موجة من التعاطف والاحتجاج إثر اختطاف الناشطة الألمانية في بغداد

موجة من التعاطف والاحتجاج إثر اختطاف الناشطة الألمانية في بغداد

23 يوليو 2020
تهتم هيلا بالطفولة وتشارك هموم الشباب (تويتر)
+ الخط -

يواصل ناشطون عراقيون حراكهم للضغط على السلطات الأمنية لمتابعة التحقيق ومعرفة مصير الناشطة الألمانية هيلا ميفيس التي اختطفت مساء الإثنين الماضي، على يد مسلحين يرجح أنهم من مليشيا مسلحة نافذة وسط بغداد، أملاً بالتوصل إلى مكانها وإطلاق سراحها، في الوقت الذي تؤكّد فيه السلطات العراقية أنها لا توفر جهداً في سبيل ذلك.

وخرج متظاهرون اليوم الخميس في ساحة التحرير ببغداد يحملون صورة الألمانية هيلا وعبارات تطالب بالإفراج عنها. وللألمانية هيلا عدد كبير من الأصدقاء والمحبين في العراق، لكونها عملت بجهود متواصلة منذ نحو سبع سنوات، في تقديم المساعدة للفنانين والأطفال واكتشاف الطاقات المبدعة وصقلها، وتُعرَف بحبها الكبير للعراق، وخاصة العاصمة بغداد، ولا سيما حي الكرادة.

وقالت وزارة الثقافة العراقية في بيان لها الخميس، إنها تجري اتصالاتٍ مكثفةً مع الجهات المعنية لمعرفة مصير الناشطة الألمانية المختطفة، وأوضحت أن جهة مجهولة اختطفت هيلا ميفيس وهي قرب منزلها في منطقة الكرادة ببغداد، معتبرة أن "مثل هذه الحوادث تقوّض الجهود الكبيرة التي يقدمها صناع الحياة في هذا البلد، فضلاً عن أنها تشوّه الصورة الجميلة المعروفة عن الإنسان العراقي، خاصةً أن هيلا ميفيس كانت جسراً بين المثقفين العراقيين ومثقفي العالم.
وناشدت الوزارة "كل من له علاقة بهذه القضية أن يستجيب لصوت الإنسانية النابض، ويكون عوناً للخيرين من أبناء هذا الشعب في عودة الحرية لصديقة الثقافة العراقية هيلا ميفيس".

عملت الناشطة الألمانية لسبع سنوات متواصلة في العراق، قدمت فيها المساعدة للفنانين والأطفال

وأكد العراقي نزار الراوي الذي عمل معها عن قرب، أن هيلا قدمت مساعدات كبيرة للعراق من خلال خلق الفرص ودعم الأعمال الفنية والإنسانية، وكان الراوي قد نجح من خلال التعاون مع هيلا في الإفراج عن مشروع مهم يخص توثيق المقام العراقي. وفي حديثه لـ"العربي الجديد" يقول الراوي إنه عرف هيلا بشكل شخصي، ويصفها بأنها "مثقفة جداً وخدمت الفن والثقافة العراقيين كثيراً". وأضاف الراوي مستعرضاً صفات هيلا وسبب بقائها في العراق بقوله: "أحبّت بغداد والناس البسطاء فيها"، مشيراً إلى أنها نتيجة حبها لبغداد وأناسها "كانت ترتدي ما يناسب المدينة، واحترمت جميع الأديان والطوائف، وحرصت حرصاً شديداً على أن تكون بعيدة عن كل التقسيمات الطائفية والسياسية".
ويقول الراوي: "كنا ننصحها أن تحرص على حياتها وهي تتجول في بغداد، وكانت تقول إن كل العراقيين يحبونها ولديها حمايات أكثر من أي مسؤول، وذلك لوجود كثيرين يساعدونها ويقدمون لها خدماتهم، وكانت تشعر بأنها في وسط أهلها". ويضيف الراوي: "هذا المنطق لا يعجب خفافيش الظلام" في إشارة إلى الخاطفين.

