موسكو لا تحتمل زعل تل أبيب

موسكو لا تحتمل زعل تل أبيب

17 يوليو 2014

بوتين يرحب بنتنياهو في إقامته في سوتشي (مايو/2013/أ.ف.ب)

+ الخط -
لا مصلحة لروسيا في تشويش علاقاتها مع إسرائيل من أجل حركة حماس، والكرملين جد منشغل بالصراع الأوكراني عن غزة، ولذلك، يصعب انتظار تغير في الموقف الروسي من حرب إسرائيل وحماس، إلا إذا تفاقمت، وكثرت ضحاياها إلى درجة يصعب معها السكوت.

ردة الفعل الروسية الرخوة على التصعيد الجاري بين إسرائيل وحماس تثير استغراب المتابعين، خصوصاً، وأن المعروف عن روسيا اهتمامها الشديد بالشرق الأوسط، وبالأحداث فيه، وخصوصاً حول إسرائيل، وفي سورية تحديداً. فالخارجية الروسية اتخذت موقفاً حذراً من الأوضاع في غزة، حيث اكتفت، في السابع من يوليو/تموز الجاري، بإدانة ما سمتها "هجمات إرهابية" على المدن الإسرائيلية، مع إدانتها "الاستخدام المفرط للقوة" في حق السكان المدنيين في قطاع غزة. كما أن مندوب روسيا الدائم في الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، اكتفى بدعوة الطرفين إلى "وقف متبادل لإطلاق النار"، وعبّر عن أمله في أن يقبل الطرفان الوساطة المصرية. فما الأسباب الكامنة وراء هذا السلوك الروسي المتحفظ؟

السبب الأول والرئيس، يتمثل في النهج البراغماتي الذي يتبعه الرئيس، فلاديمير بوتين، في العلاقات الدولية. وعليه، فهو في غنى عن تشويش العلاقات مع إسرائيل، على خلفية النزاع في أوكرانيا، خصوصاً وأن لإسرائيل نفوذاً كبيراً في الولايات المتحدة الأميركية، وتأثيراً على قراراتها السياسية. ومن الأمور ذات الدلالة، هنا، تركيز وسائل الإعلام الروسية على أن تل أبيب لم تدن ضم روسيا القرم ربيع العام الجاري. 

ومن الجدير بالملاحظة، أن علاقات روسيا مع إسرائيل تحسنت كثيراً مع مجيء الرئيس، بوتين إلى السلطة، فقد تضاعف التبادل التجاري بينهما مرات، والبلدان مهتمان بتطوير التعاون في مجالات التقانات العالية، كما أن الجيش الروسي يشتري من الشركات الإسرائيلية طائرات استطلاع من دون طيار. تضاف إلى ذلك استجابة الكرملين المتكررة للطلب الإسرائيلي بالامتناع عن تزويد خصوم تل أبيب أسلحة روسية نوعية حديثة، وخصوصاً أنظمة الدفاع الجوي المتطورة والصواريخ التكتيكية التي من شأنها أن تغير ميزان القوى في المنطقة. ومن غير المستبعد أن تكون تل أبيب راضية عن الموقف الروسي في سورية، ذلك أن نظام الأسد الذي اختبرته، عقوداً، يناسبها أكثر من المقاتلين الإسلاميين.

إضافة إلى ما سبق، يتولد انطباع بأن القيادة الروسية تتفهم الرد الإسرائيلي القاسي على اختطاف الشبان الإسرائيليين الثلاثة وقتلهم. فموسكو نفسها عانت طويلاً من صراعها مع المقاتلين الشيشان، والتهديد الإرهابي ما زال قائماً في شمال القوقاز. وبالتالي، على خلفية قسوة الشرطة وقوات الأمن الروسية، في تعاطيها مع المقاتلين في داغستان، سيبدو غريباً أن تدين موسكو ردة الفعل الإسرائيلية على مقتل الشبان.

كما تلعب واقعة وجود حركة حماس الإسلامية طرفاً في الصراع دوراً غير قليل الأهمية بالنسبة لروسيا التي تتعامل بحذر مع هذه الحركة الإسلامية. كما أن دعم موسكو نظام الأسد في سورية، وللعسكر في مصر، يظهر بوضوح أن الكرملين يفضل التعامل مع أنظمة علمانية. ولذلك، تراهن روسيا دائماً على حركة فتح ومحمود عباس الذي يتحلى بموقف معتدل، ويقف ضد استخدام السلاح في الصراع مع إسرائيل.

ما يعزز موقف الكرملين، أيضاً، أن حماس ردت على الضربات الإسرائيلية بقصف صاروخي للمدن الإسرائيلية. ويبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، استخلص، هذه المرة، دروساً من أخطائه السابقة، فلم يغلق غزة بالكامل، في وجه الوقود والغذاء، على الرغم من العملية العسكرية التي يشنها الجيش الإسرائيلي ضد القطاع.

ولكن، وبصرف النظر عما سبق، من المحتمل، في حال قيام إسرائيل باجتياح بري للقطاع، وسقوط مزيد من الضحايا بين المدنيين، أن تغير موسكو موقفها، وتعلن موقفاً أكثر حزماً، إلا أن ذلك ما زال مستبعداً. فالكرملين، على الأرجح، يرى أن المتطرفين الفلسطينيين جلبوا على أنفسهم، وعلى شعبهم، الوبال، واستدعوا ردة الفعل الإسرائيلية الانتقامية العنيفة. لذلك، لا جدوى من تبديد رأس المال السياسي، والتدخل في صراعٍ، لا يمس المصالح الروسية مباشرة.    
78656286-01DB-42B0-AE7D-9550B1BEA173
نيقولاي سوركوف

أستاذ مساعد في قسم الاستشراق في معهد موسكو للعلاقات الدولية التابع لوزارة الخارجية الروسية. مختص في العلاقات الدولية في العالم العربي وتسوية الصراع العربي الإسرائيلي. يعمل حالياً نائب رئيس تحرير "روسيا ما وراء العناوين".