Skip to main content
موت سريري للاتفاق النووي
فرح الزمان شوقي ــ طهران
تريد طهران ضمانات أوروبية واضحة (أوليفيه ماتيس/فرانس برس)
يزداد القلق بشأن مصير الاتفاق النووي مع إيران الذي نقل عن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وصفه له، أمس الأحد، بـ"الميت سريرياً"، وذلك بعدما تسربت معلومات صحافية عن رغبة أوروبية روسية صينية مشتركة في التوصل إلى اتفاق جديد يعرض على إيران مساعدة مالية، للحد من تدخلها في المنطقة، وتقليص تطويرها للصواريخ البالستية، الأمر الذي رد عليه المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، في اتصال مع "العربي الجديد"، بالقول إن الاجتماع المرتقب في فيينا، يوم الجمعة المقبل، سيبحث المسائل المتعلقة بالاتفاق النووي وحسب.

وذكرت صحيفة "فيلت أم زونتاغ" الألمانية، أمس الأحد، أنّ دبلوماسيين من أوروبا والصين وروسيا، سيناقشون اتفاقاً جديداً يعرض على إيران مساعدة مالية، للحد من تدخلها في المنطقة، وتقليص تطويرها للصواريخ البالستية، على أمل إنقاذ الاتفاق النووي. ونقلت الصحيفة عن مصادر رفيعة المستوى بالاتحاد الأوروبي قولها، أمس الأحد، إنّ المسؤولين سيجتمعون في فيينا، خلال الأيام المقبلة، تحت قيادة الدبلوماسية بالاتحاد الأوروبي هيلغا شميد، لمناقشة الخطوات التالية، بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في 8 مايو/ أيار، الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران. وقالت الصحيفة إنّ ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين ستشارك في الاجتماع، لكن الولايات المتحدة ستغيب عنه. ولم توضح الصحيفة ما إذا كانت إيران ستشارك.



إلا أن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، قال، في اتصال مع "العربي الجديد"، إن اللجنة المشتركة الخاصة بالاتفاق النووي ستعقد اجتماعاً يوم الجمعة المقبل في فيينا بناءً على مطلب ومقترح إيراني، وسيبحث المسائل المتعلقة بالاتفاق النووي وحسب، مؤكداً أن إيران أطلقت حوارها مع الغرب لبحث العنوان النووي فقط. وأوضح قاسمي أن إيران أوضحت وبشكل صريح للأطراف الباقية في الاتفاق بعد انسحاب أميركا منه أن المطلوب منها هو الالتزام بتعهداتها، ولم يتحدث أي مصدر رسمي حتى الآن حول مجموعة المقترحات المقدمة لإيران، وأي أنباء خارجة في هذا الصدد من قبيل ما تتداوله وسائل إعلام غربية والتي تنقل تصريحات عن ديبلوماسيين غربيين تراه إيران بلا معنى وأنه غير صحيح.
وفيما تنفي تصريحات قاسمي ما نشرته الصحيفة الألمانية، شدد على أن ما تريده إيران في الوقت الراهن هو الحصول على تعهد من بقية الأطراف كي تلتزم ببنود الاتفاق المدونة سابقاً، ومن المفترض أن تقنع الأطراف الغربية إيران بكيفية تحقق ذلك عمليا في المستقبل، وبناءً على ذلك ستتخذ إيران قراراتها لاحقاً.
واعتبر قاسمي أن الأمر الطبيعي والذي أوضحته إيران للمعنيين في الاتفاق يتعلق بضرورة الالتزام بعد انسحاب أميركا، لذلك أطلقت حواراً مع الغرب، فعقدت اجتماعاً مع أطراف أوروبية في بروكسل الأسبوع الماضي لتبادل وجهات النظر مع باقي الأطراف.
وتجلت الشكوك الإيرانية الكبيرة بشأن مصير الاتفاق من خلال ما نُقل عن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، الذي شارك مع مساعده عباس عراقجي وأمين مجلس الأمن القومي الأعلى علي شمخاني، في جلسة برلمانية غير علنية، عقدت أمس، لعرض توضيحاتهم للنواب حول آخر التطورات المتعلقة بالحوار مع الغرب ومصير الاتفاق. مع العلم أن التصريحات الصادرة خلال جلسات من هذا القبيل لا تخرج عادة على لسان ضيوف البرلمان وإنما ينقلها النواب.
وبحسب النائب محمد رضا رضايي كوجي، فإن ظريف اعتبر صراحة خلال الاجتماع أن الاتفاق ميت سريرياً، ويعيش لحظات حرجة في غرفة العناية المشددة، ولن تنقذه إلا ضمانات أوروبية واضحة، معتبراً أنه يجب الانتظار لمعرفة ما سيحمله المستقبل لهذا الملف. ونقل عن ظريف قوله إنه "ليس واضحاً كم من الممكن أن يصمد الأوروبيون بوجه العقوبات الأميركية، فعدد من المستثمرين في شركات أوروبا نفسها أميركيون".