وعمليات خطف الناشطين والفنانين واغتيالهم ليست جديدة في العراق، وهي مستمرة بوجود مليشيات مسلحة لها قوة على أرض الواقع.
يشير الناشط الحقوقي علي المكدام بأصابع الاتهام إلى مليشيا "كتائب حزب الله" في العراق، مشيراً إلى أن لهم نشاطات أخرى مشابهة. وفي حديثه لـ"العربي الجديد" قال المكدام، إن معرفته بهيلا بدأت منذ عام 2015 وكان حينها مسؤول العلاقات والإعلام في منظمة "بيت تركيب"، التي أسستها هيلا.
ويصف المكدام علاقته بهيلا بأنها "قوية جداً"، ويؤكد أنه "لم يكن لديها أي علاقة بالسياسة ولم تطرح أي آراء سياسية، هي معنية فقط بالفنون وتطوير الشباب المهتمين بالفن". ويتهم المكدام كتائب حزب الله باختطاف هيلا، مبينا أن "اختطافها يذكرنا باختطاف حزب الله لثلاثة صحافيين فرنسيين في بغداد يعملون في قضايا مهتمة بالمسيحيين، وسبب اختطافهم كان للمساومة عليهم لوجود عناصر من حزب الله مسجونين بفرنسا".

يرى ناشطون أن اختطاف هيلا ميفيس جاء لمساومة الحكومة الألمانية على عناصر مرتبطين بحزب الله تعتقلهم برلين

وفي يناير/كانون الثاني الماضي اختطف مجهولون 3 فرنسيين وعراقيا يعملون لحساب منظمة غير حكومية، أثناء خروجهم من فندق كانوا يقيمون فيه قرب السفارة الفرنسية وسط بغداد، وجرى الإفراج عنهم بعد أيام. وبحسب المكدام فإن اختطاف حزب الله للناشطة الألمانية هيلا ميفيس جاء لمساومة الحكومة الألمانية على عناصر مرتبطين بحزب الله تعتقلهم برلين.

ولم تكن هيلا ميفيس تدعم الشباب فقط "لتفجير طاقاتهم الإبداعية" بحسب ما يؤكد جميع من تحدثوا لـ"العربي الجديد" عنها، لكنها كانت أيضاً مصدر أمان وطاقة إيجابية، وكانت تسعى لرفع كل العراقيل والمشكلات من أمامهم. وهذا ما يؤكده أحمد توفيق السعد، الذي يصفها بأنها "كانت الأم والأخت والصديقة والمربية والمعلمة".
ويقول السعد لـ"العربي الجديد" وهو الذي يدرس السينما في كلية الفنون الجميلة، إنه تعرف على هيلا في معرض فني عام 2016. ويضيف: "هي إنسانة حقيقية تساعد الآخرين. محبّة للحياة وللعراق، لا تفارق الابتسامة وجهها أبداً"، ويتابع قائلاً، إنها "لا تتأخر في تقديم المساعدة لمن يحتاجها، لقد ساعدتني كثيراً لأنها آمنت بموهبتي وجعلتني أشارك في مهرجانات عالمية".
وبحسب السعد فإن "هيلا تهتم كثيراً بالطفولة وتشارك هموم الشباب الإنسانية والعاطفية، وترفض أن نتكلم عن العنف والطائفية والعنصرية، حتى لعبة بوبجي منعتنا من ممارستها لأنها تحتوي عنفاً".

وللأطفال نصيب من حب هيلا، فقد كانت تخصص وقتاً لهم لتوعيتهم وإسعادهم وتنمية مواهبهم، وهو ما يؤكده الناشط المدني حيدر المرواني في حديثه لـ"العربي الجديد". ويحتفظ المرواني بصور ومقاطع فيديو لهيلا وهي تمارس نشاطها التعليمي والترفيهي للأطفال، ومن بينهم ولده كيان. ويقول حيدر: إن "ولدي كيان أحد رواد بيت تركيب، الذي تديره هيلا"، مشيراً إلى أن هيلا "كانت تعامل ابني كما تعامل الأم المثقفة أبناءها". وأضاف حيدر "كانت تدعمه في كل اهتماماته وتشجعه على الإبداع، حتى أنه تعلق بها لدرجة أنه تعلم الإنكليزية ليتواصل معها".

وشكلت وزارة الخارجية الألمانية فريق أزمة في أعقاب اختطاف المواطنة الألمانية في بغداد، وبحسب اللواء سعد معن المتحدث الرسمي للداخلية العراقية، فقد شكلت الوزارة أيضاً طاقماً خاصاً من خبراء المخابرات والإجرام للتحقيق في القضية. وقال اللواء معن، إن القوات الأمنية العراقية لاتزال تبحث عن المواطنة الألمانية المختفية، وأضاف في اتصال هاتفي مع وكالة الأنباء الألمانية أنه و"لغاية الآن، القوات الأمنية لاتزال تبحث عن المواطنة الألمانية التي اختفت الليلة الماضية في أحد شوارع بغداد".

المساهمون