة الذي هو أيضًا رئيس مجلس الإدارة للنظر في مرتّبه، ومنحه زيادة تتناسب والوضع الاقتصادي للبلاد وسنوات الخدمة التي أمضاها بدون أي زيادة تذكر.

منذ ثلاثة أيّام لم يستطع النوم، وبدا شاردًا على الدوام حتى أن زوجته سألته لمرّات عدّة: هل هناك مشكلة؟ في المرّتين الأولى والثانية أجاب بهدوء أن كلا، لكنه بعد ذلك أخذ يغضب وينهرها بشكل مبالغ فيه، كان هذا السؤال بالضبط يُثير مخاوفه كلّها، ويوقظ أسوأ الاحتمالات لديه، نهض قبل يومين ليلًا بعد انفجار ضخم تلا صوت الطائرة المحلّقة في السماء، وتسلل إلى الزاوية التي يرمي فيها أولاده أدواتهم المدرسية وانسل عائدًا بقلم ودفتر، كانت زوجته تنام مع الفتيات في غرفة صغيرة بينما ينام هو مع الفتيان في غرفة أخرى، لذا فقد توجّه للممر الضيق كيلا ينتبه أحد لما يفعله حاملًا كشاف الضوء الصغير، وهناك بدأ التمرّن على الصيغة التي سيقدّمها:

سيدي رئيس مجلس الإدارة المحترم تحيّة تقدير واحترام ... ، كان هذا السطر الوحيد الذي أجاده وهو ليس اجتهادًا منه، بل كان يقرأ يوميًا المراسلات التي ينقلها عبر الشركة، ظل في الممرّ الضيّق الذي يفصل الغرفتين ويؤدي إلى الحمام والمطبخ، كان قد افترش كرتونا مهترئًا، تحاول الفتيات الحفاظ على المنزل في قمة نظافته، لذا لم يجد أي خرقة ليغطي بها قدميه اللتين تجمّدتا، كان يحس أن هناك جحيمًا في أماكن ما في رأسه وصدره، حرارة قويّة، ولا يعرف كيف لا تدفئه، يفكّر بإسناد ظهره لكنه في الوقت نفسه يخشى صقيع الجدار العاري، جحيم وبرد لا يُطاقان، لذا فقد استمر في جلسته مفكرًا أنه يجب أن يكتب شيئًا.

يجب أن يتوسّله بطريقة ما، ويخبره أن الحرب جعلت أسعار الأشياء ترتفع للضعف، وأن الأولاد انتقلوا إلى مدرسة أخرى بسبب دمار المدرسة السابقة والمدرسة طلبت منهم شراء علب طلاء، بينما أقنع الفتيات بعدم جدوى الدراسة وضرورة العناية بأمهنّ، وأنهم اكتشفوا مؤخرًا أن الزوجة لديها مرض السكري وسببه كما قال لها الأطباء الخوف، وأنه يعرف أن هذا بسبب الحرب أيضًا، وأنه يجب عليه شراء الدواء من الصيدليات الخاصّة وهو غال بشكل جنوني لأنهم يتحصّلون عليه بصعوبة بسبب الحرب، وأنه يريد اقتراض مبلغ أيضًا لشراء لوح للطاقة الشمسية كما فعل الآخرون من جيرانه، كونه يصرف الكثير لأجل الشموع، بينما يشحن أبناؤه هواتفهم الناقلة في المساجد ولدى أصدقائهم، وأنه يفكّر في الانتقال إلى منزل آخر أصغر من الذي يسكن فيه لكنه يعرف أن ذلك معناه مبالغ طائلة، وأن القائمة تطول يا سيدي الرئيس، لذا الرجاء التكرّم بمنحي زيادة بما ترونه مناسبًا.

تكتمل الأفكار في رأسه وتبدأ من جديد، وبين كل فكرة وأخرى يطلّ وجه مديره البارد القاسي ويراه قد غضب بدون سبب ومزق الورقة ورماها، وأحيانًا يراه قد أمر بطرده من العمل، وكان هذا بالذات يثير رعبه ويجعله يبتعد عن الفكرة، إذ يتخيّل جاره الذي يعمل مع الحكومة والذي للشهر الرابع على التوالي لم يتسلّم راتبه، وقد باع أثاثه بالكامل مع الذهب الذي كانت تحوزه زوجته، بينما هو لا يمتلك أثاثًا من الأساس وليس لدى زوجته ذهب، ويتخيل معارفه الآخرين الذين فرّوا من الحرب إلى القرى ثم لحقتهم الحرب هناك فعادوا أدراجهم، وحين عادوا وجدوا أنفسهم مع أشيائهم في الشارع، لكن ما يرعبه أكثر من أي شيء آخر هي صور الهياكل العظمية للأطفال الجياع التي أصبح يراها في كل مكان، كان يتخيّل بناته بذات الوجوه فيرتعد.

لكنه في مرّات يتنهد متفائلًا، متخيّلًا خط المدير موجهًا بجملتين اثنتين، ورقم طويل بجانبه: يتم زيادة راتب الأخ ..... بمبلغ وقدره ......، كان الليل قد انتصف والجميع قد نام، وأحس بعجز مضن كونه لم يستطع صياغة الطلب، خبأ الورقة تحت مخدّته، وصرف ساعات أخرى واضعًا الأشخاص المحتملين لمساعدته تحت الاختبار، ابنته الكبرى المرشّحة الأولى لمساعدته في صياغة الرسالة، لكنه لا يريدها أن تطّلع على هذا الأمر، المحاسب الذي يجلس في مكتب مع زميلته وهو طيب وبشوش، لكنّه يخشى أن يسرب خبرًا إلى منافسيه، الشخص الثالث هي الفتاة التي تعمل على الكمبيوتر طوال الوقت ولا تتحدّث إلى أحد باستثنائه وتطلب منه شراء ساندويتشات البطاطا لها وله، إنها لن تخبر أحدًا مطلقًا، بل إنها ستطبع الورقة في كمبيوترها الجديد وسيحدث هذا فرقًا كبيرًا، لكنه يخشى تلك النظرة المزدرية في زاوية عينيها، أفزعه صوت المؤذّن، وارتعب أنه صار الفجر دون أن ينام ولو قليلًا، في اليوم التالي ظل ساهمًا ينظر للفتاة الصامتة والفتى البشوش، لكنه لم يحسم أمره قط، وظل ينظر للورقة التي يحملها علّه يجد صيغة يستعيرها لورقته، لكنه لم يعرف قط ما هي الصيغة التي يجب أن تكون هي المنشودة، يجب أن يعطيه الطلب في وقت أقصاه بعد غد، أي قبل انتهاء الشهر، بدا أنه فقد القدرة على الكلام لفرط ما استولى عليه همّ كتابة الرسالة، تصوّر أنه يدخل مكتب الرئيس ممسكًا طلب زيادة الراتب، وكان يحس أنه سيتقيأ حين يتخيّل أنه أهين أو تعرّض للسخرية، عاد في ذلك اليوم وقضاه أيضًا في الممر البارد، في الصباح التالي هاجمته نوبة عطاس، أصيب بالزكام وبحمّى أقعدته ثلاثة أيّام في المنزل وتم اقتطاع ذلك من راتبه.

المساهمون