مواهب عربية

مواهب عربية

05 مارس 2019
الشقيقتان حديد هذا الشهر في باريس (برتراند رندوف بتروف/Getty)
+ الخط -

عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يتناقل المستخدمون العرب كثيراً من أخبار الشخصيات المؤثرة عالمياً من ذوي الأصول العربية، وتحتدم المواجهات في التأييد والتبخيس، وتحويل وجهة النقاش. فشخصيات على شاكلة لاعب الكرة المصري، محمد صلاح، والممثل الأميركي- المصري الحائز على الأوسكار أخيراً، رامي مالك، والعارضتين الأميركيتين- الفلسطينيتين الشقيقتين جيجي حديد وبيلا حديد، وغيرهم كثيرون وكثيرات، يحتدم الجدال حولهم على الدوام، بين من يعبر عن حبه لهم وإعجابه بمواهبهم، لأنّهم عرب أو ذوو أصول عربية، وبين من ينتقدهم لاعتبارات مختلفة، لأنّهم عرب أيضاً.

من تلك المواقف كيفية تقبل مستخدم عربي، ظهور جيجي حديد، مثلاً، في عروض الملابس الداخلية، خصوصاً مع العناوين المثيرة للمواقع العربية التي تحمل عبارات من قبيل "جيجي حديد تتألق بقميص شفاف من دون حمالة صدر". كذلك، كيفية تلقيه تصوير محمد صلاح في إعلان يظهر فيه عاري القسم الأعلى من جسده، وقد "حلق شعر صدره" كما ركز كثير من التعليقات. أو كذلك، كيفية تفاعله مع نيل رامي مالك، الأوسكار، عن دور البطولة في فيلم السيرة الذاتية "بوهيميان رابسودي" الذي جسّد فيه شخصية مغنٍّ بريطاني مثليّ.

في العلاقة الاعتيادية ما بين شخصية من هذا النوع ومتلقٍّ عادي، متغيران هما أداء تلك الشخصية في اختصاصها، وذائقة المتلقي، وهكذا يكوّن المتلقي رأيه وموقفه منها، تبعاً لتلك العلاقة بين المتغيرين. لكن، حين يدخل متغير ثالث على غير علاقة بالأداء والذائقة، أو على علاقة بالتكوين الأيديولوجي للذائقة، فهنا لن يكون الحكم عادلاً مهما كان. وفي الحالة العربية يراد لتلك الشخصية العالمية أن تحمل هموم الوطن والمواطن وقضايا الأمة العربية بنكساتها وخيباتها وأحوالها اليومية السيئة التي لا تلقى إجماعاً أساساً بل تشهد شداً وجذباً في كلّ حين.



رافضو تلك الإنجازات، واعتبار تلك الشخصيات مؤثرة حتى، لديهم منهجية أخرى مختلفة تماماً، فمن بينهم الإسلامي الذي يرفض فنون الغرب ورياضاته أساساً، ومن بينهم الماركسي الذي يرفض الغرق في اقتصاد السوق وما يحمل من تسليع. لكنّنا نتحدث هنا عن آخرين، من غير الرافضين، بل ممن يتمنى كثيرون من بينهم أن يكونوا مكان تلك الشخصيات التي تمكنت من اختراق عوالم قد تكون بعيدة جداً عن متناول معظم سكان العالم، وليس الوطن العربي فحسب، ومع ذلك، يحكمون عليها تبعاً لمتغيرات مضافة على الأداء والذائقة.

بين الجميع، موقف آخر يحمل طابعاً أيديولوجياً، لكنّه نقدي، إذ يعلن أنّ البارزين من العرب لا يبرزون إلا حين يغادرون بلدانهم. فهل هي دعوة إلى الهجرة الجماعية؟ لا، قطعاً، بل دعوة مستمرة وطويلة الأمد، إلى إزالة الأسباب التي تمنع الحقوق عن المواطن، والأدوات التي تقمعه وتكمم فمه وتمنع عنه إبراز ما يختزن فيه من مهارات ومواهب ربما لو فعّلت لكان لدينا أكثر بكثير من صلاح ومالك والشقيقتين حديد.

المساهمون