وبحسب أكثر من نائب، فإن ظريف أبدى تحفظاً على مسألة التوقعات، وما إن كان الغرب سيمنح إيران ما تريده مقابل الحفاظ على الاتفاق، الذي بدا أن الأوروبيين كذلك متمسكون به، لكنه لمّح لإمكانية منح الأوروبيين امتيازاً آخر، فإذا ما حققوا لإيران مكتسباتها الاقتصادية ولم يعطلوا مشاريعهم معها فمن الممكن أن يستمر الحوار مستقبلاً، من دون المساس بالخطوط الحمر، بحسب ما وصف ظريف، في إشارة لإمكانية الحوار حول مسائل المنطقة ودور إيران فيها، مع رفض مسألة التفاوض الصاروخي.
أما النائب جواد أبطحي، فنقل عن عراقجي تشكيكه بقدرة الأوروبيين على الاستمرار بالاتفاق بدون الولايات المتحدة، مع تأكيده على رغبة هذه الأطراف بإنقاذ الاتفاق، دون الدخول في صدام وحرب سياسية وتجارية مع الولايات المتحدة الأميركية، وهذا لن يكون أمراً يسيراً. كما أكد عراقجي للنواب، وكثر منهم من المحافظين، أن المسؤولين الإيرانيين عن الحوار مع الغرب، ويقصد طاقم الخارجية، فصلوا المسار النووي عن الملفين الصاروخي والإقليمي.
هذه المواقف ترتبط بعاملين، الأول يتعلق بالداخل الإيراني ووجود مراكز ثقل في مؤسسات صنع القرار فيه كانت تعارض الاتفاق النووي من الأساس ولا تريد تقديم المزيد من التنازلات، والثاني يرتبط بعدم الثقة بمساعي الغرب، بوجود تصريحات تراها غالبية المسؤولين في إيران أنها متناقضة، خصوصاً أن إجماع مسؤولي أوروبا على ضرورة الحفاظ على الاتفاق تتخلله أحياناً مطالب ثانية من إيران، ولا يخلو ذلك من الإشارة لاستراتيجية وأهمية العلاقات مع الغرب. وهو ما انتقده مستشار المرشد الإيراني الأعلى للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي، بقوله إن تصريحات المسؤولين الأوروبيين حول الاتفاق النووي متناقضة وتبعث على الشك، وهو ما يجعل هذه الأطراف غير أهل للثقة، وطرح ولايتي صفقة شركة توتال كمثال، وهي التي أصبح استمرار عملها في قطاع الطاقة الإيراني شبه محسوم، فرأى أنها قررت الانسحاب لكونها غير قادرة على الصمود بوجه الضغوطات الأميركية.
وجاءت انتقادات ولايتي على الرغم من أن التحركات الأوروبية منذ الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي في 8 مايو/ أيار الحالي تؤكد أنها تريد الحفاظ على الاتفاق النووي، وهو ما دفعها إلى اعتماد مسارين، الأول يتعلق بإرضاء إيران من خلال منحها الضمانات الاقتصادية اللازمة لضمان استمرار الاتفاق، والثاني مرتبط بسبل إرضاء الولايات المتحدة الأميركية من خلال محاولة التوصل إلى تفاهمات مع إيران تتجاوز الملف النووي وتتعلق بمسألتي دور إيران الإقليمي والصواريخ.

ضمن هذا السياق، فعّل الاتحاد الأوروبي، منذ يوم الجمعة الماضي، قانون الردع الخاص بالعقوبات الأميركية، وهو قانون توصل إليه الأوروبيون في 1996 لحماية علاقاتهم التجارية مع الآخرين، بعد أن فرضت واشنطن عقوبات على إيران وليبيا وكوبا، ومن شأنه تعطيل مفعول العقوبات الأميركية التي قد تطاول المتعاونين مع هذه الأطراف، بما يحمي مصالح الأوروبيين الاقتصادية أولاً، ويمنح نصه استثناءات للشركات الواسعة النطاق والتي لديها علاقات أبعد من الحدود الأوروبية والتي قد تتضرر كثيراً من العقوبات الأميركية مثلاً، لكن ومع ذلك يسمح القانون بإعطاء تعويضات للشركات التي تترتب عليها خسارات، بل وأحيانا تضطر أميركا لدفع الغرامة عن طريق مصادرة أموالها، وفي هذا السيناريو تصعيد كبير غير مرجح. وفي السياق، رأى المحلل السياسي حسين رويوران، في حديث مع "العربي الجديد"، أن إرضاء أوروبا لكل من إيران والولايات المتحدة معاً صعب المنال في الوقت الراهن، على الرغم من أن المساعي تثبت وجود هذا التوجه. وأضاف أن الطريق الأسهل لا يكون بالجمع بين مطالب الطرفين، وإنما بالوقوف في الوسط، فلا يمكن لأوروبا أن تضحي بالولايات المتحدة لأجل إيران، لكن عليها أن تتعاون أكثر مع روسيا والصين لتمنح الضمانات الاقتصادية المناسبة لطهران. ولفت إلى أن التشديد على مسألتي الصواريخ والدور الإقليمي لا يزالان حساسين بالنسبة لإيران، فعلى أوروبا الحفاظ على الاتفاق أولاً، وأن تفصل بينه وبين هذين العنوانين، لا أن تحاول تعديل الاتفاق الآن بما يؤدي لانهيار الأمور.
كما أشار إلى أنه ليس هناك ما يمنع أوروبا من الدفاع عن الاتفاق، والقانون يتيح لها ذلك، لكنه يعتبر أن هناك صعوبات ستعترض هذا الأمر عملياً، فالمصالح الأميركية الأوروبية متداخلة والأمور لن تكون بهذه البساطة، ولا الظروف والمعطيات ستسمح بقدر كبير من المناورة الأوروبية مع أميركا، بحسب رأيه.
وذكر في حديث مع "العربي الجديد"، أن حرص الأوروبيين على العلاقات مع إيران واضح، وهناك مساع للحفاظ على الاتفاق، لكن هناك الكثير من الشركات الخاصة التي لن تلتزم بقرار التعطيل أو الردع بما يخدم مصالحها كذلك، فالضمان الأوروبي لإيران لن يقنع الشركات بالتضحية بعلاقاتها مع أميركا، خصوصاً تلك التي لديها صفقات وعلاقات ضخمة معها.